القاهرة ـ «القدس العربي»: يبدو أن الدور الذي اعتادت مصر لعبه خلال السنوات الماضية كوسيط في التفاوض الفلسطينيين والاحتلال، لم يعد بإمكانها ممارسته، مع التوتر الذي شهدته العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ الحصار وحرب الإبادة التي شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة بعد تنفيذ المقاومة الفلسطينية عملية «طوفان الأقصى».
المخاوف من دفع أهالي القطاع تحت وطأة الحصار والقصف للنزوح إلى سيناء، أثار مخاوف القاهرة، ما عبرت عنه في عدة بيانات وتصريحات لمصادر أمنية نقلتها قناة القاهرة الإخبارية المملوكة لجهاز المخابرات.
آخر هذه البيانات، حذرت فيه مصر على لسان وزارة خارجيتها، من مطالبة الجيش الإسرائيلي سكان قطاع غزة وممثلي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في القطاع، بمغادرة منازلهم خلال 24 ساعة والتوجه جنوباً.
وأكدت مصر على أن هذا الإجراء يعد مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وسوف يعرض حياة أكثر من مليون مواطن فلسطيني وأسرهم لمخاطر البقاء في العراء بدون مأوى في مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة وقاسية، فضلاً عن تكدس مئات الآلاف في مناطق غير مؤهلة لاستيعابها.
وطالبت مصر الحكومة الإسرائيلية بالامتناع عن القيام بمثل تلك الخطوات التصعيدية، لما سيكون لها من تبعات خطيرة على الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة. وعلى ضوء ما هو مقرر من إحاطة الأمم المتحدة لمجلس الأمن يوم الجمعة بشأن هذا التطور الخطير، طالبت مصر مجلس الأمن بالاضطلاع بمسؤوليته لوقف هذا الإجراء.
ودعت جمهورية مصر العربية الأمم المتحدة، والأطراف الفاعلة دولياً إلى التدخل للحيلولة دون المزيد من التصعيد غير محسوب العواقب في قطاع غزة.
ولم يكن هذا هو التحذير الوحيد الذي أطلقته مصر من مخطط تهجير أهالي القطاع، حيث نقلت قناة القاهرة الإخبارية المملوكة لجهاز المخابرات المصرية عن مصادر أمنية مصرية لم تسمها قولها، إن الاحتلال سعى لطرح وتزكية إطروحات فاسدة على مدار الصراع العربي – الإسرائيلي، من خلال السعي لتوطين أهالي غزة في سيناء، لافتة إلى أن هذا الأمر تصدت له مصر وستتصدى له، كما أن الإجماع الشعبي الفلسطيني رفضه.
الخبير الاستراتيجي المصري والمقرب من السيسي سمير فرج، كشف عن تفاصيل المكالمة التي تمت بين السيسي ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتعد المشادة الأولى بين السيسي الذي وصف العلاقة في عهده بالاحتلال بالسلام الدافئ، ومسؤول إسرائيلي.
وقال فرج في تصريحات على قناة «صدى البلد» الموالية للسيسي، إن هناك مكالمة حدثت بين نتنياهو والسيسي بعد التصريحات الأخيرة من الجانب الإسرائيلي بشأن تهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء، أكد السيسي خلالها أن مصر لا تسمح لأحد بعبور الحدود.
وحسب فرج قال السيسي: «هذا الحديث يجب أن تنسوه، وإذا استمرت إسرائيل في هذا الطريق، سيبدأ فصل جديد من العداوة بين مصر وإسرائيل».
وتابع الخبير الاستراتيجي: مصر لن تسمح لأي أحد أن يخترق حدودها، وأن الشعب المصري انتفض بعد الحديث الذي خرج من تل أبيب بشأن لجوء سكان قطاع غزة إلى سيناء واختراق الحدود نتيجة الهجوم المكثف من قبل جيش الاحتلال على قطاع غزة».
وأضاف، أن الشعب المصري لن يسمح بذلك وسيقف لكل من تسول نفسه بأن يفكر في اختراق الحدود المصرية.
وأوضح أن مصر ما زالت تدفع الثمن بدفاعها عن القضية الفلسطينية منذ الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، لافتا إلى أن مصر في العدوان الأخير على غزة هي من بادرت بإعادة الإعمار بتوجيهات من السيسي.
ولفت إلى أن مصر قادرة على حماية حدودها، موضحا أن غزة أصبحت الآن معزولة عن العالم بعد أن قامت إسرائيل بغلق المعابر الأربعة، ولم يتبق إلا معبر واحد، وتم إيصال رسالة من الجانب الإسرائيلي إلى مصر بأنها لن تسمح بدخول المساعدات المصرية إلى غزة وهو مرفوض تماما.
ونفت السفارة الإسرائيلية لدى القاهرة، أي نية لتهجير أهالي قطاع غزة إلى سيناء.
ونشرت بيانا مقتضبا على لسان سفيرة إسرائيل في مصر اميرة اورون، قالت فيه: ليس لدى إسرائيل أي نوايا فيما يتعلق بسيناء، ولم تطلب من الفلسطينيين الانتقال إلى هناك.
وأضافت: إسرائيل ملتزمة بمعاهدة السلام مع مصر التي حددت فيها، جليا، الحدود بين البلدين. وزادت: سيناء أرض مصرية حارب فيها الجيش المصري الإرهاب خلال السنوات العشر الماضية.
وجاءت تصريحات السفيرة في أعقاب الجدل الذي أثارته تصريحات كبير المتحدثين العسكريين للجيش الإسرائيلي، ريتشارد هيشت، حيث قال لصحافيين أجانب «أعلم أن معبر رفح (على الحدود بين غزة ومصر) لا يزال مفتوحا، وأنصح أي شخص يمكنه الخروج بالقيام بذلك».
التحذير المصري
لم تكن خطة التوطين في سيناء هي الوحيدة التي عكرت صفو العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، حيث أدى حديث وسائل عبرية عن تحذير مسؤولين مصريين للكيان المحتل من أن حدثا جلل سيقع في قطاع غزة، أزمة دفعت المصادر الأمنية نفسها التي سبق وأكدت التصدي لخطة التوطين في سيناء، لنفي ما تداولته تقارير إعلامية إسرائيلية بشأن قيام الأجهزة المصرية بإبلاغ الجانب الإسرائيلي عن وجود نوايا لدى حركة حماس، لتنفيذ الهجوم الذي جرى في السابع من تشرين الأول/اكتوبر الجاري.
إلى ذلك مثل إقدام جيش الاحتلال على قصف معبر رفح البري الحدودي بين مصر وقطاع غزة، وحديث وسائل إعلام عبرية عن تهديدات وجهتها تل أبيب بقصف أي قوافل إغاثة قد تقدم مصر على إدخالها إلى القطاع، نقطة خلاف جديدة أضيفت لأسباب التوتر بين مصر والاحتلال الإسرائيلي.
الخارجية المصرية، قالت إن القصف الإسرائيلي المتكرر من معبر رفح البري أدى إلى تعرض مرافقه الأساسية على الجانب الفلسطيني للتدمير ما يحول دون انتظام عمله بشكل طبيعي.
وطالبت مصر في البيان الصادر عن وزارة خارجيتها، إسرائيل بتجنب استهداف الجانب الفلسطيني من معبر رفح كي تنجح جهود الترميم والإصلاح بشكل يؤهله للعمل كمعبر وشريان للحياة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في القطاع.
وأكدت مصر أن معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة مفتوح للعمل ولم يتم إغلاقه في أي مرحلة منذ بدء الأزمة الراهنة، ودعت مصر جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الراغبة في تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تخفيفاً عنه واستجابةً لمعاناته نتيجة القصف الإسرائيلي العنيف والمتواصل، إلى إيصال تلك المساعدات إلى مطار العريش الدولي الذي تمَّ تحديده من جانب السلطات المصرية لاستقبال المساعدات الإنسانية الدولية من الأطراف والمنظمات الدولية المختلفة.
وأكدت أن المسؤولية الإنسانية والقيم الأخلاقية العالمية، تحتم على أصحاب الضمائر الحية في كل بقاع العالم، أن تبادر بتقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني الذي يعاني من مخاطر جمة في الوقت الراهن.
مطار العريش
وواصل مطار العريش المصري في شبه جزيرة سيناء، استقبال الطائرات التي تحمل مساعدات ومواد إغاثية لقطاع غزة المحاصر.
واستقبل الجمعة، طائرة مساعدات تركية، تحمل 24 طنًا من المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية واحتياجات المستشفيات في قطاع غزة، فيما ينتظر المطار وصول طائرتين تركيتين أخرتين بإجمالي حمولات تصل 60 طنًا للطائرات الثلاث خلال الساعات المقبلة.
ووصلت مطار العريش بعد ظهر الخميس الماضي طائرات تحمل مساعدات إنسانية من الأردن، تمهيدا لنقلها إلى سكان قطاع غزة.
وتضمنت المساعدات كميات من المواد الإغاثية والغذائية التي نقلتها طائرات شحن أردنية.
ومن المقرر أن يتم تخزين المساعدات التركية في استاد العريش لحين التنسيق لدخولها إلى قطاع غزة.
تعزيزات عسكرية
وأفادت مصادر محلية وشهود عيان لمؤسسة سيناء بوصول تعزيزات عسكرية كبيرة لمنطقة رفح الحدودية، وقالت المصادر إن التعزيزات اشتملت على ضباط وجنود وآليات عسكرية وعربات جيب ودبابات، حسب مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.
وأظهرت الفيديوهات التي نشرتها المنظمة حقوقية، صور آليات ومعدات عسكرية وسيارات تقل جنودا تسير في مدينة رفح الحدودية.
وتعرض معبر رفح الحدودي للقصف عدة مرات خلال الأيام الماضية، ما أعاق استمرار عمله بشكل طبيعي حسب وزارة الخارجية المصرية.
غضب شعبي
وعلى المستوى الشعبي، خرج آلاف المصريين في مظاهرات عقب صلاة الجمعة دعما لفلسطين، فيما طالبت الحركة المدنية الديمقراطية بطرد سفير الاحتلال الإسرائيلي وسحب البعثة الدبلوماسية المصرية من تل أبيب.
جاء ذلك خلال مؤتمر نظمته الحركة التي تضم 12 حزبا معارضا وعددا من الشخصيات العامة مساء الأربعاء الماضي.
وقررت الحركة تنظيم حملة شعبية لجمع الغذاء والدواء في جميع مقرات أحزاب الحركة، على أن يتم توصيل المساعدات عبر معبر رفح من خلال قوافل شعبية تنظمها الحركة المدنية بالتنسيق مع السلطات المعنية، وطالبت الحركة أحزابها والشعب المصري بالتبرع علي حساب الهلال الأحمر لحساب الشعب الفلسطيني.
وأعلنت الحركة دعمها قرارات الدولة المصرية بتقديم الدعم للشعب الفلسطيني وتدين بكل قوة قيام جيش الاحتلال بضرب معبر رفح الفلسطيني.
وطالبت بطرد سفير الكيان الصهيوني من مصر وسحب السفير المصري من تل أبيب.
حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق قال إننا نحتفي بنصر عظيم وإنجازات المقاومة ونؤكد على أننا طرف في الصراع العربي الصهيوني وشركاء أصليين في مقاومة الكيان الصهيوني.
وأضاف في كلمته خلال المؤتمر، «هذا يأتي تعبيرا عن الوطنية المصرية، وعن انتمائنا إلى روح العروبة وانتصارنا لقيم الإنسانية وحق الشعوب في التحرر وواجبها في القتال حتى زوال الاحتلال وهذا ما ننطلق به».
وزاد: نحن نحتفل بالانتصار وندرك أننا مقدمون على حرب صعبة وعلينا أن نعبر بدقة اننا شركاء فيها ونقول إن هذه المرحلة ليست مجرد اعتداء أو تنفيس عن غضب مشروع ولا مواجهة مشروعة لممارسة السلطة فرط اليمينية الأمر أكبر من ذلك، نحن ندخل مرحلة التقدم في حرب التحرير ضد الكيان الصهيوني».
وقال: سمعنا أن أي مساعدات تصل إلى غزة سيتم ضربها وهذا يعتبر تهديدا للشعب والجيش المصري.
وقال مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن الشعب الفلسطيني فتح أفقا جديدا للانتصار وهذه الضربة أوجعت إسرائيل ولها تداعياتها الكبرى على العالم، مؤكدا أن نضال الشعب الفلسطيني سوف يكلل بالنصر.
وطالب بطرد السفير الإسرائيلي من مصر والبعثة الإسرائيلية، مع ضرورة مواجهة السلطة تهديدات إسرائيل لها ومراجعة الاتفاقيات الدولية التي تمس السيادة المصرية، في إشارة إلى معاهدة السلام مع إسرائيل.
كريمة الحفناوي القيادية بالحزب الاشتراكي قالت خلال المؤتمر: في الذكرى 50 لنصر 6 أكتوبر 1973 يأتي طوفان الأقصى ليؤكد النصر، مضيفة أن المقاومة الفلسطينية أثبتت فشل هذا الكيان عسكريا واستراتيجيا وعلى المستوي السياسي.
وأضافت: أقل ما تقدمه الحركة المدنية أن تساند المقاومة الفلسطينية، وتطالب بوقف التطبيع وفتح معبر رفح.
وتابعت: الشعب المصري يطالب بإغلاق السفارة الإسرائيلية وطرد السفير وسحب سفيرنا من إسرائيل.
إلى ذلك طالبت 9 منظمات حقوقية مصرية مستقلة، المجتمع الدولي والسلطات المصرية – باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة دون إبطاء لتقديم الغوث العاجل للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، خاصة في ظل الحصار الشامل الذي أعلنته حكومة الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ يوم 9 تشرين الأول/اكتوبر الجاري.
وتضمنت قائمة المنظمات الموقعة على البيان، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومنصة اللاجئين في مصر، ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والمركز الإقليمي للحقوق والحريات، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ولجنة العدالة، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير.
وقالت المنظمات في بيانها، إن مسؤولية مصر لا تنبع فقط من كونها دولة الجوار الوحيدة، بل وشريان الحياة الأوحد لشعب غزة في ظل إغلاق كافة المعابر الأخرى، ولكن أيضًا من مشاركتها على مدى 16 عامًا في إنفاذ القيود المفروضة على سكان غزة منذ فرض الحصار الإسرائيلي عليهم عام 2007.
وزادت: رغم أن السلطات المصرية خففت بعض هذه القيود وفتحت معبر رفح لفترات مطولة منذ عام 2018 وحتى اندلاع الحرب الجارية، حسب الأمم المتحدة، فإن الحصار ظل مستمرًا ومفروضًا على أكثر من 2 مليون فلسطيني -يمثل الأطفال ما يقرب من نصفهم- في قطاع غزة وحرمهم من القدرة على الوصول إلى بقية أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة والعالم الخارجي، وإمكانية الحصول بشكل طبيعي على العلاج الطبي، والتعليم الجامعي، والتمتع بالحياة الأسرية والاجتماعية، والعثور على فرص العمل والفرص الاقتصادية.
وطالبت المنظمات الحقوقية السلطات المصرية وبشكل عاجل بفتح ممرات إنسانية، بالتنسيق والدعم من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، لمرور المصابين والجرحى والحالات الإنسانية، وكذلك لإدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري، بما في ذلك الطعام والماء والوقود والمساعدات الطبية اللازمة والمستلزمات الصحية للنساء والفتيات، فضلاً عن ضمان استمرار العمل في معبر رفح بأقصى درجة ممكنة والتصدي بكل صرامة لمحاولات جيش الاحتلال الإسرائيلي إخراج المعبر من الخدمة عبر القصف المتكرر للمناطق المحيطة به.
كما طالبت السلطات المصرية والمجتمع الدولي بضرورة التحرك لإلزام إسرائيل بوصفها قوة الاحتلال، برفع الحصار فورًا عن الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، وضمان دخول المعونات الإنسانية، والسماح بإقامة مناطق آمنة تحت حماية دولية للمدنيين داخل القطاع، والوقف الفوري لإطلاق النار، وفرض الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، ووضع نهاية للعقاب الجماعي لسكان غزة، ومنع تعرضهم للتهجير الجماعي أو التطهير العرقي، وإنهاء الاحتلال غير الشرعي لكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة وتفكيك نظام الفصل العنصري الذي أخضع الشعب الفلسطيني على مدى 75 عامًا.