سنْدُو… رُبْان السرد بالعربية في الأدب التشادي

يمثل آدم يوسف (سنْدُو) الصوت السردي الأبرز في الأدب التشادي المكتوب باللغة العربية. وإذا قمنا بتنحية بعض السرديات غير المكتملة فنياً، التي نشرت نشراً غير احترافي في أنجمينا نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، يمكن القول إنّ سنْدُو يمثل أول أديب تشادي ينشر رواية باللغة العربية، تستوفي المعايير الفنية لفن الرواية، وهي روايته «سنْدُو» التي نشرت عام 2004 في العاصمة السودانية الخرطوم وعلقت باسمه، وأصبح يُعرّف بها.
هنالك عوامل كثيرة مكنت آدم يوسف من إجادة الكتابة الإبداعية باللغة العربية، رغم انتمائه لبلد تواجه اللغة العربية فيه مقاومة شرسة من اللغة الفرنسية المنتشرة على نطاق واسع في التعليم والإدارات الحكومية. تشاد بلد ثنائي اللغة على المستوى الرسمي، لكنها ثنائية غير متكافئة، حيث يتحدث ويكتب العربية أقل من 10% من السكان، ويمكن إحصاء المدارس التي تستخدم اللغة العربية، لغةً للدراسة، على أصابع اليد الواحدة.
نجا آدم يوسف من هذا السياق المعقد، فهو قد ولد في المملكة العربية السعودية ودرس فيها المرحلة الابتدائية، ثم عاد إلى أنجمينا برفقة أسرته ليلتحق بمدرسة الصداقة السودانية التشادية، وهي مدرسة عربية أنشأها الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري عام 1971، وبعد أن أكمل مرحلة التعليم ما قبل الجامعي في هذه المدرسة، التحق بجامعة افريقيا العالمية، في العاصمة السودانية الخرطوم، التي يعمل فيها حاليا باحثاً ومحاضراً في كلية الآداب.
مثلت دراسته في مدارس عربية العامل الأول في تمكنه من الكتابة الإبداعية بلغة الضاد، ثم إن اتصاله بالمشهد الثقافي والأدبي في السودان ساعده كثيراً في أن يجتاز عثرات البدايات، وأن يقدم نفسه بثقة في وسط ثقافي نشيط ومؤثر، وأفاده اتصاله بالفاعلين في المشهد الأدبي السوداني على نشر، وإعادة نشر، جميع أعماله الأدبية في دور نشر سودانية، فقد نشر له نادي القصة السوداني مجموعته القصصية «كالصريم» عام 2004 ونشر في العام ذاته رواية «سنْدُو»، ثم أتبعها بنشر روايته «أنجمينا مدينة لكل الناس» عام 2008 وكان قد نشر، قبل ذلك كله، أول مجموعة قصصيه له «الأشواك» في مدينة أنجمينا عام 1999 قبل انتقاله للعيش في الخرطوم.
اشتغلت سرديات آدم يوسف على ثيمات متنوعة، وألبستْ ثيمات عالمية، تشغل الإنسان في كل مكان، لباساً محلياً. فقد تناولتْ ثيمة القهر، مقدمةً مقاربةً سردية لها، من خلال قضية (الحدادين) في تشاد، وهم فئة اجتماعية تعاني تهميشاً، وامتحنت فنياً قضية البؤس الذي مصدره المؤسسة الاجتماعية، عبر استعراضها لحياة الطلبة القرآنيين، أو من يسمون بـ»المهاجرية»، في المدارس القرآنية المحلية، التي تعرف محلياً بـ»الخلوة».
في روايته الموسومة «أنجمينا مدينة لكل الناس»، وهي رواية مكان بامتياز، كتبــــها ســـنْدُو، من مهجره في الخرطوم، تحت سطوة نوستالجيا طاغية، حفـــر آدم يوسف في ذاكرته عميقاً ليستدعي، عبر الكتابة بلغـــة شاعرية عذبة، مدينة أنجمينا، أحياءها، شوارعها، وناسها، وليستدعي كذلك، في هذه السردية، بانوراما من الشخصيات العادية التي تزين الحياة اليومية في المدينة.
في كتابات آدم يوسف احتفاء ملحوظ بالموروثات الافريقية، وبالروح الإنسانية الافريقية، وفيها تعبير فني عن الهوية الافريقية، لحد أن البعض يرى فيه مبشراً بالافريقانية. يؤكد سنْدُو أن مشروعه الأدبي ينهض على دعم الثقافات الافريقية، وتحريرها من قيودها، ودعم التواصل المعرفي، وقبول الآخر. هناك تيارات فكرية وأدبية افريقية، سادت لوقت طويل، سعت لقسم القارة إلى قسمين: شمال عربي، تمثل العربية لغة التدوين الرئيسة فيه، وجنوب افريقي، لغات التدوين فيه أوروبية وافريقية، مع التأكيد على أن الشمال العربي لا علاقة له من الناحية الثقافية بالإنسان الافريقي، إذن ما يميز كتابات سنْدُو ، إضافةً لقيمتها الفنية، أنها تهزم هذا التيارات، فهي تأتي من المنطقة الافريقية الواقعة جنوب الصحراء، ومن خارج مجال اللغة العربية، من المنطقة ذاتها التي ظلت مدونتها الإبداعية تكتب حصراً، سواء باللغات الافريقية المحلية، أو بلغات المستعمر الأوروبي.

٭ كاتب سوداني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د. حسن عثمان سجال من جمهورية جيبوتي:

    تحية إجلال لصديقي العزيز الكاتب سندو جمعتنا الأيام في مقاعد الدراسة كما زرته في مكتبه الكائن في مبنى معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة إفريقيا العالمية أكثر من مرة إثناء مشاركاتي في مؤتمرات في السودان .. أتمنى له التألق والإبداع في السماء الأدب كما أتمنى له دوام الصحة والعافية

  2. يقول محمد أمين:

    جزيل الشكر للكاتب عاطف الحاج لإلقاء الضوء على واحدة من الأصوات الأدب باللغة العربية في إحدى أطراف الصحراء الكبرى، أما سندو قد تخطى برويتة الافرقانية إظهار بعض القضايا الغائبة عن أذهان معظم القراء في العالم العربي من خلال كتاباتة ونتمنى له التوفيق والنجاح

  3. يقول محمد بلامه:

    نعم الدكتور سندو بحق هو كاتب في الأدب التشادي وكل الذي ورد في التعليقات وخصوصاً الذي اسرده الأديب السوداني هو عين الحقيقة

  4. يقول أحمد محمد دناع:

    شكرا جزيلا لك على تسليطك الضوء على أخينا الأديب الدكتور آدم يوسف التشادي ( سندو ) وعلى إنتاجه الأدبي، ولكن اسمح أن أقول لك بأن كلامك بخصوص عدد المدارس العربية في تشاد غير صحيح، ” إحصاء المدارس التي تستخدم اللغة العربية، لغةً للدراسة، على أصابع اليد الواحدة”, لأن المدارس العربية في تشاد تعد بالمآت إن لم تكن بالآلاف. وشكرا.

  5. يقول عبده آل حسب الله:

    كل الاجلال للكاتب آدم يوسف

اشترك في قائمتنا البريدية