قدر بعض الحكام العرب أنهم كلما أوغلوا في الاستبداد، ظهروا بهلوانيين مثيرين للشفقة قبل السخرية!
تلك حال قيس سعيّد، الذي يحاول أن يجعل من نفسه أسطورة ورمزا قوميا، لكن يبدو أنه لا ينصت سوى لنفسه المتضخمة. ومن ثم، يستبعد كل من يسعى لإسداء النصح له، وقد يقوده إلى المحاكمات بجرّة قلم، فلا يترك «سعادته» حواليه سوى الذين يتقنون فن المديح والتمجيد، على غرار كل الطغاة.
الرجل نفسه يتخيل الأوهام، فيصدقها بسرعة! لقد وسوس له الوسواس الخناس أن هناك من يحاول تصفيته ووضع حد لحياته في كل لحظة، ومن كثرة تكرار حكايات محاولات الاغتيال، صارت أضحوكة لا يصدقها أحد تقريبًا، لدرجة أن إعلاميّ فضائية «الجزيرة»، نزيه الأحدب، شبَّه «مسلسل» محاولات اغتيال قيس سعيد بالمسلسلات التركية التي تتكرر باستمرار، لكنه على عكسها يخلو من عناصر التشويق.
آخر حلقة من مسلسل حكاية الاغتيال ما رددته المتحدثة باسم وزارة الداخلية التونسية عن استهداف الرئيس سعيد بمن وصفته بـ»الذئب المنفرد». لكن، لا دليلَ ملموسًا قدّمته على كلامها سوى البيان الصحافي نفسه، مثلما لاحظ صاحب برنامج «فوق السلطة» على قناة «الجزيرة».
التلفزيون الألماني في صيغته العربية بث تقريرا في موضوع الإعلان المتكرر عن محاولات اغتيال قيس سعيد، أولها كان في آب/ أغسطس 2020، حيث قيل وقتها إنه جرى وضع سم قاتل في الخبز الذي يتناوله الرئيس، وبعدها وقع حفظ التحقيقات لعدم كفاية الأدلة. وفي كانون الثاني/ يناير 2021، أثيرت قضية الظرف المسموم، إذ زُعِمَ أن «قصر قرطاج» تلقى بريدا موجها إلى رئيس الجمهورية، أدّى إلى إغماء مديرة ديوانه بمجرد فتح الظرف المشبوه. لكن التحقيقات اللاحقة للنيابة العامة أظهرت أن الظرف لا يحتوي على أي مواد سامة. وفي حزيران/ يونيو 2021 ألمح سعيّد إلى محاولة اغتيال أخرى استهدفته، من دون الكشف عن التفاصيل. وآخر الإعلانات ما رددته وزارة الداخلية التونسية، خلال الأسبوع الأخير من حزيران/ يونيو 2022.
لكنّ قناة «الغد» المصرية فضّلت تقديم رواية أخرى لهذا المسلسل، حكتها على لسان «باحث» تونسي، محاولة إضفاء المصداقية والتحليل الأكاديمي عليها؛ فمحاولة الاغتيال الأخيرة ـ في نظر الباحث نفسه ـ «أكثر جدية وخطورة»، حيث ألمح إلى وجود «طرف ثالث» في اللعبة السياسية يريد زعزعة الاستقرار الأمني في البلاد، قاصدا بذلك الجماعات المتطرفة.
تلك أسطوانة عربية مشروخة، حين تودّ الأنظمة السياسية الشمولية تبرير عدم إقرار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، تعلّق سلوكها على مشجب نظرية المؤامرة بصنفيها الداخلي والخارجي!
رسائل حلب!
ديكتاتور آخر سعى إلى تصدر المشهد الإعلامي خلال الأيام القليلة الماضية، إنه رأس النظام السوري بشار الأسد الذي قام بزيارة إلى مدينة حلب، لأول مرة منذ ست سنوات. وشوهد المستبد وهو يسير بين أزقة المدينة وشوارعها مع أسرته الصغيرة، في كامل شياكتهم وأناقتهم، وخلفه البنايات التي حوّلتها ميليشياته العسكرية إلى دمار شامل.
مشهد حاكى فيه الأسد وعشيرته أبطال المسلسلات التركية بلباسهم وحركاتهم ونظراتهم… لكنْ خلف تلك الصورة الوردية تاريخ دموي قاتم، ترك الجرح غائرا بين أهالي حلب المناضلة، على غرار بلدات سورية أخرى.
وإذا كانت قنوات تلفزيونية كثيرة جعلت من هذا الحدث «التراجيكوميدي» فرصة للتذكير بجرائم النظام السوري في تلك المدينة وغيرها من مناطق البلاد، فإن قناة «الميادين» لسان حال الحلف الشيعي، استغلت المناسبة للتطبيل والتزمير لذلك النظام، معتبرة زيارة الأسد انتصارا لخيار المقاومة ومؤشرا على استئناف حركية الاقتصاد وإعادة إعمار المدينة.
مشية الخيلاء التي ظهر بها آل الأسد بين دروب حلب، مردّها ـ على الأرجح ـ إلى ثقتهم المطلقة بالسند القوي الإيراني من جهة والروسي من جهة أخرى.
ولكن، هل بقيت حقا دولة سورية تستحق الثقة والفخر، وسط الأنقاض وتقتيل الأهالي وتهجير مئات الآلاف؟!
محاكمة وزير!
وفي المغرب، بينما كان المواطن يردد شكواه حول غلاء أكباش عيد الأضحى، جاء وزير الفلاحة ليلمّع الصورة قائلا إنه يمكن اقتناء كبش بـ 800 درهم فقط، أي أقل من 80 دولارا.
بيد أن عددا من البرلمانيين كانوا بالمرصاد للتصريح الغريب والمثير للسخرية الوارد على لسان الوزير المذكور الذي عمل تحت مظلة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالي، لسنوات عدة، حين كان يحمل الحقيبة المذكورة، حيث بشّر المزارعين بجنة فوق الأرض اسمها «المغرب الأخضر»، مثلها مثل «مخططات» السراب التي أطلقها وزراء آخرون في قطاعات متعددة: التعليم، الصحة، الشباب، الثقافة، الشغل… وهلم جرا.
القناة الأولى المغربية نقلت على الهواء إحدى جلسات البرلمان التي تحولت إلى ما يشبه «المحاكمة» للوزير المبشّر بكبش 800 درهم. ومما ردده برلماني من المعارضة قوله: «نريد كبشا يليق بكرامة المواطن المغربي، وليس الكبش الذي يسوّق له الوزير كذبا وبهتانا بأن ثمنه 800 درهم!»
وبالإضافة إلى ما نُقل عبر التلفزيون الرسمي من داخل قبّة البرلمان، اختارت بعض المواقع الإلكترونية النزول إلى الأسواق، حيث سجلت بالصوت والصورة تصريحات الباعة والمواطنين حول أثمان الأكباش. الجميع أكد أن ما ردده وزير الفلاحة كان مجرد أضغاث أحلام: «خذ معاليك 1000 درهم، وليس 800 درهم فقط، وآتنا بالكبش الذي تجوز فيه الأضحية قربانا لله»!
موقف الوزير تنطبق عليه الطرفة التي تقول إن شخصا ذهب ليشتري الزيت من عند البقال، ففوجئ بزيادة كبيرة في ثمنه. خاطب الزبون البقال مستغربا: ولكن، بالأمس قالوا في التلفزيون إن ثمن الزيت لم يتغير! فأجابه البقال: حسنًا، اذهب لتشتريه من التلفزيون!
تغذية العداوة!
يبدو أن لا شغل لـ«قناة الجزائر الدولية» منذ شهور سوى المغرب. وبذلك، رصدت الإمكانيات المادية الكثيرة لإنجاز ما أسمته شريطا وثائقيا عن هذه الجارة الغربية التي صوّرتها بمظاهر الفقر والجوع والقمع.
الشريط حمل عنوان «المغاربة في الجزائر: هروب نحو الحياة» وكادت القناة أن تعطيه عنوان «الهروب إلى الجنة» كما لو أن المغرب موت وجحيم لا يطاق!
استهل الشريط بصور لمظاهرات اجتماعية أمام البرلمان المغربي، وتصريحات لنشطاء حقوقيين يوجهون نقدا لاذعا لسلطات الرباط. والواقع أن هذا المشهد مألوف في المغرب منذ سنوات، ودليل على حرية الرأي والتعبير والدينامية الحقوقية التي تعيشها البلاد. صحيح أنه بدا غريبا للقناة الجزائرية، لأنه شيء غير معتاد في وطنها. فهل يمكن للخطاب الانتقادي الحاد أن يصل إلى الحكام مثلما هو معمول به في المغرب؟
صحيح أن الواقع المغربي مليء بالنقط الرمادية وأحيانا السوداء، ولكنها لا تصل إلى ما حاولت القناة الجزائرية تسويقه، من خلال عنوان «هروب نحو الحياة» كما لو أن لا شيء في المغرب سوى الموت! فالمشكلات متشابهة بين البلدين الجارين وبمستويات مختلفة هنا وهناك، فلا داعي لجعل قصة مغاربة يعملون في الجزائر اكتشافا عظيما ودليلا على تفوق هذا البلد وتخلف الآخر. وإلا، فإن هناك مواطنين جزائريين يعملون هم أيضا في المغرب، وبعضهم من مشاهير الفن يحملون الجنسية المغربية؛ فأين المشكلة إذن؟
هذا هو الأمر الطبيعي والمطلوب في المشهد بين شعبين تجمعهما دماء مشتركة، أما غير الطبيعي فهو الترويج للتمييز والتفاضل وتغذية الأحقاد والعداوات!
٭ كاتب من المغرب
الاشكال الذي لا يفهمه اب عاقل ، هل اذا قلت ان سيارة جارك لا تصلح للسفر سيفيدك ذلك في سفرك انت،هذا ما ينطبق على حكام الجزائر الذي عوض ان يحل مشاكل بلاده ،ينتقد المغرب
كلام كله صحيح وفي الصميم….المواضيع التي تطرق لها السيد الكاتب كلها جيدة ،وثم اختيارها بعناية بداية بما يتخيله قيس سعيد بانه حصان طروادة الذي اتى لينقد تونس لاكنه كبى ولازال يكيو….والموضوع الثاني هو تخيل وزير الفلاحة ان كبش العيد ب800درهم للكبش….وهذا سعر ليس حتى في الاحلام ولم يعلم سيادته ان كبش سبعمائة درهم في الايام العادية بيع بالفين وخمس مائة درهم بمناسبة العيد….ومن الناس من معه ثلاتة الف درهم ولم يجد الكبش المناسب له بهذا الثمن بل فاق سعره اربعة الاف وخمس مائة درهم…..
تعليقاتي…في الصميم
مجرد تساؤل.
ماذا عن الطرف الأخر !!!؟؟؟
اختتم المقال بما نصه:
“أما غير الطبيعي فهو الترويج للتمييز والتفاضل وتغذية الأحقاد والعداوات!” انتهى الاقتباس
لا أنكر ما يصدر عن الإعلام الجزائري في حق المغرب، لكن الإشارة إليه بالأصابع وغض الطرف عن ما يصدر من الطرف المغربي هو في حد ذاته تمييز وتفاضل وتغذية للأحقاد والعداوات.
الترويج للتمييز والتفاضل وتغذية الأحقاد والعداوات، قد قرأته وشاهدته أكثر في الإعلام المغربي، وفي تصريحات الساسة المغربيين وحتى في خطابات الملك.
أذكر صاحب المقال والسادة القراء بما قاله قنصل وهران في وهران وما قاله هلال في الأمم المتحدة.
الملك خطابته مملوءة بعبارات من قبيل: “عدوة الوحدة الوطنية” و “المملكة العريقة”
وقبله الحسن الثاني وصف الجزائر بما نصه: “كننا ننتظر من كولومبو أن يعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار كنا نريد أن يعرف الناس النوايا الحقيقية لمن هم يساكنونا ويجاوروننا” انتهى الاقتباس.
أما الإعلام المغربي، فألطف عبارته هي: ” نظام الكابرانات ” و” الجزائر صنيعة فرنسا ” و “جارة السوء” و “كوريا الشرقية”.
إلى الأخ غزاوي، انا اتفق معك أن الحرب الاعلامية و خصوصا في المواقع الإلكترونية مستعرة بين الجانبين. كلا النظامين في الجزائر و المغرب يتحملان المسؤولية في ما وصلت اليه الأمور من تدهور خطير انتقل حتى إلى الشعوب. يجب على المثقفين و الحكماء من كلى البلدين التدخل لوأد هذه الفتنة اللتي عمرت طويلا.