سوريا تكشف عمق الانقسام حول التغيير في مصر

لم يعد خافياً حجم التوافق العربي الرسمي (المشين)، تجاه القضايا الإقليمية الراهنة، أو المصيرية للأمن القومي المشترك، ذلك التوافق على التنازل والتبعية والتطبيع والطاعة لأوامر أبناء العم سام والصهيونية العالمية، خوفاً على كراسي سلطة بائسة هنا، أو متأرجحة هناك، أو حتى غير شرعية في كل الأحوال، وهو التوافق الذي يجعلنا نترحم على زمن الاختلاف، أو أزمنة التحالفات، ما بين دول ممانعة، وأخرى مهرولة، وثالثة مترددة، بل يجعلنا نترحم على قادة، كانوا أولي بأس، أو أولي حضور واضح على الأقل، في المشهد السياسي تارة، والعسكري تارة أخرى، ناهيك عن النخوة والإيمان بالعروبة، على أقل تقدير.
منذ بداية عملية طوفان الأقصى، وحتى الآن، وما صاحب ذلك من إبادة للأشقاء في قطاع غزة، كنا نظن أن أمر التراجع العربي، يتعلق بالقضية الفلسطينية فقط، بما يعني أن العرب قد تخلوا عن قضيتهم التاريخية، قضية القدس والأقصى، إلى أن جاء العدوان على لبنان، جنوباً وشمالا، شرقاً وغرباً، وسط صمت عربي غير معهود، حتى بدا واضحاً، أن لبنان باتت كفلسطين، في طي التجاهل والتفريط هي الأخرى، إلا أن استمرار الحالة العربية الرسمية كما هي، فيما يتعلق بالشقيقة سوريا، الشطر الآخر من الجمهورية العربية المتحدة، دولة الخلافة، وفجر التاريخ، يجعلنا نعجز عن التعبير، بل عن الكلام بشكل عام.

حالة الغليان كانت واضحة طوال الوقت، تجاه الموقف الرسمي المنبطح، الذي لا يتوافق أبداً مع دور مصر التاريخي في المنطقة بشكل عام

هذا التوافق السلبي الرسمي، الأول من نوعه في التاريخ العربي الحديث، لم يستطع الانتقاص من قدر فلسطين ولبنان وسوريا، التاريخ والجغرافيا، ذلك أننا أمام أمم راسخة الجذور، إنما ينتقص من قادة ليسوا على مستوى المرحلة، مرحلة المتغيرات التاريخية، والتحولات السياسية، التي كانت تحتم التعامل معها بما يجب، وبما تتطلبه الخطط والمؤامرات المعلنة، ما يؤكد انعدام فرضية المصادفة في وجود هؤلاء وأولئك على الساحة، أو على قمة الهرم هنا وهناك، بعد أن بدا واضحا أنهم لا يأبهون لماضٍ عريق، أو حاضر مرتبك، أو مستقبل مخيف، أصبحت معه المنطقة بأكملها، على حافة الهاوية، بهذا الشكل المؤلم، لا يستطيع أحد التكهن بغدها القريب. وإذا كان الصمت قد ساد الأجواء الشعبية المصرية، على سبيل المثال، تجاه شهور العدوان على الشعب الفلسطيني، في قطاع غزة بشكل خاص، نتيجة مخاوف الصدام مع السلطة الباطشة، التي ترصدت منذ البداية، لرفع علم فلسطين، حتى في مباريات الكرة، وإذا كانت حالة الخوف هذه قد استمرت مع العدوان على الشعب اللبناني، ثم الشعب السوري، إلا أن حالة الغليان كانت واضحة طوال الوقت، تجاه الموقف الرسمي المنبطح، الذي لا يتوافق أبداً مع دور مصر التاريخي في المنطقة بشكل عام، ما بالنا عندما يتعلق بالأمن القومي، وهو الغليان الذي لا يستطيع أحد تجاهله الآن، مع تفاقم الأوضاع في سوريا، التي كشفت عن حالة انقسام غير مسبوقة في الشارع المصري، أفصحت عنها «السوشيال ميديا» بشكل خاص، وسجالات الشارع بشكل عام.
الناصريون واليساريون والقوميون العروبيون في مصر، لم يقبلوا الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، باعتباره، من وجهة نظرهم، آخر أعمدة الممانعة، والصمود والتصدي، والعروبة، والقومية، وما شابه ذلك من مصطلحات، لم تكن تستخدم في العقود الأخيرة إلا في سوريا، في الوقت الذي أعلن فيه الإخوان المسلمون، والتيارات الإسلامية الأخرى، عن فرحتهم الغامرة برحيل الأسد، وظهور الجولاني، أو أحمد الشرع، باللحية الكثة، والحديث المقترن بصبغة دينية، ثم اختيار محمد البشير رئيساً للحكومة المؤقتة بالتوجه نفسه، وكذلك الحال ربما في كل المواقع الرسمية مستقبلاً، ولِمَ لا، ونحن أمام مقاومة هذا هو طابعها، وتلك هي شعاراتها المعلنة. على الجانب الآخر، كان الترقب والحذر، وانتظار التعليمات، شأن أتباع النظام الرسمي في مصر، سواء على الصعيد الإعلامي، أو السياسي، أو حتى (اللجان الإلكترونية) على مواقع التواصل الاجتماعي، ذلك أن الأنظمة العربية بشكل عام، في حالة لا تحسد عليها، مع نظام أصبح واقعاً في دولة عربية، خرج من رحم تيارات وجماعات غير معترف بها، ليس ذلك فقط، بل تم تصنيفها بالفعل كجماعات إرهابية، وتكفيرها في بعض الأحيان، ما يجعل من التعامل معها في المستقبل أمر يكتنفه الكثير من الغموض، ويكفي في هذا الصدد الإشارة، إلى أن مصر على المستوى الرسمي، لم تقدم العزاء، في قيادات حركة حماس الفلسطينية، إسماعيل هنية ويحيى السنوار، أو حتى في الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله.
وفيما يشبه الصدام، والخلاف حول الثوابت، المتعلقة بالأمن القومي، والعروبة، ووجود الكيان الصهيوني، وتحرير الأرض، يظهر بوضوح على الساحة، أتباع الدولة العميقة، من أنصار الرئيس الراحل حسني مبارك، الرافضين لفكرة الربيع العربي من حيث المبدأ، ومن ثم كانوا يرفضون بشدة الإطاحة بالرئيس السوري، لأسباب تتعلق بموقفهم من الثورات والثوريين في مصر بشكل عام، في الوقت الذي يبرر فيه العوام، بالخوف على سوريا من المستقبل، ومن التقسيم، ومن المواجهات الطائفية، ومن دول الجوار، خصوصاً في ظل التوترات بالعراق، وليبيا واليمن وتونس، وحتى مصر، وهي الدول التي عانت كثيراً، وما زالت تعاني، منذ أن أطيح بقادتها، على هذا النحو، رغم اختلاف مجريات كل حالة عن الأخرى. وربما جاء استغلال الكيان الصهيوني للأحداث في سوريا، بالقصف المستمر للمواقع العسكرية والمدنية في العاصمة دمشق وغيرها، ليعمق من هذه المخاوف، التي أكدت في الوقت نفسه، حالة الخنوع والخضوع العربية الرسمية، التي كان يجب أن تنتفض، حين أعلن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان علانيةً، قضم أراضٍ سورية على امتداد الحدود، وإلغاء اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وسط صمت دولي، ومباركة غربية أمريكية، ربما تنفيذاً لرؤية الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، بضرورة توسيع رقعة الجغرافيا الإسرائيلية، التي يراها صغيرة، لا تناسب الطموحات الصهيونية. التيارات الثورية في العالم العربي، وفي مصر بشكل خاص، اعتبرت ما جرى في سورياً، امتداداً للربيع العربي، بشكل أو بآخر، في الوقت الذي اعتبرته التيارات الدينية، انتصاراً للإسلام السياسي، ما أعاد الروح من جديد إلى الجسد الثوري العربي ككل، وأحيا الأمل مرة أخرى في إمكانية المد الثوري هنا وهناك، وقد انبرت آلة الدعاية التلفزيونية للمعارضة المصرية من الخارج، لتؤكد هذا الهدف، إلا أنها لم تضع في الاعتبار، أن هناك ما يشبه الإجماع الشعبي، على رفض النموذج السوري فيما يتعلق بمصر، أو ربما نموذج النزول إلى الشارع من الأساس، ولو بشكل سلمي، لما تحمله الذاكرة من حالة الانفلات الأمني، التي عانت منها كل أطياف الشعب، خلال أحداث يناير 2011، وعلى مدى شهور طويلة فيما بعد.
ورغم ذلك، ربما كانت ممارسات النظام في الآونة الأخيرة، تشير إلى كثير من القلق، بالإعلان عن إنشاء حزب جديد، هو الأقرب إلى السلطة، بقيادة غير مريحة شعبياً، يغلب عليها طابع الميليشيات، بالتزامن مع قرار برفع أسماء 716 شخصاً من كشوف الإرهاب، وقرارات أخرى عكسية بمد الحبس، أو اعتقالات جديدة، وهو ما يؤكد وجود حالة التخبط والتوتر، تتلاقى مع حالة الشارع، الذي تتنازعه الأزمات الحياتية، من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وانخفاض «يومي» في قيمة العملة المحلية، ما يجعل من استمرار هذه الأوضاع بهذه الوتيرة، أمراً مستحيلاً، إلا أن الخلاف يدور حول كيفية الخلاص، أو كيفية التغيير، وهل يكون من خلال النظام الذي قد يستفيد من الدرس السوري، بإجراءات إصلاحية واسعة، أم أن قرار التغيير يجب أن يأتي من خارج المنطقة أولاً، كما الحالة السورية أيضاً؟
كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمود ساكب:

    من خارج المنطقة من تركيا ا الخلافة الإسلامية ياتي الفرج دائما لا غالب الا الله

  2. يقول علي _ المغرب:

    لقد اتّفق جميع السوريّين على الثورة المُباركة و أجمَعوا على الحكومة الانتقاليّة لتسيير شؤونهم ريثَما يتم وضع دستور جديد للبلاد و إجراء انتخابات نزيهة و شفّافة لاختيار رئيس البلاد و كذا برلمان يمَثِّل جميع الطوائف السورية بالإضافة إلى حكومة دائمة تشمل جميع أطياف سوريا، و لم نسمع قطّ أنّ هناك خلافات بين السوريّين حول التغيير الحاصل في بلدٍ عانى ويلات حكم آل الأسد الدكتاتوريّ الشُّمولي المَقيت.

  3. يقول محمد محطد:

    مصر بخير. والمشاكل الاقتصادية في كل بلاد الدنى. الامن الامان الاستقرار. عن أي تغيير يتحدث الكاتب. كلنا جنود للحفاظ علي مصر من والفوضي.

  4. يقول جميلة. ي:

    أظنّ أن اهتمام الغرب بسوريا الجديدة وهو يتزايد يوماً بعد يوم، أخذ يعكّر مزاج بعض الديكتاتوريات العربية، التي بنت هياكلها على شيطنة الدين، لتبرير القمع الذي تمارسه على شعوبها.

اشترك في قائمتنا البريدية