«سبت القيامة» في معرض الرباط للكتاب: طوابير الشباب من أجل توقيع كتاب لسعودي

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
2

الرباط ـ «القدس العربي»: بعثر الجمهور العريض والواسع جدا لأديب سعودي شاب، أوراق جلّ الكتّاب المغاربة والعرب، ومعهم حتى الأجانب الذين حضروا لتوقيع مؤلفاتهم في المعرض الدولي للنشر والكتاب في العاصمة الرباط، أو لحضور فعالية من فعالياته.
السبت الأخير الذي هو ثالث أيام المعرض، كان استثنائيا بكل المقاييس، مثيرا حد الدهشة، عندما اصطف المئات من الشباب والمراهقين تحت الشمس الحارقة، وفي أيديهم نسخ من روايات بهدف توقيعها من طرف كاتبها أسامة المسلم.
بدأت القصة بخبر على مواقع التواصل الاجتماعي يفيد بحضور الروائي السعودي لتوقيع إصداراته في المعرض الدولي للكتاب في الرباط، في يوم كذا وساعة كذا، لكن حفل التوقيع الكبير جدا انتهى باكرا، بعد أن فاضت جنبات المعرض بالراغبين في الحصول على توقيع الروائي الشهير «تيكتوكيا» و»فيسبوكيا» وغيره من منصات التواصل الاجتماعي، وتدخل الأمن ليخلص «النجم» أسامة المسلم من زحمة الشهرة في زمن يبحث فيه الكاتب عن نصف قارئ.
أمنيا وتنظيميا، انتهت الأمور على خير، وغادر الروائي السعودي محفوفا بالصياح، كما لو كان مايكل جاكسون يمر وسط الحشود، لكن ثقافيا بدأت الأسئلة تطرح بجدية من طرف المشهد الثقافي المغربي، حين اندهش كتاب من حجم الإقبال على روايات لا يعرفونها، بل لا يعرفون حتى كاتبها المغمور بلغة الإصدار الورقي والمواكبة النقدية، والمشهور بلغة الرقمي والتواصل والتسويق.

الجزء الصعب في معادلة الدهشة هذه، هو «إقبال الشباب المغربي على توقيع كتاب.. أسئلة لم تطرح» يقول الإعلامي عبد الحكيم أحماين في تدوينة، مشيرا إلى أنه «لو كنت هناك لأجريت استطلاعا صغيرا يحلل إقبال هؤلاء الشباب وهذا التجمهر حول كاتب سعودي، هل قرؤوا له من قبل؟ وما الذي يعجبهم في الكاتب: أسلوبه، أم أفكاره، أم رؤيته؟ وكيف يقارنونه بغيره؟ ربما نكتشف أمورا أخرى غير سوْق الناس بالتسويق الرقمي الذي يمارسه بلوغرز بالدفع المسبق أو المؤجل أو غيرهما». وحسب صاحب التدوينة، فإن «السؤال الأهم: هل كل منتج يتم التسويق له عبر البلوغرز هو الأفضل لمن اشتراه؟ هل عدنا إلى موجة أخرى مخالفة لموجة كتب التنمية البشرية والكتب الأكثر مبيعا حول العالم؟» الأجوبة كانت عبارة عن جدل يبدو أنه في بدايته فقط، ومنه ما كتبه عبد المالك أبو الهدى تعليقا على التدوينة المذكورة مؤكدا «في قضية الازدحام في معرض الكتاب.. السبب ليس هوسا بالقراءة كما يعتقد».
وأمسك أبو الهدى الموضوع من جانبه الساخن، حين قام بكشف خيوط اللعبة الرقمية والتسويقية، مبرزا أن «هناك صانع محتوى مغربيا ينشر فيديوهات تحقق مشاهدات بمئات الآلاف، كلها حول الفانتازيا وعالم الجن، جزء مهم من هذه الفيديوهات قائمة على روايات السعودي أسامة المسلم. صانع المحتوى، الذي ينشر محتواه بالدارجة (يكتب بضع جمل بالعربية بشكل خاطئ ككلمة غذا عوض غدا) نجح في خلق جمهور واسع من المشاهدين من تلاميذ الثانويات والإعداديات، وهذا الجمهور الذي في جزء كبير منه ليس جمهوراً للروايات المعروفة، وفي المقابل الجمهور التقليدي النخبوي للروايات العربية لا يعرف أسامة المسلم. صانع المحتوى، نسّق مع الروائي السعودي لأجل الترويج لرواياته مع قرب حضوره للمعرض، وطبعا مع ملايين المشاهدات، كانت فرصة لهذا الجمهور أن يلتقي صاحب النصوص الأصلية، التي لم يقرأها جل من حضروا، بل سمعوا النسخة الدارجة منها، لذلك وقع ما وقع». وتابع موضحا، «للعلم الكاتب السعودي ناجح جدا في التسويق لنفسه وقام بذلك كذلك في معرض القاهرة.

الأمر لا يتعلق بنهضة للقراءة.. بل بعملية ترويجية ناجحة جدا» ليستطرد قائلا «لكن يمكن الاستفادة منها في رأيي» مقترحا «على الروائيين أن يستفيدوا مما حصل وأن يحاولوا التقرب من جيل يستهلك المحتوى من أنستغرام وتيك توك وفيسبوك بترويج أعمالهم بشكل رقمي» رغم أن «روايات الفانتازيا تنجح أكثر لدى هذا الجيل، لكن يمكن تشجيعه رقمياً على استهلاك محتوى آخر، فكما بدأ الكثير منا بروايات رجل المستحيل، يمكن لهم أن ينتقلوا يوما ما إلى قراءة روايات أكثر بلاغة وإبداعا. أما الاقتصار على الكتاب الورقي.. ثم نشر الخبر على شكل (حفل توقيع روايتي.. مرحبا أصدقائي) فلن ينجح في غالب الأحيان».
يبدو أن هذا التعليق كان كاشفا للمعنى وموضحا للمبنى الذي شيدت عليه لحظة التجمهر الشبابي في معرض الكتاب من أجل نيل توقيع بقلم حبر جاف من كاتب معظم النقاد يجهلون وجوده، ومن قرأ له قال إن كتاباته سطحية، لكن هذا ليس رأي القارئ، سواء أثر فيه «تيك توك» أو «أنستغرام» أو غيرهما، يبقى فعل القراءة حاضرا ولو لبضعة أسطر وجمل ترافق مقاطع الفيديو. عامل الدهشة انتهى وحلّ محله عامل المواكبة المهنية بعين مجردة ومسلحة بالحقيقة، وهو ما سارت على دربه الكاتبة والصحافية ماجدة أيت الكتاوي، التي قالت في تدوينة، إن «صاحب هذه الروايات استطاع (خلق الحدث)» وبعد أن سردت تفاصيل «الاكتظاظ غير المسبوق وجحافل من اليافعين حاملين روايات الكاتب وباقات ورد وهدايا، من أجل حضور حفل توقيع، سُدَّت معه الممرات بين خيم المعرض أروقته وتعالت الأصوات» أكدت أنها «أول مرة أسمع بهذا الكاتب ورواياته.. أعذروا جهلي» وكان الإخبار بصيغة تأكيدية ساخرة.

الباحث والإعلامي منتصر حمادة، فضّل نشر صورة تجمعه بالكاتب أسامة المسلم، وأرفقها بتعليق أكد فيه أن «ما جرى في معرض الكتاب اليوم على هامش تأمل تلك الحشود بالآلاف التي جاءت من أجل لقاء الكاتب السعودي أسامة مسلم، يطرح العديد من الأسئلة التي تتطلب الكثير من التفكير والتأمل، شرط التسلح بالنقد والمكاشفة» وأضاف موضحا «وما أكثر تلك الأسئلة. وإذا حسمنا فيها، حينها، يمكن الشروع في البحث عن الأجوبة».
نوع من خطاب النقد الذاتي الذي مارسه العديد من المثقفين المغاربة، وبعد تدوينة حمادة، نقرأ ما كتبه محمد بوخزار متحدثا عن «قيامة» يوم السبت كما وصفها، التي «أكدت عزلة النخب التقليدية، عن تحولات المشهد الواقعي. والافتراضي، وسلطة شبكات التواصل العابرة للقلوب» فيما الباحث والأكاديمي بوعلام الدخيسي، طرح سؤالا بخصوص الكاتب المسلم «من أين مرّ وتمرر الخبر وعرف هذا الاسم وعرفت روايته؟» معبرا عن حيرته لذلك، التي انهتها مدونة مغربية تدعى فاطمة الزهراء فراتي هاجر، بتعليق عبارة عن رابط تدوينة أخرى ورد فيها ما يلي «شبابنا الذي حج إلى المعرض ليحصل على توقيع مسلم السعودي تعرفوا عليه من خلال متابعة يوتيوبر مغربي يدعى برمون، يسرد روايات الكاتب التي هي عبارة عن هلوسات رعب مقرونة بقصص تاريخية حقيقية، يحكيها بالدارجة العامية. واهتمامهم على ما يبدو ليس لأنهم يقرؤون، بل لأنهم فولوورز أوفياء (للتيك توك والأنستغرام).

سيل التوضيحات لأسباب ذلك الازدحام والإقبال المنقطع النظير هيمن على معظم التدوينات، في سبيل طمأنة الكتاب المغاربة والعرب على صيتهم، الذي لم تمسسه نار مواقع التواصل الاجتماعي، وهو في حاجة إليها خاصة مع صقيع تدني نسبة القراءة. بعض الكتاب الذين لم يعجبهم ما وقع السبت في معرض الكتاب وتسابق الشباب لنيل توقيع كاتب، مروا مباشرة إلى مهاجمة أسامة المسلم، إلى درجة أن أحدهم اتهمه كونه «كاتب تيكتوكي وماسوني ويستخدم الجن لجلب القراء» يعني المسألة فيها السحر وجلب الحبيب وخلافه من كلام لا يجوز أن يكتبه مواطن عادي، فما بال كاتب مثقف. في مقابل ذلك، حضرت الموضوعية، حين كتب الباحث والفنان المسرحي محمد أمين بنيوب عن «خوف جميل من صف شبابي طويل أجمل في المعرض الدولي للكتاب والنشر» معتبرا أنه «ربما أهم حدث في المعرض». وبعد أن تطرق إلى واقعة الازدحام والطابور الطويل، قال إننا «في السابق، كنا نهاب الكتب الظلامية وقادتها المهيجة والمقنبلة لأدمغة الشباب واليوم، نخاف أن يعشق الشباب القراءة وأن ينتظر كاتبا روائيا يدعى أسامة المسلم، ينتمي لبلد كان يصدر سابقا الوهابية ويمول كتبها ودعاتها، واليوم يخترق العالم العربي عبر قوته الثقافية الناعمة وقارته الشبابية العاشقة للقراءة حتى لو كانت منتظرة في طوابير كبيرة».
وبالنسبة لصاحب التدوينة، فإن «انتظار الشباب في المعرض في صف طويل وشمس حارقة، بمثابة رسالة موجعة وموجهة لمن يهمه الأمر في معنى الكاتب والكتاب والقارئ في المغرب وفي معنى توديع الأبراج العاجية والخطابات الصنمية التي استحلاها كل من يحترف مهنة الكتابة، سواء أكانوا كتابا أو مؤسسات». الواقعة التي وصفها البعض بـ»القيامة» والتي تخللتها إغماءات، وفق ما تم تداوله في عدد من مقاطع الفيديو، ناهيك عن الصياح باسم الكاتب، كما لو كان أحد نجوم الروك أو الفن السابع، جعلت المشهد الثقافي المغربي يستيقظ على وقع صفعة رقمية وجهها له جيل ما زال يريد القراءة مهما تعددت التوضيحات والشروحات وأسباب النزول، يبقى جيلا قابلا للصياغة من جديد والإقبال على الكتاب ولو بقليل من جرعات الإثارة الهادفة، كما اقترح البعض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ملاحظ...:

    الحمد لله ان القراءة لم تمت في المغرب وان للكتاب وزنه ومكانته رغم انتشار الهواتف الذكية واللوحات الإلكترونية وغيرها.
    يتضح جليا ان اجيالا من الشباب والأطفال متعلقون بالكتاب وكانوا ينتظرون من يلامس خواطرهم.

  2. يقول قلم الرصاص:

    بغض النظر عن قيمة صاحب هذه الضجة في معرض كتاب الرباط او مستواه الحرفي في فن الرواية و القص

    وجب القول انه ما كان لتلك القيامة ان تقع لأصحاب السبت من اهل الكتاب و القلم لو كانوا مدركين ان خير

    جليس في الزمان تواضع لغيره من مدة و تنازل في حياء لوسيط انيس جديد فلعل من صلب القيامة تقوم قومة

    تحياتي

اشترك في قائمتنا البريدية