بيروت – «القدس العربي»: 27 آذار 2016 تاريخ ليس عابراً في حياة 75 امرأة من سوريا أجبرن على العمل في الدعارة في لبنان لسنوات طويلة. في هذا التاريخ حصلن على الحرية بهمّة أربع منهن هربن بقدرة قادر، وقادتهن الصدفة إلى سائق طلبن منه إيصالهن إلى منطقة الحدث. كان السائق مخبراً للأمن الداخلي اللبناني، لاحظ أثار تعنيف على أجسادهن فأبلغ معنيين بالأمر. الصدفة الثانية والأهم، أن المقدم مصطفى بدران قرر متابعة الملف بعد أن أفتى العناصر على الأرض «تركوهن هودي شراميط».عُرفت القضية بـ«شي موريس وسيلفر» وهما اسمان لفندقين في جونية، كانت الفتيات محتجزات داخلهما، ويعودان للبناني موريس جعجع «رأس العصابة»، ويعاونه مباشرة السوريان عماد الريحاوي وفؤاد علي حسن. قضية استقطبت اهتماماً محلياً وعالمياً، وحمّست المخرجة والممثلة سحر عسّاف لتكوين مسرحية تسرد واقعة استرقاق النساء السوريات في لبنان، وفي القرن الـ21. كان العرض الأول في نيسان 2017 في الجامعة الأمريكية في بيروت، حين عقد مؤتمر للبحث في إعادة الإعمار بعد الحرب في سوريا وفلسطين. اعتمد العرض المسرحي طريقة «التوصيل المسجل»، تسمع الممثلات ما تقوله الفتيات السوريات ثم يجسدنه عبر الصوت وتقاسيم الوجه والجسد على المسرح. تطورت العروض وصارت مطلوبة في لبنان، وصلت إلى نيويورك في أكثر من عرض. وآخر عرض خارجي كان في لندن في 13 تموز يوليو 2019 في مهرجان شبّاك.القضية لا تزال في محكمة بعبدا، والجلسة المقبلة في 29 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، بيد القاضي محمد بدران. التأجيل سيد الأحكام في قضاء لبنان، لكن سحر عساف أعادت عرضها وطورته بصرياً ومن خلال الأبحاث، وكانت على موعد مع الجمهور في مسرح زقاق – الكرنتينا بين 4 و7 الجاري. والتركيز كما عنوان المسرحية «لا طلب لا عرض» بحثاً في خلفيات ومفاهيم شاري خدمة الجنس. مع العلم أن القانون اللبناني يُجرِّم بائعة الجنس ويعفي الشاري من أي عقاب. وفتيات «شي موريس» لا يزلن يذْكرن احتجازهن الطويل في أحد مراكز الأمن العام. حُرمن خلالها من إسناد الكتف إلى الجدار، ومن قطرة الماء، فيما كان بعض العناصر يرمونه أرضاً إمعاناً في التعذيب والإهانة. والمفاجأة الكبرى خلال ذاك الاحتجاز المشكوك في أمره، أن القواد والجلاد عماد الرحاوي احتُجز مع الفتيات بصفة زبون من خمسة نجوم، دخّن، شرب الماء، وتواصل هاتفياً من دون أي اعتراض؟؟شعور الأسىفي كل مرة تعيد سحر عسّاف عرض «لا طلب لا عرض» يشعر المتلقي بالأسى من جديد، وبوصمة عار لما عاشته الـ75 فتاة من مهانة في بلد الحريات، خاصة عندما يلمس بأن الشبكة الكبرى للدعارة كانت محمية رسمياً، ودرّت ملايين الدولارات على أصحابها. وتقول فتاة عاشت التجربة لسنوات: «لا أحب جسمي. أستحم بسرعة. لا أنظر إلى سروالي الداخلي. أشعر أني مغتصبة على الدوام. مدمرة، ولا يمكن لكافة المعالجين النفسيين أن يصْلحوا داخلي».«لا طلب لا عرض» جسدتها الممثلات اللبنانيات: نزهة حرب، وجويس أبو جودة، وسيرينا الشامي، وباسكال شنيص، فيما سردت النص المكتوب سحر عسّاف، وجسّد أصوات الزبائن أكثر من 20 فناناً لبنانياً. وإن قالت إحدى الضحايا: «مو أنا نايمة مع واحد بس جسمي.. عماد الرحاوي داعش الزبائن. إن لم ترضهم الفتاة يضعوا علامة «إكس»، وعندها تنتظر الفتاة دورها للقصاص الصباحي على يد الجلاد عماد».قالت الفتيات الأمور بأسمائها دون تبديل أو تجميل. هو عالم الليل الذي يقوده الرجال بدماء النساء، قوادين كانوا أم زبائن.هي الحروب التي يفتعلها الكبار، يعيشون ويتابعون حياتهم من دون أن تهتز شعرة منهم، وتُدمر الأسر والنساء والأطفال أولاً. وإن كانت سحر عسّاف قد حسبت بدقة محصول تلك الفتيات اليومي والشهري وووو، فالأهم من ذلك كان رأي من يشترون خدمات الجنس. وفي ذلك لا فرق بين من له تحصيل جامعي أو ابتدائي، ولا بين متزوج أو عزب.ففي دراسة جمعية «كفى» التي أجرتها غادة جبور مع 55 رجلاً يشترون الجنس، واحد من بينهم فقط امتنع عن طلب تلك الخدمة عندما علم بمدى العنف الذي يلحق بالفتيات. الآخرون لم يلحظوا العنف ولم يبالوا عندما لاحظوه.وفي إحصاء دقيق من خلال حالات فتيات «شي موريس وسيلفر» تبين أن 105 رجال يشترون أسبوعياً الجنس من فتاة واحدة، والقانون يصرّ على تجريم الفتاة وتبرئة الشاري؟ عندما وجه السؤال لهم وصف طالبي الجنس المدفوع، النساء اللواتي تبعنه بـ «زبالة البشر. مثل التواليت «الحمام». من حثالة المجتمع. شغلتها الجنس وإرضاء الزبون». فيما قالت الفتيات إن جميعهن وصلن إلى هذا المكان بالخدعة. منهن أوصلها زوجها. وواحدة أوصلتها والدتها وخالتها.أربع ممثلاتأربع ممثلات جسدن حالات من ليل رعب طويل عاشته 75 فتاة، من دون نسيان دور طبيب الإجهاض ومن دون بنج أحياناً والذي ظهرت صورته على الشاشة، وغير ذلك من ألفاظ لا يمكن إيرادها في نص مكتوب، فهو عالم ذكوري طاغ من دون كوابح لا أخلاقية ولا قيمية. أما المحررات، فلم يلقين المعاملة المطلوبة، حتى إن الدولة اللبنانية حاولت عرقلة بعض المساعدات لهن.سحر عسّاف اختارت المقاعد للممثلات باللون الأسود، كنّ أربعاً، لكن المقاعد كانت كثيرة، كان عليها جالسات غير مرئيات تئن بصمت مكبوت، فيما المجرم عماد ريحاوي حر بكفالة 20 مليون ليرة.تمثيل داخلي مرهق -دون شك- للمثلات. عرض مسرحي يأتي في موقع رسالة للضمير. للأسف، لن ننتظر طويلاً. لم يعد موجوداً منذ زمن طويل.