سجال بين وزير الإعلام الجزائري وبرلماني حول تعامل التلفزيون الرسمي مع تصريحات المؤرخ بلغيث حول الأمازيغية ـ (فيديو)

حجم الخط
8

الجزائر ـ “القدس العربي”:

على هامش قضية التصريحات الطاعنة في الأمازيغية، تفجّر سجال سياسي وإعلامي حاد في الجزائر، بين وزير الاتصال (الإعلام) محمد مزيان والنائب البرلماني عبد السلام باشاغا، بسبب التقرير الهجومي الذي بثّ في نشرة الثامنة، والذي تم فيه وصف المؤرخ محمد الأمين بلغيث بلغيث ب”تاجر الأيديولوجيا وصاحب النفس المريضة”.

وفي مداخلته تحت قبة البرلمان، تساءل النائب عبد السلام باشاغا عن الجهة التي خوّلت الصحافي الذي أعدّ تقرير نشرة الثامنة بتاريخ 2 أيار/ماي 2025 بأن يحكم على الدكتور بلغيث أمام ملايين الجزائريين، مشدداً على أن العدالة هي الجهة الوحيدة المخوّلة بمحاكمته في حال كان هناك تجاوز.

وقال: “بمثل هذه المقاربات الإعلامية، وكأننا نصب الزيت على النار عوض أن نطفئها”، معتبراً أن أداء الإعلام العمومي في مثل هذه القضايا يزيد من توتير الأجواء بدل تهدئتها. وأضاف: “الجزائر أكبر من أن تهزّها تصريحات أو هوشة فيسبوكية، والتلفزيون الرسمي ملك لكل الجزائريين، ولا يحق له أن يصوّر البلاد وكأنها هشة إلى هذا الحد”.

وخلال نفس الجلسة، تدخل وزير العدل لطفي بوجمعة ردا على النائب، دون أن يثير جدلا، مكتفيا بالإشارة إلى أن البيان الذي صدر عن النيابة عقب تصريحات بلغيث قد جاء في إطار المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، والتي تخوّل لوكيل الجمهورية إصدار بيان توضيحي للرأي العام عند الضرورة. وأكد الوزير أن “القضاء وحده هو المخوّل للنظر في القضية”، وأن النيابة العامة مارست صلاحيتها القانونية بشكل طبيعي، ضمن ما يسمح به القانون.

لكن سرعان ما اشتعلت القضية من جديد، عندما خرج وزير الاتصال محمد مزيان بتصريحات هجومية من ولاية سطيف، اعتبر فيها أن النائب باشاغا وجّه ظلماً وعدواناً اتهامات لمؤسسة التلفزيون العمومي، قائلاً: “قال كلاماً قبيحاً، واستطرد وذهب بعيداً عن جهالة، لأنه لا يمتلك الثقافة المؤسساتية ولا يمتلك الحقيقة ولا المعلومات الدقيقة”.


وأكد الوزير أن التلفزيون لا ينتج البيانات الرسمية للمؤسسات الوطنية، وإنما ينقلها في إطار الخدمة العمومية، مضيفاً: “لو كان اتصل بمصالح وزارة الاتصال، لاتضح له بجلاء تام أن وزارة العدل، من خلال وكيل الجمهورية، هي التي أنتجت البيان، وقانون الإجراءات الجزائية يعطيه هذه الصلاحية”.

وأشار الوزير إلى أن ما قاله النائب ينم عن جهل واضح بطبيعة عمل المؤسسات، وأضاف: “كلامه قبيح ومجانب للحقيقة. كان الأولى به أن يستفسر بدل أن يتهم”. وعبّر عن امتنانه لوزير العدل الذي، حسب تعبيره، “أوضح الأمور مشكوراً” خلال الجلسة البرلمانية، نافياً أي مسؤولية مباشرة للتلفزيون في مضمون البيان القضائي.

وفي توضيح لاحق للرأي العام، قال النائب عبد السلام باشاغا إن وزير الاتصال محمد مزيان خلط بين التقرير الإخباري الذي بثه التلفزيون العمومي وبين البيان الرسمي الصادر عن النيابة العامة، مؤكداً أن ما جاء في مداخلته البرلمانية لم يكن موجهاً ضد بيان وكيل الجمهورية، بل ضد ما وصفه بـ”الإدانة الإعلامية المسبقة” التي وردت في تقرير القناة العمومية بتاريخ 2 ماي 2025.

وأبرز النائب أن مداخلته لم تتناول البيان القضائي الصادر عن وكيل الجمهورية بتاريخ 3 أيار/ماي، بل ركزت على مضمون التقرير التلفزيوني الذي اعتبره مسيئاً للبروفيسور محمد بلغيث، واصفاً إياه بأنه تضمن تشهيراً وأوصافاً مشينة، وإدانة إعلامية غير مبررة قبل تدخل القضاء. وأكد أن “الخلط بين التقرير الإعلامي والبيان الرسمي يعكس خللاً في فهم طبيعة الأدوار المؤسساتية”.

وتابع باشاغا قائلاً: “كان من الأجدر بالوزير أن يصحح هذا الخلط، لا أن يهاجم من نبه إليه”، متسائلاً عن حقيقة الجهل هنا: “فيمن من نبّه إلى الخطأ، أم من وقع فيه؟”. كما شدد على أن مؤسسات الدولة يجب أن تكون فوق الأشخاص، وأن احترام المواطن وكرامته، وحرمة العدالة، هي أولويات لا يجوز تجاوزها تحت أي مبرر.

ولفت النائب إلى أن الرد على تدخلات نواب البرلمان لا يدخل ضمن صلاحيات وزير الاتصال، مشيراً إلى أن المداخلات تحت قبة البرلمان تندرج ضمن مهام الرقابة والتشريع، ويجب الرد عليها عبر القنوات الرسمية المخصصة لذلك. واعتبر أن ما قام به الوزير مزيان لا يليق بالمقام الرسمي، بل يعد “تصرفاً جانبيًا” لا يعكس ثقافة الدولة التي دعا الوزير نفسه لاحترامها.

وفي غضون ذلك، لقيت تصريحات الوزير استياء من بعض النواب، حيث انسحب عدد منهم، وفق نقله النائب باشاغا، من القاعة التي تحدث فيها الوزير بولاية سطيف احتجاجا على تصريحاته، في مؤشر إلى ما أحدثته هذه القضية من توتر سياسي بين ممثلي الحكومة وبعض النواب.

ولم يتوقف التفاعل عند هذا الحد، أصدر المحامي توفيق هيشور، محامي الدكتور محمد بلغيث، بياناً شديد اللهجة دافع فيه عن النائب باشاغا، واعتبر أن الهجوم عليه يمثّل “خرقاً دستورياً سافراً”، مستنداً إلى المادة 139 من الدستور التي تكفل الحصانة البرلمانية للنواب في إطار ممارستهم لمهامهم.

وختم المحامي هيشور تدوينته بالتأكيد أن الوقوف إلى جانب النائب باشاغا هو دفاع عن المؤسسة التشريعية، وأن التضامن مع الدكتور بلغيث هو دفاع عن حرية الرأي والكرامة العلمية، مضيفاً: “من لا يفهم هذه المبادئ، لا يستحق أن يتحدث باسم الدولة الجزائرية”.

وكان التلفزيون الجزائري، قد هاجم الإمارات العربية المتحدة ومعها بلغيث بعد استضافة قناة سكاي نيوز عربية، الممولة من أبوظبي للمؤرخ وإدلائه بتصريحات على منبرها اعتبر فيها الأمازيغية التي تعد في الدستور الجزائري جزءا من الهوية الوطنية “مشروعا أيديولوجيا فرنسيا-صهيونيا”، قائلا: “ليست هناك ثقافة. هذا مشروع أيديولوجي صهيوني فرنسي بامتياز. لا وجود لشيء اسمه أمازيغية، هناك بربر، وهم عرب قدماء وفق ما يدين به كبار المؤرخين في الشرق والغرب”.

وإثر ذلك، شن التلفزيون الجزائري الرسمي هجوما ناريا على الإمارات، واصفا إياها بالدولة المصطنعة، مبرزا أن “دويلة الإمارات تحولت إلى مصانع للفتنة وبث السموم الإيديولوجية مستغلة تاجر إيديولوجيا في سوق التاريخ”، في إشارة مباشرة للمؤرخ محمد الأمين بلغيث. ووصف التلفزيون العمومي “الطعن في وحدة الشعب الجزائري، بأنه ليس مجرد إساءة إعلامية، بل عدوان يطال القيم والسيادة والمصير المشترك”، مؤكدا أنه “طعن يأتي فقط من أجل حصد المزيد من الولاء لمن يقض مضاجعهم استقرار الجزائر وتقدمها”.

وتطورت القضية بعد الضجة الواسعة التي أثارتها هذه التصريحات، لحد اعتقال محمد الأمين بلغيث وإيداعه الحبس المؤقت. ويواجه الرجل، وفق ما أورده بيان النيابة، “جناية القيام بفعل يستهدف الوحدة الوطنية بواسطة عمل غرضه الاعتداء على رموز الأمة والجمهورية جنحة المساس بسلامة وحدة الوطن وجنحة نشر خطاب الكراهية والتمييز عن طريق تكنولوجيات الإعلام الاتصال”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول م/ب اولادبراهيم:

    حرية تعبير ما بعدها حرية في ارقى صورة لحرية التعبير تمارس تحت قبة البرلمان بين وزير وبرلماني ..

    1. يقول سفينة بجاية:

      لم أسمع ألمانيا أو امريكيا أو فرنسيا يقول بأن حرية التعبير في بلاده ما بعدها حرية. وهذه الدول مسموح فيها التظاهر والانتقاد على أوسع نطاق.

    2. يقول كريم:

      سفينة بجاية
      الدول التي تراها تكفل حق التظاهر وحرية التعبير لماذا لم تكفل حق التظاهر من اجل غزة وحرية التعبير في الطعن ضد الاجرام الذي يرتكبه الكيان بدل ذالك كل المظاهرات تعرضت للضغظ والتفكيك والمعبرين للتهديد والسجن سواء كانو مواطنين اصليين او مكتسبي الجنسية او مقيمين بطرق قانونية …لدى من تراهم ملائكة الديموقراطية يكفلون حق التظاهر وحرية التعبير وحتى الدعم المالي لمعارضي دول وانظمة لا تتماشى مع سياستهم واطروحاتهم ومصالحهم

  2. يقول بوعافية:

    اتساءل لو تكلم مؤرخ عن العرب و العربية بمثل ما تكلم به الدكتور بلغيث هل يحدث له ما لقيه الدكتور ؟!!!!!!!

    1. يقول ع.ح:

      ياسيد بوعافية لقد كتبو وصرحو فرادى وجماعات ولكنه الكيل بمكيالين ، وكما يقال الأوطان لاتبنى على القبلية والجهوية والعروشية
      _المخطط كبير وتستخدم فيه عواطف الشعوب الساذجة وخصوصا العامة منهم لتنفيذ برامج هدامة ،تكون اول ضحاياها تلك الشعوب.

  3. يقول جمال:

    سفينة بجاية، اذهب الى البلدان التي ذكرتها و ارفع علم فلسطين، او كلمة تساند بها الفلسطنيين او تنتقد الصهاااينة و سترى اين تأخذك حريتهم للتعبير

  4. يقول Amara:

    بلغيث ضد استغلال الهوية الإسلامية والعربية والبربرية والوطنية من طرف الصهيونية العالمية والاستدمار الفرنسي لضرب الوحدة الوطنية تحت شعار الربيع الأمازيغي أو الربيع الاسلامي أو الربيع العربي….
    ليصبح الربيع خراب ودمار للبلاد والعباد

  5. يقول Amara:

    الشعب الجزائري 🇩🇿 المسلم الأصيل
    يعلم جيدا أن أصله فطرة الإسلام
    وقال صلى الله عليه وسلم: ” لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى”

اشترك في قائمتنا البريدية