ستيفان زفايغ: بين السيرة الأدبية والقلق الإنساني

ميشيل أيوب سيروب
حجم الخط
0

كتب ستيفان زفايغ في شتى المواضيع، عن عنف السلطة الدينية، وعن الصراع المذهبي في زمن جون كالفن (1509-1564) وعن اللوثرية والإصلاح الديني. كتب في السيرة الذاتية عن ماري أنطوانيت (تم استلهام السيرة وأُنتج فيلم عن حياة الملكة ماري أنطوانيت) وعن نابليون، وعن ماجلان (رحالة ومكتشف برتغالي – إسباني 1480-1521) في علم البحار والغزو البرتغالي لجزيرة الملوك. وعن الأدباء الفرنسيين كتب عن: بلزاك، ورومان رولان، كتب عن دوستويفسكي والروائي تشارلز ديكنز، وترجم لبودلير وفيرلان وفيرهارن.
تتطرق كتبه: لحالات الخوف، كتب عن لاعب الشطرنج، وعن القدر. كانت روايته «24 ساعة في حياة امرأة» دراسة عن تحولات حياة سيدة ارستقراطية: أرملة، منعزلة ووحيدة، بعد لقائها بشاب بولندي: نبيل، عابث، مُقامر، ومُغامر، مصادفة في كازينو للقمار وتحول مزاجها الفوري نحو العبث واللهو! ذلك العمل الذي قال عنه غوركي: «يبدو لي بأني لم أقرأ رواية بهذا العمق». الروائي الروسي تدخل لترجمة أعمال زفايغ للروسية ما عدا كتابه النقدي عن دوستويفسكي.
زفايغ من مواليد 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1881، فيينا، العاصمة التي شهدت تحولات سياسية كبيرة في السنوات السابقة لمولده، صراعات بين الأرستقراطية النمساوية المُحافظة، والبورجوازية الناهضة والناشئة حديثاً.
في تلك الفترة، اعتلت السلطة حكومة دستورية في عهد فرانسوا – جوزيف الثاني (1741 – 1790) حينها تجابهت ثقافتان مُختلفتان، وكان القدر يقرع أبواب القيم والمفاهيم القديمة والبالية ويناصر الطبقة الجديدة.
في تلك الظروف ولد زفايغ لأب تاجر مانيفاكتورة، مُثقف، يتكلم الفرنسية والإنكليزية، أما الأم فكانت ذات أصول أرستقراطية نبيلة، كان والدها مصرفيا من ألمانيا وكانت بدورها تتحدث الإيطالية والألمانية، اللغة التي علمتها لابنها واتقنها على أكمل وجه.
بالعودة ليوميات زفايغ، كانت عائلته مُدافعة عن ثقافة فيينا، عائلة من الطبقة الوسطى مُحاطة بالفنانين والموسيقيين والكتاب.
كتب زفايغ الشعر وهو في سن السابعة عشرة، وبعد أن أتم الثانوية في عام 1900، دَرَسَ الفلسفة في العاصمة، وأصدر ديوانه الشعري الأول علم 1901. في عام 1904 نال جائزة مرموقة في بلده النمسا. ثم تتالت إصداراته في شتى المجالات خاصة في ما عُرف بالجنس الأدبي الجديد النوفيللا، وهي بين القصة الطويلة، محورها شخصيتان أو ثلاث، والرواية، جدير بالذكر، أن زفايغ لم يتأثر لا بمنهج دوستويفسكي ولا بمنهج تولستوي، اللذين كانا رائدين في كتابة الرواية الطويلة الغنية بالشخصيات المتنوعة والمُتصارعة واللذين عُرف عنهما أيضاً الميل لكتابة الروايات التاريخية كرواية «الحرب والسلام» لتولستوي ذات الشخصيات المتعددة والزاخرة بالقصص الحربية.
من المعلوم أن بدايات القرن العشرين وقفتْ على تيارين فلسفيين بارزين: الماركسية، (ماركس: فيلسوف وثوري ألماني 1818-1883) والفرويدية (فرويد: طبيب نمساوي أسس علم النفس، صاحب نظرية تفسير الأحلام 1856-1939). لم ينجرف ولم يتأثر زفايغ بكلا التيارين، بل كان ذا فكرٍ حُر ومستقل. يميل بعض النقاد على اعتبار زفايغ كاتبا ذا مزاج سوداوي، ذلك يجعله أميل لفرويد في دراسة طبقات النفس.
امتازت شخصية زفايغ بالقلق الإنساني والحساسية المُفرطة إزاء معاناة الفرد، كان من دُعاة السلام وضد الحرب، لذا كان كثير التنقل والسفر، عدم الاستقرار كان مؤشراً على رغبة مُلحة لاكتشاف العالم والاطلاع على ثقافات الشعوب. بداية انتقل إلى باريس بين عامي 1904-1905، ثم غادرها متجهاً نحو لندن عام 1906، التي لم تستهوه، ثم سافر بجولة طويلة عام 1908 إلى آسيا، وفي عام 1911، سافر نحو أمريكا وقفل راجعاً لفيينا، ومن سوء حظه، كانت نُذر الحرب العالمية الأولى قد بدأت تلوح في الأفق بين شعوب وسط أوروبا كقدر محتوم لتفكيك الإمبراطورية النمساوية أولاً، الحرب التي تركت أثراً مُدمراً على حياة زفايغ.
اكتملتْ المأساة عندما أدرك زفايغ الحرب الكونية الثانية وقصد البرازيل مُكرهاً، بعد أن تم حرق كتبه في بلده وفي ألمانيا النازية، في بتروبوليس اختار منفاه الطوعي خاتماً حياته هناك، ثم لحقت به زوجته الثانية شارلوت. تركَ زفايغ رسالةً موجزةً يشكر فيها الشعب البرازيلي قائلاً: «أتوجه بالشكر لأهل البرازيل، البلد الذي وفر لي المودة وحسن الضيافة. يوماً بعد يوم، أحببتُ هذا البلد، ويحزنني خراب وطني، أوروبا التي دمرت حضارتها بنفسها» كان زفايغ قد خطط للرحيل الأبدي، بعد أن يئسَ من فواجع الحرب الكونية.
قبل أسبوع من اليوم المشؤوم في 22 شباط/فبراير، ترك رسالة لزوجته الأولى مفادها، «أنا سعيد وهادئ، كوني بخير» وبعد يومين كتب لأصدقائه ما يلي «أحبكم أصدقائي، أتمنى أن تروا الفجر بعد ليلٍ طويل سأرحل قبلكم». بعد رحيله المأساوي عام 1942.
يُذكرنا رحيل ستيفان زفايغ المُبكر برحيل المفكر الألماني والتر بنجامين (1892-1940)على الحدود الإسبانية – الفرنسية. انتقد توماس مان (1875 – 1955، صاحب رواية الجبل السحري) رحيل زفايغ بتلك الطريقة، زاعماً أن تصرف كهذا يُحبط الشباب ويقدم نموذجاً سيئاً للشبيبة في المهجر.
بعد رحيل زفايغ بعام، صدرت روايته «لاعب الشطرنج» وفي تلك السنة لاحت تباشير هزيمة النازية.
برحيل ستيفان زفايغ خسرت البشرية أعظم مثقف في النصف الأول من القرن العشرين.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية