دمشق ـ «القدس العربي»: ناشد معتقلون سوريون في سجن «رومية» اللبناني، الذي يضم أكثر من 5000 سجين بينهم سوريون، السلطات في دمشق للعمل على الإفراج عنهم وتسليمهم لدمشق نتيجة سوء الأوضاع الإنسانية والقانونية الصعبة داخل السجن.
ويعيش المعتقلون في هذا السجن ظروف احتجاز سيئة من «سوء المعاملة والتعذيب أثناء التحقيق» إلى جانب «إجراءات التقاضي التي تسبب اكتظاظاً في السجون» نتيجة «لجوء القضاة للتوقيف الاحتياطي، والتوقيف دون مبرر، وبطء عمليات المحاكمة، مروراً بالإهمال الصحي والطبي وغياب الدواء، الذي تسبب بانتشار الأوبئة» حسب «الشبكة السورية لحقوق الإنسان».
تواصلت «القدس العربي» مع أحد السجناء عبر اتصال بخاصية الفيديو، حيث يروي قصته ويشكو وضعه الصحي السيىء.
ويقول لـ «القدس العربي»: من خلف قضبان السجن أقول لكم إنني أعاني وأعيش في محنة صحية صعبة، ولا أريد أن أتحدث عن معاناة الطعام ودخول الحمام، أو أساليب التعذيب وانتزاع الاعترافات التي لم اقترفها يوما.لكن أود أن أقول: اعتقلت على خلفية الثورة السورية عام 2016، أي منذ 9 سنوات وأنا انتظر سقوط النظام حتى تسقط هذه التهمة عني وأخرج من السجن. محروم هنا من أبسط حقوقي الإنسانية والقانونية، كما هو وضع كل السجون في سوريا ولبنان، حيث نفتقد لأدنى المعايير الإنسانية.
وبصوت متعب ضعيف، تابع: لن أحدثكم كم خسرت من وزني، ولكني سأكشف عن وجود الكثير من السجناء معنا ممن ماتوا بسبب الإهمال الطبي، والاكتظاظ الشديد، وبينما كان بعضهم يطلب طعاما ليسد رمقه، إلا أن الطعام والشراب هنا لم تعد له ميزانية حكومية مثل السابق، حيث يضطر الواحد منا للاستدانة حتى يأكل وإلا.
حكم بالإعدام
وحول ظروف اعتقاله قال: سجنت قبل 9 سنوات بعدما لجأت إلى لبنان لتلقي العلاج، فقد كنت قد أصبت نتيجة قصف عشوائي في سوريا وبترت قدمي ويدي، وبعد أيام من الإصابة لجأت إلى لبنان لتلقي العلاج، ومعي زوجتي وطفلي الذي لم يبلغ حينها 3 أشهر.
وأكد: لم أقاتل في حياتي ولم أحمل السلاح، ورغم ذلك، خلال مكوثي في المستشفى اقتحم الجيش اللبناني المكان حيث اعتقلت إلى يومنا هذا، ووجهت لي تهم بالإرهاب والانتماء إلى تنظيمات مسلحة، وحكمت زورا وبهتانا بالإعدام.
وتابع: أكثر ما يؤلمني أن ابني كبر ولم أكبر معه، صار عمره 9 سنوات، وتقول زوجتي إنه يحبني، ويضيف بحسرة: «شو قول أكثر من هيك.. ابني لا يعرفني ولو سمع صوتي أحيانا، يتساءل لماذا لم يخرج أبي من السجن رغم أن السجون في سوريا قد أخليت من المعتقلين والسجناء؟».
وطالب المتحدث السلطات السورية بتعيين مسؤول حكومي خاص عن هذه الملف، آملا أن يقضي شهر رمضان مع أسرته.
ويروي سجين آخر، سمع همس رفيقه، حيث اقترب من الهاتف للحديث عند مطالب السجناء، حيث قال: أنا معتقل منذ عام 2018 بتهمة الانتماء لتنظيمات «إرهابية» وهي فصائل الجيش الحر، لكنني اليوم أناشد رئيس الجمهورية العربية السورية بالتدخل من أجل إطلاق سراحي و إعادة النظر بما نالني من ظلم خلال السنوات الماضية.
تعذيب وانتزاع اعترافات… وظروف صحية صعبة
واعتقل الشاب من منطقة الأشرفية في بيروت، عندما كان يعمل في ورشة أعمال حرة مع مجموعة من العمال في صيف 2018، حيث اتهم بانتمائه السابق لمجموعات مسلحة كانت تقاتل في ريف حمص ما ين عامي 2012 و2013 قبل هروبه إلى لبنان.
وفتح الشاب الثلاثيني عدسة الكاميرا خلال المكالمة لتوثيق المأساة الإنسانية في السجن، إلا أن انقطاع التيار الكهربائي حال دون ذلك، لكنه تابع بصوت ضعيف خوفا من السجانين: نعيش في وضع لا يخفى على أحد، وإن غاب عن المشهد وأطالب باسمي وباسم سجناء رومية، بتسليمنا للإدارة السورية الجديدة، سيما أن سبب اعتقالنا كان مناصرة الثورة السورية ضد نظام الأسد المجرم.
وقال: إنّ العديد منا يقبعون في السجن منذ سنوات دون محاكمة عادلة، فالبعض منا لم يخضع للمحاكمة منذ عام 2015، فيما تجاهلت المحاكم التي عرضنا عليها تعرضنا للتعذيب ولانتزاع اعترافات منا بأبشع الأساليب.
وأضاف: أنّ المحاكمات التي خضع لها بعضنا شابها العديد من الخروقات القانونية وبشهادة الكثير من المنظمات الدولية والحقوقية، حيث لم يتم الأخذ بعين الاعتبار ظروف انتزاع الاعترافات تحت وطأة التعذيب خلال التحقيق وعليها، كما أصدرت أحكام جائرة بحقنا.
وأكد الشاب أن السجناء «تعرضوا للظلم والاعتداء خلال السنوات الماضية ونطالب بتسليمنا للإدارة السورية الجديدة، لأننا أبناء سوريا وثورة شعبها».
ووجه السجناء بيانا مكتوبا للحكومة السورية جاء فيه: إلى الرئيس السوري أحمد الشرع لسنا ندري إن كنت ستقرأ هذه الكلمات، نكتب لك من بلاد الجوار، حيث السجون المكتظة بأبناء بلادك، ومنهم كثيرون من رفاق السلاح وأخوة الشهداء وأبناء الثورة، نكتب لك وفوق أصابعنا دموع آلاف الأمهات والآباء والأطفال السوريين الذين ينتظرون كل يوم خبرا عن سجنائهم المنسيين في سجون لبنان، نكتب لك وفي القلم غصة مئات المكسورين الذين ضاعت زهرة شبابهم خلف هذه الأسوار في رومية وهم ينتظرون فتح أبواب الخلاص».
وأضاف البيان: لا يستطيع كاتب أن يصف لك ملامح السجناء هنا وهم يشاهدون جنودك يفتحون أبوب السجون في سوريا، ويعيدون الحياة لآلاف المعتقلين الذين كانوا يولدون من جديد لحظة خروجهم إلى الحرية، كانت وجوه السجناء كوجوه الأيتام وهم يشعرون أنهم سيجدون آباءهم من جديد، كان الشعور الجارف في قلوبهم وهم يشاهدون أمثالهم في سوريا يتحررون على شاشات التلفزيون هو «الثقة» الثقة بأنك لن تتركهم و أن الفرج قادم إليهم، لأنهم كانوا شركاء في حكاية الوجع السورية الطويلة، وحمل بعضهم البندقية في وجه النظام المخلوع وذاقوا منه الويلات.
وتابع: مرت الأيام بعدها ثقيلة كثقل القيد في المعصم، حتى زاركم رئيس وزراء لبنان في دمشق وكان الوعد الكريم باستردادكم لجميع أبنائكم من السجناء السوريين في لبنان، ومن يومها أصبح للحياة طعم ولون، واشتعلت في قلوب أبنائك وذويهم أشواق اللقاء الموعود.
حل الملف
ونقل البيان مخاوف السجناء «من «الروتين الحكومي في البلدين الذي قد يغرق الفرحة الموعودة في رمال التأجيل المتحركة، وفي القلب غصة أن يصطدم الملف بعراقيل لدى صانع القرار في لبنان، ونحن نعلم أكثر من غيرنا كيف تموت القضايا هنا في أدراج الإهمال الحكومي، وأين ينتهي بها المطاف في زواريب السياسة المعقدة».
وطالب السجناء بإتمام الاتصالات اللازمة لحل الملف، ليتمكن أهلنا من التواصل معنا في حل سريع وحاسم لتذليل أي عقبة سياسية أو قانونية أو إدارية قد تواجه الملف.