ساهمت أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية في تطور ظاهرة الإسلام فوبيا في المجتمعات الغربية، ومنها المجتمع الفرنسي، التي أصبحت الأداة الفاعلة للوصول إلى السلطة، بعد تزايد نسبة تدفق الأيدي العاملة للقارة العجوز، ما شكل أحد أهم أسباب استياء بعض الطبقات الفرنسية، ورفضها للوجود المتزايد للمهاجرين، في الوقت الذي رفضت فيه الأحزاب اليمينية المعتدلة واليسارية هذه الظاهرة الخطيرة التي ترى أنها شكل من أشكال العنصرية، التي تميز بها اليمين المتطرف منذ صعود نجم زعيم الجبهة الوطنية جان ماري لوبين، الذي عرف بعدائه للعرب واليهود على حد سواء.
وهنا لا بد من الإشارة إلى حقيقة هذه الظاهرة، المستوحاة مباشرة من نظرية «الاستبدال الكبير»، التي ترى في ظاهرة ازدياد النسبة في أعداد المهاجرين، التي تحاول بثها أوساط اليمين المتطرف، وتسليط الضوء على أسبابها وجذورها، والتي هي نظرية يمينية متطرفة، تعتمد على رؤى شخصية عنصرية، لا تتوافق مع البيانات الديموغرافية الفرنسية الحقيقية، مفادها أن استمرار التزايد في أعداد المهاجرين، سوف يسمح باستبدال السكان الفرنسيين والأوروبيين بسكان غير أوروبيين على المدى البعيد، وهذا ما يفسر نظرية الأحزاب المتطرفة المبنية على إمكانية تمييز المواطن بناء على ديانته أو أصله، وتركيزها على شعار «مخاطر الهجرة في تهدد الهوية»، لكسب الناخب الفرنسي والوصول إلى السلطة.
ولم تقف هذه الظاهرة العنصرية عند هذه الأحزاب المعروفة فحسب، بل تعدت لتشمل بعض مسؤولي الأحزاب اليمينية المعتدلة، التي تدعي انتماءها للإرث الديغولي، نتيجة لتضاؤل قدرتها في كسب الناخب الفرنسي، وبالتالي فشلها في الوصول للسلطة منذ رحيل الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وانقيادها في النهاية لموجة العداء للإسلام والعرب، التي يديرها اليمين المتطرف، استعدادا للمشاركة في الانتخابات التشريعية. ففي الوقت الذي تسعى الديغولية إلى الجمع بين السياسة والمجتمع، ورفض العنصرية والكراهية، وإدانة تجاوزاتها.
دعا الجنرال ديغول آنذاك إلى البحث عن «طريق اقتصادي واجتماعي، يتجنب استغلال الإنسان للإنسان، بدولة موحدة ومن خلال مشروع، ومؤسسات سياسية لتجنب الصراعات الداخلية. وبعد ان كشفت الجذور التاريخية لليمين المتطرف على أنها حركة مناهضة للديغولية، في أسلوب ومفهوم الدولة أو الأمة، وعدائها لرمز تحرير فرنسا، يقدم اليمين المتطرف نفسه اليوم على أنه الممثل الحقيقي للأرث الديغولي، على الرغم من أن الشعور القومي بالديغولية غريب عن الثقافة القومية المعادية للأجانب التي يحملها اليمين المتطرف، ليصبح الجنرال ديغول والديغولية في هذه الفترة من الانتخابات التشريعية على نحو متزايد، موضوعاً للاستغلال السياسي من قِبَل اليمين المتطرف، وتجييره لصالح المواقف المعادية للعرب والمسلمين، والكيل بمكيالين لما يحدث من في منطقة الشرق الأوسط، في محاولة للتأثير على موقف فرنسا التاريخي الثابت من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، المتمثل بحل الدولتين، والذي هو أحد ركائز الدبلوماسية الفرنسية التاريخية الثابتة في علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي. وهذا ما يمكن اعتباره تحريفا واضحا للمبادئ والقواعد لسياسة فرنسا، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد سقوط التطرف النازي في أوروبا. ومن ثم الانحراف عن سياسة ديغول التاريخية التي أعطت لفرنسا تلك الأهمية، وذلك الاحترام من قبل أغلبية دول العالم، وخصوصا في العالم العربي والإسلامي.
ونتيجة لحجم تأثير هذه النظريات العنصرية على الرأي العام الفرنسي، ناهيك عن دورها في رسم الإطار السياسي المقبل للدولة وقدرتها في قلب الموازين التي بنيت من خلالها، ركائز نظام الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال شارل ديغول، حيث لا يقتصر هذا التحول في خطاب الكراهية في فرنسا على مصير الطبيعة السياسية للحكومة أو الرئيس فحسب، بل أيضاً على النظام السياسي الفرنسي وسياسة فرنسا الخارجية. قبل أسابيع من بدء الألعاب الأولمبية التي تستضيفها فرنسا، قد تثير نتائج الانتخابات المنتظرة مخاوف الفرنسيين في الداخل من خطورة فوز أول حكومة يمينية متطرفة في تاريخ البلاد، في الوقت الذي يحاول اليسار والأغلبية الرئاسية تحقيق هدفهما الرئيسي بقطع الطريق أمام أقصى اليمين لمنعه من الفوز بأغلبية مطلقة، من خلال التركيز على المتطلبات الحقيقية التي تتناول أغلب القضايا إلحاحا في حياة الفرنسيين، وعلى رأسها القدرة الشرائية والأمن والصحة والتعليم، التي تدخل ضمن فلسفة شارل ديغول السياسية وما سمي بـ»1% Gaullisme socia ، الذي احتل مكانة متميزة في تأملاته حول السيادة والمؤسسات بعيدا عن العنصرية والكراهية.
كاتب عراقي
ليس معروفا إن كان ديغول ماسونيا عتيقا, أو أن الرقم 33 على سترته مرتبط فقط بتاريخه العسكري، لكن الأكيد أنه كان يجيد القراءة بين السطور أكثر من بناء الجدران.
العنصرية هي من تحرك السياسة في الغرب ولكن لاتزال هناك قوى تدفع بالاتجاة الانساني الأخر. تحية للكاتب وللقدس العربي.
الشخصية الفرنسية ديغول هو عسكري يعرفه من يقرا التاريخ و قد بدا حياته العسكرية في فوج رقم 33 وهذا ما نراه في بدلته العسكرية.
الشخصية الفرنسية ديغول هو عسكري يعرفه من يقرا التاريخ و قد بدا حياته العسكرية في فوج رقم 33 وهذا ما نراه في بدلته العسكرية. لتصحيح ما تم ظنه عن صورة ديغول التي نشرت. نشكر القدسوكوضوعيتها التي تعودنا عليها للقيام بنشر هذا التعليق