عبد الإله بن كيران، السياسي الذي يُتقن فن تحويل المؤتمرات والخطب إلى مشاهد شائقة تتناقلها الهواتف المحمولة والحواسيب، عاد مجددًا ليُسدّد سهامه نحو حكومة عزيز أخنوش. وكعادته، لم يترك المناسبة تمر دون أن يضيف جرعة من السخرية اللاذعة والعبارات التي تصبح، بشكل أو بآخر، «ترند» على منصات التواصل الاجتماعي، مثيرة كثيرًا من الجدل بين الاستحسان والاستهجان.
في آخر تصريحاته المتداولة صوتًا وصورة، وصف بن كيران الحكومة الحالية بأنها حكومة «حديدان الحرامي»، في إشارة إلى الشخصية الشهيرة في الثقافة الشعبية المغربية التي تلجأ إلى أساليب المكر والحيل والخداع من أجل بلوغ مراميها أو اجتياز مواقف صعبة بسلام. ومن ثم، فشخصية «حديدان» قريبة من شخصية «جحا» في التراث العربي. فلا عجب أن وجدت قبولاً من لدن الجمهور المغربي حينما قُدّمت على شكل سلسلة تلفزيونية، كان بطلها الممثل الكوميدي كمال كاظيمي الذي صار لقب «حديدان» لصيقًا به، بحكم قدرته على إتقان الدور واندماجه فيه.
غير أن بن كيران الذي يقود حزب «العدالة والتنمية» المغربي من موقع المعارضة، لم يكتفِ بنعت «حديدان الحرامي» في حق حكومة عزيز أخنوش، بل أعاد فتح قاموس السياسة المغربية، ليُذكّر بمصطلح «البّانضية» (يُفهم في السياق الشعبي بعصابة المُحتالين، ومعناه الأصلي في اللغة الفرنسية قطاع الطرق) الذي يحمل بدوره تاريخًا حافلاً في النقد السياسي بالمغرب. فمصطلح «البّانضية» الذي استخدمه عبد الإله بن كيران ليُشير إلى ما يعتبره فسادًا حكوميًا ليس وليد اللحظة، إذ سبق للراحل نوبير الأموي، الزعيم النقابي الشهير، أن وصف حكومة عبد اللطيف الفيلالي في بداية التسعينيات بأنها «حكومة البّانضية» في حوار مع صحيفة إسبانية. وهي تصريحات أثارت حينها غضب السلطة، وأدت إلى محاكمة الأموي وسجنه، ما جعل هذا المصطلح مرادفا للجرأة القوية في الانتقاد السياسي. كما أن مصطلح «البّانضية» انتقل لاحقًا إلى السينما مع فيلم للمخرج والممثل سعيد الناصري.
بن كيران استخدم العبارة، معتمدًا على ذاكرة المغاربة السياسية التي تُمجّد الخطاب الصريح، لكنه أيضًا أضاف بعض توابله الخاصة، حين دمجها مع «حديدان»، ليُضفي على كلامه مسحة فكاهية تُثير التعاطف والضحك، لكنها تحمل في طياتها اتهامًا سياسيًا لاذعًا.
خطاب بن كيران لم يقتصر على السخرية فحسب؛ فقد استحضر بنبرة جادة مواقفه هو حينما كان رئيسا للحكومة المغربية، وقال: «تمغربيت هي هذه» (أي أن تكون مغربياً بتقاليدك العريقة)، وأضاف قائلا: وليس أن تكون (بّانضي) أكثر من (البّانضية) هاذيك عند (حديدان الحرامي)!» وهذه حكومة (حديدان الحرامي).
عبارة «تمغربيت» تبدو وكأنها استدعاء لقيم الهوية المغربية، لكنها في الوقت ذاته تُحمِّل الخصوم السياسيين مسؤولية تخلّيهم عن تلك القيم. والحال أن «تمغربيت» أصبحت تُلاك اليوم على ألسنة كل الأطياف السياسية يمينها ويسارها، لدرجة يصدق عليها قول الشاعر: «وكل يدّعي وصلا بليلى… وليلى لا تقر لهم بذاكَ»
بن كيران ليس جديدًا على النقد اللاذع. لكنه نفسه لا يسلم من الانتقاد؛ إذ يؤاخذ بكونه يُتقن اللعب على وتر الشعبوية، كوسيلة لجذب الأنظار، ويضع نفسه في مواجهة الحكومة نصيرًا للشعب، لكنه لا يُقدم بدائل واضحة أو حلولًا قابلة للتطبيق. قد يكون بطلًا شعبيًا لدى فئة من المغاربة، لكنه بالنسبة لآخرين مجرد «حكواتي» يُتقن دور المعارضة!
درس في النقاش السياسي!
برزت المذيعة المصرية فيروز مكي مثالا حيا على الكفاءة المهنية والقدرة الفائقة على الدفاع عن القضايا العادلة بمنتهى الذكاء والإصرار. فخلال برنامج حواري ساخن على قناة «القاهرة الإخبارية»، أظهرت المذيعة المذكورة حضورًا قوياً ومهارة استثنائية في الرد على ليف لارسون، المستشار في الحزب الجمهوري الأمريكي.
بتحليل عميق واستناد إلى الحقائق الموثّقة، لم تكتفِ فيروز بعرض الأسئلة الصعبة فقط، بل نجحت في قلب الحوار لصالحها، مسلّطة الضوء على ازدواجية المعايير التي تتبعها السياسات الدولية، خاصة الأمريكية، تجاه القضية الفلسطينية. واجهت المذيعة ابتسامات المستشار الأمريكي المبطّنة بسخرية بعبارات حازمة وعقلانية، مؤكدة رفضها لأي استهانة بمعاناة الفلسطينيين.
لقد كان أداؤها أُنموذجًا لمستوى عالٍ من المهنية الإعلامية، إذ لم تخرج عن إطار الحوار المسؤول رغم حدة المواقف. كانت كلماتها تعكس حرصًا شديدًا على إبراز الموقف المبدئي تجاه العدوان الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته التزمت بالموضوعية في إدارة النقاش.
طرحت فيروز مكي سؤالاً صارمًا على ليف لارسون، قالت فيه: «قلت إن إسرائيل تدافع عن نفسها في غزة ضد حماس وفي لبنان ضد حزب الله، ولكن ماذا عن عمليات الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتوسعات والقتل والتنكيل واعتقال أهاليها؟» السؤال لم يكن إلا بداية للمواجهة، حيث رد ليف لارسون متهربا: «لست مختصا في القانون الدولي ولا في الشأن القضائي، ولكن ما يمكن أن أقوله إن الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية تتقدم تحت إدارة ترامب المرتقبة.»
طرحت فيروز مكي تساؤلًا حول الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مشيرة إلى أن الاستيطان والاعتقالات والاعتداءات تحدث رغم عدم وجود «حماس» أو «حزب الله» هناك. كما أشارت إلى أن الولايات المتحدة جرّمت بعض المستوطنين الإسرائيليين ومنعتهم من السفر إليها بسبب مخاوف من عنفهم ضد الفلسطينيين. تساءلت مكي: «لماذا يُعتبر من الطبيعي أن يقوموا بذلك ضد الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين»؟
استمرت المواجهة بتساؤل طرحه لارسون عمّا إذا كانت الصواريخ من غزة تُطلق من مناطق عسكرية. أجابت مكي بأن إسرائيل تستهدف منشآت مدنية مثل المستشفيات، واعتقلت أطباء بدعوى انتمائهم لحركة «حماس». وأشارت المذيعة إلى تقرير لقناة «سي إن إن» الأمريكية حول مستشفى كمال عدوان والأنفاق تحته، حيث ذكر صحافيون أن أماكن الأسلحة تغيّرت قبل وبعد التصوير، مما يشير إلى تلاعب.
وأعربت فيروز مكي عن استيائها من «ابتسامة» لارسون المتكررة أثناء الحديث عن معاناة غزة، قائلة: “لا أسمح لك بالابتسام ونحن نتحدث في قناة عربية عن الأزمة التي نعيشها. ولن يقبل أي مصري أن يرى شخصًا يبتسم وهو يتحدث عن معاناة أطفالنا، لأننا نحن في مأساة حقيقية نتيجة العدوان الإسرائيلي والمجازر التي تقوم بها إسرائيل في حق أطفالنا».
الظاهر أن المستشار الأمريكي فوجئ بالطلقات الكلامية المتتالية للمذيعة المصرية، فبدا مرتبكا خاصة بعدما حاول مقاطعتها، فرفضت محاولة الإسكات، وتابعت خطابها القوي والمقنع؛ ما أجبر ليف لارسون على التراجع عن بعض تصريحاته، محاولاً إمساك العصا من الوسط، من خلال حديثه عن عملية السلام وإشراك دول الجوار فيها، وضرورة إنهاء الاستيطان وضمان وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وتأكيده على حل الدولتين، وأيضا على حقوق الشعب الفلسطيني.
بهذه المواجهة أثبتت قناة «القاهرة الإخبارية» أن الإعلامي الناجح هو مَن يحمل قضيته بوعي واحتراف، ويظل ملتزماً بخطاب يليق بالمُشاهد ويحترم ذكاءه.
٭ كاتب من المغرب
وا ما عن احمد موسى وعمرو اديب المدافعان الشرسان عن السيسي فقتل اطفال و نساء و شيوخ غزة هي من اساطير الاولين.
هذه هي المأساة باأخي رشيد!
لكن مستوى المعيشة في فترة حكم بن كيران و حزبه كانت افضل من حكومة رجال الاعمال هذه