خياراتُ ترامب للأمريكيين: الفوز أم شلال دم؟

مَن شاهد المناظرة التي جرت بين مرشحة الرئاسة الأمريكية، كامالا هاريس، وبين خصمها الرئيس السابق، دونالد ترامب، يخرج بانطباعٍ لا يحتاج إلى تحليل عميق. فقد أكدت المناظرة أمراً بديهياً وهو انزلاق المستوى السياسي في الولايات المتحدة بشكلٍ حاد، لم يسبق له مثيل. وصل حد تبادل الاتهامات والشتائم الشخصية بشكل دنيء، يفتقر للاحترام، مع أن الخصومة بينهما هي خصومة سياسية وليست شخصية. فشتان بين مناظرات اليوم ومناظرات الأمس القريب، قبل ظهور ترامب على الساحة السياسية.
المناظرات السياسية ابتكار أمريكي:
المناظرات بين المرشحين لمناصب سياسية هي ابتكار أمريكي ظهر في منتصف القرن التاسع عشر، قبل الحرب الأهلية الأمريكية بسنوات قليلة، بهدف تعريف الناخبين بموقف المرشحين من قضايا الساعة، كي تساعدهم على الاختيار. وبعد ظهور الإذاعة، في القرن العشرين، أصبحت المناظرات تُبث عبر موجات الأثير ليستمع إليها الناخبون، عبر البلاد، من خلال أجهزة الراديو. ثم صارت المناظرات تُبث صوتاً وصورة، مع بدء انتشار التليفزيون، منتصف القرن العشرين. واتخذت مناظرات عام 1960، بين مرشحي الرئاسة جون كنيدي وريتشارد نيكسون، شكلاً هو نفسه الذي يجري تقليده لغاية اليوم. ومنذ ذلك الحين والمناظرات تجري على ذلك النمط، وتتصف بالرصانة، والدبلوماسية، والاحترام المتبادل بين المرشحين، على عكس ما رأى الناس، عبر العالم، في مناظرة هاريس ـ ترامب.
المناظرة عكست الانقسام الاجتماعي العميق:
أول ما اتضح من مجريات المناظرة، بين هاريس وترامب، مدى الانقسام الفكري السياسي العميق في المجتمع الأمريكي، الذي تمثلُ هاريس جانبه اليساري (الديمقراطي) فيما يمثل ترامب جانبه اليميني (الجمهوري). ذلك «الانقسام» الذي برز بحدة منذ أول ظهور لترامب على الساحة السياسة، في انتخابات الرئاسة، عام 2016، عندما تغلب على هيلاري كلينتون. وبعد خسارته انتخابات عام 2020، أمام الرئيس جو بايدن، خرج على شعبه برفض الهزيمة، والمطالبة بقلب النتائج لصالحه.

أكدت المناظرة أمراً بديهياً وهو انزلاق المستوى السياسي في الولايات المتحدة بشكلٍ حاد، لم يسبق له مثيل. وصل حد تبادل الاتهامات والشتائم الشخصية بشكل دنيء، يفتقر للاحترام

وأخذ يردد عبارته المشهورة بالتلويح بـ «شلال الدم» إذا لم تجرِ الأمورُ على هواه، وأعلن ذلك مراراً وتكراراً. وقد حاول لكنه فشل. ففي اليوم الذي كان يُفترض أن يصادق فيه الكونغرس بمجلسيه على نتائج الانتخابات، دفع ترامب بأنصاره لاحتلال الكونغرس، ليغيروا النتائج لصالحه بالقوة. فكانت معركة قاسية وقوية، لم تر واشنطن لها مثيلاً، أعادت إلى الأذهان الحرب الأهلية الأمريكية، بين الشمال والجنوب.
ترامب غير متعلم وسياسي متمرد:
أكدت المناظرة، بين ترامب وهاريس، الانطباع عن شخصية ترامب، وما يعانيه من ضيق الأفق السياسي، إضافة إلى تدني القدرات الذهنية والعقلية، وعدم التركيز، والتشتت، وعدم وجود قدرات تحليلية لديه ليفهم المسائل المعقدة ويتحدث فيها بأريحية، إذ ربما يعود ذلك إلى ضعف بنيوي متأصل فيه، وضعف التحصيل العلمي، الذي يعكسه تكرار استخدامه لمفردات سوقية. ولا ننسى شهادة الدكتور الفلسطيني نبيل شعث، الذي كان ترامب أحد تلاميذه في الكلية، نهاية الستينيات، والذي قال فيه إنه كان بعيداً كل البعد عن التفوق في دراسته.
ومن يستمع إلى ترامب طويلاً يُدرك أنه شخص عصبي المزاج، وحاد الطبع، وسريع الغضب، ويتصف بالخفة والطيش، والنَزق في كلامه، والعجلة، وعدم التروي، لدرجة يمكن وصفه بالجاهل أو الأحمق. أضف إلى ذلك استخدامه اسلوب التهريج وتهييج الجمهور، من خلال خطبه المعدة سلفاً، مما يعكس أن العاملين معه لا يختلفون عنه كثيراً.
هاريس متعلمة وسياسية محنكة:
في المقابل هناك المرشحة هاريس، المرأة صاحبة الشخصية القوية، المتعلمة، الواعية، التي قامت بأدوار سياسية دولية، كنائبة للرئيس بايدن، التي تحفظ درسها جيداً، وتعرف كيف تؤثر في جمهورها بأسلوب رصين. إضافة إلى أنها مستمعة جيدة، تتصف بالدبلوماسية في حديثها وباللباقة. ودليل ذلك كيف قدمت نفسها لدى مصافحة ترامب في المناظرة، عندما التقيا لأول مرة. فهي التي بادرت وتوجهت نحوه وقالت «أنا كامالا هاريس» بينما هو صامت لم يرد عليها، ولم يجاملها، بأي كلمة ترحيب على الأقل، كما يفعل الأمريكيون بقول Nice To Meet You، ما يعني سعيد بمقابلتك، أو ما شابه.
الخلاصة: معضلة ترامب الفوز أم «شلال الدم»؟
هذا غيض من فيض مما يمكن أن يقال بعد مشاهدة مناظرة هاريس ـ ترامب التي فضحت وكشفت للمرة الألف شخصية ترامب، الطامح للعودة إلى البيت الأبيض، والذي ينظر لمنصب الرئاسة كأنه يدير شركةً من شركاته، فهو «المعلم» ومن تبقى صبيان يعملون لديه. وما أكثر «الصبيان الخبراء» الذين تخلوا عنه، خلال رئاسته، وخرج كلٌ منهم ليؤلف كتاباً يفضح فيه شخصيةَ رئيسٍ غريب الأطوار لم ير البيتُ الأبيض مثله من قبل، خلال مئتين وخمسين سنة من عمرِ دولتهم. الدولة التي خرجت من رحم حربٍ أهلية دامية، وقوّتها حربان عالميتان، جعلتا منها الدولة الأولى التي تهيمن على عالم اليوم. فهل يفوز ترامب في الانتخابات ويكمل مشواره بقيادة بلاده نحو الهاوية؟ أم يخسر الانتخابات ليُري العالمَ كيف يكون عليه «شلالُ الدمِ» الأمريكي الذي توعد به؟

كاتب من الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أبو تاج الحكمة الأول وارث الخاتم النبوي الشريف:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مرشحة الرئاسة الأمريكية، كامالا هاريس هي التي سوف تفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وهذا سيستدعي من ترامب و أنصاره قيام حرب أهلية ومن تداعياتها استقلال ولاية تكساس.

  2. يقول عمر وعلي عبد المالك:

    فهذه هي أساليب السياسة ترامب يريد الوصول ومنافسته تريد نفس الخيار فالكل يتوعد بإصلاحات في مختلف المجالات
    النتيجة إذن لابد لاحدهما أن يصل وحينذاك ستظهر حقيقة كل منهما اما قبل فالحقيقة غائبة اونصفها

  3. يقول nassereddine:

    إذا خسر ترامب فسيصل سن الثمانين و هو بين سجن و- محكمة و فضيحة، سيسلخه أصدقائه الجمهوريون ثم المحاكم و أخيراً الضرائب

  4. يقول عربي:

    ان شاء الله نرى حربا اهلية هناك

اشترك في قائمتنا البريدية