سفينة «مادلين» والتضامن مع الشعب الفلسطيني

عبد الحميد صيام
حجم الخط
0

نيويورك ـ «القدس العربي»: لسوء حظ المتطوعين الإثني عشر الذين قادوا سفينة «مادلين»، أن الأحداث التي تتابعت بعد قيام الكيان الصهيوني بعملية قرصنة واحتجاز السفينة في المياه الدولية، قد غطت على المبادرة وأهميتها. والحدثان الأهم اللذان تبعا عملية اعتقال المتطوعين في سفينة «مادلين» هما قوافل كسر الحصار والعدوان الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو والذي ما زالت فصوله تتكشف ساعة بعد ساعة.
سفينة «مادلين» التابعة لتحالف «أسطول الحرية» انطلقت من ميناء كاتانيا في صقلية بإيطاليا في الأول من حزيران/يونيو الجاري تحمل اسم أول صيادة وبحارة فلسطينية، مادلين كلاب، من قطاع غزة. وحملت السفينة المتوسطة على متنها نحو 100 كغم من الدقيق و250 كغم أرز، وحليب أطفال، وحفاظات، ومعدات طبية، وأجهزة تحلية مياه. وكان على متنها 12 متطوعا فقط. وأود هنا أن أذكر أسماءهم بهدف التوثيق حتى لا تذهب أسماؤهم طيّ النسيان. الناشطة البيئية غريتا ثونبيرغ (السويد)، وعضوة البرلمان الأوروبي ومحامية حقوق الإنسان والناشطة من أصل فلسطيني ريما حسن (فرنسا)، والصحافي لموقع «بلاست»، يانس مهادي (فرنسا)، وصحافي الجزيرة عمر فياض (فرنسا)، والعالم والناشط باسكال مورييراس (فرنسا)، والمدافعة عن حقوق الإنسان ياسمين عكار (المانيا)، والناشط سيرجيو توربيو (إسبانيا) والناشط في حركة التضامن مع فلسطين ثياغو أفيلا (البرازيل)، والناشط في حركة التضامن مع فلسطين شعيب أورودو (تركيا)، والناشط ماركو فان رينيس (هولندا). وضع المشاركون في الرحلة نصب أعينهم تسليط الضوء على الحصار البحري المفروض على غزة من جهة، ومحاولة كسره من جهة أخرى. كما حددوا أهدافا ثلاثة للرحلة البحرية المحفوفة بالمخاطر:
-توجيه رسالة تضامن دولية مع غزة وتحدي الحصار الإعلامي والاقتصادي؛
-الضغط على الحكومات والأمم المتحدة لتسهيل دخول المساعدات عبر البحر؛
-التعبير عن رفض شعبي للحرب وحق الفلسطينيين في التواصل بحرية مع العالم.
في 9 حزيران/يونيو، اعترضت السفينة قوة كوماندوز إسرائيلية في مياه دولية على بعد نحو 185 كم من غزة، بمرافقة زوارق وطائرات بدون طيار، وصبت «مادة بيضاء» على السطح لمنع التصوير، ثم اقتحمتها وأخضعتها للتحقيق قبل جرّها إلى ميناء أسدود. بعد تعطيل أجهزة الاتصال تم اعتقال جميع الركاب المشاركين في الرحلة. نقل الركاب إلى إسرائيل وتم احتجازهم والتحقيق معهم. ووضعت ريما حسن في زنزانة انفرادية، ثم أعلنت الإضراب عن الطعام احتجاجاً على وضعها في سجن انفرادي، بعدما كتبت «الحرية لفلسطين» على جدران زنزانتها، لتنضم إلى زميلها البرازيلي تياغو أفيلا الذي أعلن أيضا الإضراب عن الطعام. أما الناشط الهولندي ماركو فان رينيس: فكتب «فشلت حكومات العالم في توفير ممر آمن لسفينة مادلين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى شعب غزة، الذي يواجه تطهيراً عرقياً منذ 80 عاماً وحصاراً غير قانوني منذ 18 عاما».
الناشط البرازيلي، تياغو أفيلا، وضع في زنزانة انفرادية في سجن أيالون، بسبب استمراره في الإضراب عن الطعام والماء الذي بدأه منذ الاحتجاز. كما تم التعامل معه بعدوانية من قبل سلطات السجن. لقد أجبر جميع الركاب على مشاهدة فيديو عن هجوم 7 أكتوبر 2023 كنوع من تحدي مواقفهم الداعمة للقضية الفلسطينية. وبدأت بعدها إجراءات ترحيلهم إلى البلاد التي أتوا منها يومي الخميس والجمعة (12-13 حزيران/يونيو).
-أثرنا الموضوع في الأمم المتحدة عدة مرات مع المتحدث الرسمي للأمين العام وكانت أسئلة الصحافيين تركز على ما إذا كان هناك أي انتهاك للقانون الدولي وقانون البحار بسبب الاعتقال الذي تم في المياه الدولية وغياب أي إدانة للسلوك الإسرائيلي. وكان رد المتحدث عادة يشير إلى أن الأمين العام يتابع الوضع ويؤكد أن من حق أي إنسان أن يعبر عن آرائه ومواقفه بطريقة سلمية ويجب أن يحترم هذا المبدأ الأساسي. غاب عن موقف الأمين العام التعبير عن القلق أو الإدانة أو الشجب.
– المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، طالبت الحكومة البريطانية بالتحرك العاجل للإفراج عن ركاب السفينة، مؤكدة أن السفينة لم تشكل أي خطر على أمن إسرائيل، وأن احتجازها في المياه الدولية غير قانوني، وشددت على ضرورة مساءلة تل أبيب أمام المحاكم الدولية.
– منظمة العفو الدولية وصفت اعتراض إسرائيل للسفينة وحجز المسافرين على متنها بأنه انتهاك للقانون الدولي، وطالبت بإطلاق سراح الناشطين.
-شهدت العاصمة الإيطالية روما مظاهرة حاشدة تضامنا مع «مادلين» ورفع المتظاهرون شعارات تتضمن: ارفعوا أيديكم عن أسطول الحرية، أوقفوا الإبادة، إسرائيل دولة إرهابية. وطالبوا بإطلاق سراح النشطاء الإثني عشر.
-في تركيا نددت وزارة الخارجية بما قامت به إسرائيل واعتبرت اعتراضها السفينة انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وهجوما شائنا نفذته حكومة بنيامين نتنياهو. وقال بيان الوزارة إن «رد المجتمع الدولي المبرر على سياسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تستخدم المجاعة كسلاح في غزة وتمنع إيصال المساعدات الإنسانية، سيتواصل»، مؤكدا أن إسرائيل لن تنجح في «إسكات الأصوات المدافعة عن القيم الإنسانية».
– في فرنسا شهدت عدة مدن وقفات احتجاجية ومظاهرات تنديدا باحتجاز قوات الاحتلال الإسرائيلية نشطاء كانوا على متن سفينة مادلين التي كانت في طريقها لكسر الحصار المفروض على غزة.
-إسبانيا كان رد فعلها قويا، حيث أعلنت وزارة خارجيتها أنها استدعت القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في مدريد وقدمت احتجاجًا على الحادث. فيما عبّرت نائبة رئيس الوزراء وزيرة العمل الإسبانية يولاندا دياز، عن إدانتها الشديدة لعملية الاختطاف، مؤكّدة أن السفينة كانت تحمل مساعدات إنسانية لغزة.
-أما في بريطانيا، فقد أعرب زعيم حزب العمال البريطاني السابق، جيرمي كوربين، عن قلقه من استمرار بلاده تسليح إسرائيل رغم الانتهاكات، مطالبًا بوقف دعم الحكومة البريطانية للاحتلال.
-من جانبها أعربت حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، عن إدانتها الشديدة لاعتراض جيش الاحتلال الإسرائيلي سفينة مادلين التضامنية أثناء إبحارها في المياه الدولية، ووصفت العملية بأنها «قرصنة بحرية مكتملة الأركان» يرتكبها الاحتلال في ظل صمت دولي متواصل. وجاء في بيان رسمي للحركة، أن «السفينة كانت تحمل مساعدات لسكان قطاع غزة، في محاولة رمزية لكسر الحصار المفروض منذ سنوات»، مشيرة إلى أن اعتراضها يندرج ضمن سياسات الإرهاب المنظم الممارس ضد الشعب الفلسطيني.
-كما نددت جماعة أنصار الله في اليمن «الحوثيون» بما وصفته بجريمة القرصنة، معتبرة أن السلوك الإسرائيلي يمثل محاولة لتجويع أهالي غزة ومنع المساعدات عنهم، ودعت جميع الأحرار في العالم للتحرك لمنع مثل هذه الانتهاكات.
فتحت سفينة «مادلين» عيون العالم على مسألة إمكانية كسر الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية عن طريق البحر. كما ساهمت في تصعيد المبادرات الشعبية العالمية، مثل قوافل التضامن والعقوبات على مسؤولين إسرائيليين، مثل حملة «كارافان الصمود» و«قوافل كسر الحصار» وقرار من دول غربية بفرض عقوبات على شخصيات إسرائيلية بارزة، كجزء من التضامن مع الشعب الفلسطيني ومحنته.
ومثلت السفينة تعبيرا بليغا عن حركة تضامن دولية رمزية وتحديًا للحصار البحري على غزة. ورغم اعتراضها من قبل إسرائيل وإبعادها، فإن رسالتها وصلت إلى الجمهور العالمي والتي تقول: إنه من غير المقبول أن يبقى أكثر من مليونين تحت الحصار والقتل والتجويع ومن غير المقبول تقييد حرية وصول المساعدات الإنسانية أو تجاهل معاناة الشعب الفلسطيني خاصة في القطاع.
قد تطوى صفحة مبادرة سفينة «مادلين» لما لحقها من أحداث كبرى، إلا أنها ستظل تعبر عن إرادة كسر الحصار من قبل شرفاء العالم الذين ساهموا أيضا في نزع قناع آخر عن وجه إسرائيل البشع واستهتارها بالقانون الدولي وحرية التعبير والأنشطة السلمية والتضامن مع الشعب الفلسطيني.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية