سوريا: تغيرات في خرائط السيطرة لصالح النظام ومراوحة سياسية

منهل باريش
حجم الخط
0

مناطق النفوذ ستتثبت شرق الفرات بين أمريكا وروسيا، ومن غير المتوقع ان تتوسع تركيا في شرق الفرات في الفترة الحالية، وهذا ما سيعيد إدلب إلى الواجهة من جديد.

 يعتبر العام المنصرم استمرارا لأعوام الخسائر بالنسبة للمعارضة السورية على المستوى الميداني، حيث بدأت بانهيار مناطق التصعيد في 2018 فأكمل محور حلفاء النظام الهجوم الذي بدأوه في ربيع وصيف عام 2019 في منطقة خفض التصعيد الرابعة والتي تشمل محافظة إدلب وأجزاء واسعة من ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي والجنوبي وشرقي محافظة اللاذقية.

وفي مطلع شباط/فبراير سيطرت قوات النظام السوري وحلفاؤه على مدينة معرة النعمان، ثاني أكبر مدن محافظة إدلب، الواقعة على طريق الترانزيت حلب-دمشقM4. وبعد ذلك بأسبوع سيطرت قوات النظام على مدينة سراقب، إلى الشمال من معرة النعمان والتي تعتبر أهم عقد الشمال السوري، حيث يلتقي فيها طريقا الترانزيت حلب- دمشق وحلب- اللاذقية/M4. وخلال ذلك، قتل ستة جنود أتراك في قصف يشتبه بضلوع القوات الروسية فيه، حيث عرضت وسائل إعلام النظام شريطا مصورا لعملية القصف، غربي سراقب في مقصف الرابية، ويشير التصوير بطائرات الدرون المسيرة (بلا طيار) إلى ضلوع روسي بالعملية، على اعتبار ان النظام يفتقد تقنية استخدام الطائرات المسيرة وهي محصورة لدى القوات الإيرانية أو الروسية في سوريا. وتابعت قوات النظام والميليشيات الإيرانية تقدمها في ريف حلب الغربي وشهدت المعارك تدخلا مباشرا لقوات النخبة في حزب الله اللبناني (قوات الرضوان). وفي نهاية شباط/فبراير الماضي قتل عشرات الجنود الأتراك في قصف مدفعي على أحد معسكرات الجيش التركي في قرية بليون في جبل الزاوية، ما أغضب أنقرة ودفعها لعملية انتقام واسعة، استخدمت فيها لأول مرة الطائرات المسيرة الهجومية بيرقدار، وانتهى الهجوم باتفاق الرئيسين التركي رجب طيب اردوغان والروسي فلاديمير بوتين على وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاق موسكو 2020 وهو بروتوكول إضافي لاتفاق سوتشي 2018 بين الجانبين. وتسبب هجوم النظام السوري بتهجير قرابة نصف مليون مدني إلى الشمال السوري، توجه نصفهم على الأقل إلى منطقة عفرين ومنطقة ريف حلب الشمالي (درع الفرات).

وتعثرت تركيا بتطبيق بروتوكول موسكو وفتح الطرق الدولية مع تعرض الدوريات الروسية التركية المشتركة لهجمات عدة مرات. وقاطعت روسيا الدوريات عدة مرات، وسير الجيش التركي دوريات منفصلة. وانعكس التصعيد في إدلب على تركيا، حيث طالبت وزارة الدفاع الروسية نظيرتها التركية بسحب النقاط التي أصبحت محاصرة في ريف حماة الشمالي وإدلب الشرقي وريف حلب الجنوبي والغربي.

وتخلل الهدوء النسبي في محافظة إدلب عدة عمليات قصف جوي روسي أو قصف بالصواريخ البالستية، كقصف أحد مقرات فيلق الشام الذراع العسكري للإخوان المسلمين السوريين وأبرز فصائل الجبهة الوطنية للتحرير المعارضة، خلال استهداف القاذفات الروسية في 26 تشرين الأول/أكتوبر والذي قتل فيه ما يزيد عن 78 مقاتلا في أحد الدورات التدريبية التي تشرف عليها تركيا لفصائل المعارضة السورية في إدلب. وقبل ذلك بأيام استهدفت البوارج الروسية المتمركز في البحر المتوسط سوقا للمحروقات في منطقة درع الفرات الواقعة تحت النفوذ التركي، وهو تطور خطير للغاية، ويعتبر القصفين بمثابة رد روسي على رفض أنقرة إخلاء النقاط التركية جنوب طريق حلب-اللاذقية/ M4 في اجتماعات أنقرة بين التقنيين العسكريين الروس والأتراك في منتصف شهر أيلول/سبتمبر.

وتعرضت فصائل الجيش الوطني إلى حملة انتقادات شعبية شديدة بسبب مشاركتها في العمليات العسكرية في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق، إضافة إلى الحرب في إقليم قره باغ إلى جانب القوات الآذرية ضد أرمينيا. في حين أنكرت قيادة الجيش الوطني ووزارة الدفاع التي يرأسها الدكتور العميد سليم ادريس ارسالها أي من المقاتلين إلى ليبيا أو قره باغ. وهو ما تبين صحته مع سقوط أعداد من القتلى المنضوين في صفوف فصائل الجيش الوطني في حروب الدولتين.

تنظيم “الدولة”

في السياق الميداني، نشطت خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” ابتداء من حزيران/يونيو وتموز/يوليو، وبلغ النشاط ذروته في شهر تشرين الثاني/نوفمبر في البادية السورية حيث هاجم التنظيم طريق تدمر-دير الزور عشرات المرات، ونصب عدة كمائن سقط خلالها ضباط روس وقادة للدفاع الوطني وقائد اللواء 137 التابعة للفرقة السابعة دبابات في جيش النظام السوري. وهاجم التنظيم مناطق متاخمة لحقول الفوسفات شمال خنيفيس في البادية السورية.

وفي شرق نهر الفرات، عاد ملف عنين عيسى إلى الواجهة مع الذكرى الأولى لانتهاء عملية نبع السلام التي شنتها تركيا والجيش الوطني السوري المعارض في ريف الرقة الشمالي وريف الحسكة الغربي، وأسفرت عن سيطرة تركيا على مستطيل بعمق يصل إلى 35 كم داخل الأراضي السورية على طول الحدود بين رأس العين وتل أبيض. ووقفت القوات التركية والجيش الوطني على بعد أمتار عن طريق حلب- الحسكة/ M4. وقصف الجيش التركي محيط عين عيسى التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”. وأمام الضغط الناري التركي، قدمت قيادة العمليات العسكرية الروسية في سوريا مقترحا لمجلس عين عيسى العسكري التابع لقسد يقضي بتسليم البلدة إلى حكومة النظام السوري وانشاء مربع أمني على غرار المربع الأمني في القامشلي والحسكة الذي تتواجد به أفرع المخابرات السورية، وقيادة الشرطة وفرع حزب البعث والشعب الحزبية والمحافظات. ومن غير المستبعد أن تتحول عين عيسى إلى مركز مؤقت لمجلس محافظة الرقة بدلا عن بلدة معدان شرقي الرقة. وتعتبر عين عيسى عاصمة الإدارة الذاتية ومنطقة استراتيجية للغاية، فهي تربط بين منبج غربا وعين العرب/كوباني شمالا والرقة جنوبا وسائر شرق سوريا وصولا إلى الحدود العراقية السورية، ومناطق التواجد العسكري الأمريكي شرقي محافظة الحسكة والضفة اليسرى لنهر الفرات في محافظة دير الزور، بالقرب من حقول النفط السورية الأكثر إنتاجاً. وتسابق روسيا الوقت، لانتزاع البلدة من يد قسد قبل تسلم الرئيس المنتخب جوزيف بايدن ولايته في 20 كانون الثاني/يناير المقبل.

على الصعيد السياسي، حددت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مسؤولية الهجوم الكيميائي على بلدة اللطامنة في 2017. وذكر تقرير للمنظمة في نيسان/ابريل أن سلاح الجو السوري أسقط قنابل تحتوي على الكلور السام وغاز السارين. ويعتبر التقرير الإدانة الثانية للنظام السوري غير المباشرة باستخدام السلاح الكيميائي بعد تحميل اللجنة الأممية طائرات النظام المسؤولية عن هجوم خان شيخون الكيميائي في العام نفسه.

ويعتبر قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين أبرز الأحداث السياسية على الصعيد الدولي، حيث وقع الرئيس دونالد ترامب، في 17 حزيران/يونيو قانون العقوبات الأمريكي المعروف باسم المصور الشهير الذي وثق جثث القتلى المدنيين في سجون النظام السوري.

وفشلت اللجنة الدستورية المشتركة بين النظام والمعارضة وممثلي المجتمع المدني السوري من تحقيق أي تقدم رغم انعقادها للمرة الرابعة في تشرين الثاني/نوفمبر في مقر الأمم المتحدة في جنيف، برعاية مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسون.

وأجرى النظام السوري عملية التصويت لانتخاب مجلس الشعب السوري الجديد، غير عابئ بالانتقادات الكبيرة الموجهة له من المجتمع الدولي والمعارضة السورية. وترافقت الانتخابات مع اشتداد العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية عليه. فعقد النظام السوري بمشاركة روسيا وعدة دول صديقة له مؤتمرا دوليا للبحث في قضية اللاجئين السوريين، وتعرض لمقاطعة عربية كبيرة ومقاطعة الاتحاد الأوربي.

التغيرات في خرائط السيطرة تشير إلى أن مناطق النفوذ ستتثبت في شرق الفرات بين أمريكا وروسيا، ومن غير المتوقع ان تتوسع تركيا في منطقة شرق الفرات في الفترة الحالية، وهذا ما سيعيد إدلب إلى الواجهة من جديد. وما سينعكس على الملف السياسي السوري والعلاقة التركية الروسية. في حين سينتعش تنظيم “الدولة” في البادية السورية ومناطق سرير نهر الفرات، ومن غير المستبعد ان يحكم سيطرته على طرق البادية الحيوية، وهو ما سيدفع إلى الاعتماد على طريق M4 الذي تسيطر عليه قسد بشكل كبير، وفصائل المعارضة السورية جنوب مدينة الباب، فتصبح الطرق أحد مفاتيح التطبيع بين الأطراف المتنازعة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية