سوريا: قصف المطارات الحربية رسائل تل أبيب إلى أنقرة

منهل باريش
حجم الخط
0

 تأتي الهجمات العدوانية كرد فعل على الحديث القائل بعزم أنقرة بناء قاعدة عسكرية في ريف حمص الشرقي، بعد جولة استطلاع تركية في قاعدتي تدمر ومطار التيفور الجوية.

في أعنف قصف ضد مواقع عسكرية منذ سقوط النظام السوري، ارتفعت شدة القصف الإسرائيلي ضد أهداف في عمق الأراضي السورية. وفي التفاصيل، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي بعدة غارات الخميس الماضي نقاطا ومراكز عسكرية بريف دمشق، وطال القصف مقر «اللواء 75» في بلدة المقيلبية، كما استهدفت عدة غارات «الفوج 165» والفرقة الأولى في محيط مدينة الكسوة بالريف الغربي لدمشق، من دون توثيق أي ضحايا بحسب ما أفادت به مصادر محلية.
كما ألقى طيران الاحتلال الإسرائيلي صباح الخميس، مناشير ورقية تحذيرية على قرية كويا وعدد من القرى المحيطة بها في حوض اليرموك الغربي بريف محافظة درعا، وجاء في نص المنشورات «إلى سكان قرية الكويا والمنطقة، نود أن نعلمكم بعد ما حدث في قريتكم، أنه ممنوع عليكم التجول مسلحين في منطقة القرية وما حولها، وممنوع عبور طريق الوادي-الشريعة باتجاه حوض اليرموك»، وأرفقت المنشورات بخريطة للمنطقة ومشار فيها إلى المناطق التي حذرت من التجول فيها أو عبورها.
الجدير بالذكر، أن قوة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي توغلت في 25 آذار (مارس) الماضي داخل قرية كويا، وتصدى لها مجموعة من شبان المنطقة ما تسبب بمقتل ستة منهم بنيران جيش الاحتلال.
وتأتي التطورات الأخيرة بعد أقل من يوم على استهداف الطيران الإسرائيلي لعدة مواقع عسكرية سورية منها مطار حماة العسكري الواقع جنوب المدينة، بالقرب من طريق حماة – مصياف، وبعد عملية توغل بري للقوات الإسرائيلية على منطقة حرش سد الجبيلية بين مدينة نوى وبلدة تسيل بريف درعا الغربي، ومقتل تسعة أشخاص وإصابة آخرين.
وفي هذا السياق، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي ليل الأربعاء الفائت مطار حماة العسكري، وقاعدة التيفور الجوية «مطار تياس الحربي» شرقي حمص، ومبنى البحوث العلمية في منطقة مساكن برزة في مدينة دمشق، وحسب ما أفاد مصدر محلي يقيم بالقرب من المطار لـ «القدس العربي» فقد «استهدف طيران الاحتلال مطار حماة العسكري بأكثر من 15 غارة»، ما تسبب في مقتل أربعة أشخاص تابعين لوزارة الدفاع السورية، وأضاف «دمر مدرجي المطار واحترقت طائرتين داخله بالإضافة لمستودعات المطار وبرج المراقبة».
وقالت وكالة الأنباء السورية «سانا» إن طيران الاحتلال الإسرائيلي استهدف بغارة جوية محيط مبنى البحوث العلمية بحي مساكن برزة بدمشق، وغارة استهدفت محيط مدينة حماة.
وتزامنت الغارات الجوية مع عملية توغل بري لقوات الاحتلال باتجاه حرش تسيل «محمية تسيل»، وحسب ما أفاد به ناشط محلي في بلدة تسيل لـ «القدس العربي»، فقد توغل رتل عسكري إسرائيلي ليل الأربعاء باتجاه حرش تسيل في حوض اليرموك بريف درعا الغربي، مع تحليق طيران مروحي إسرائيلي، لتتصدى للرتل من «تل جموع» قوات محلية من مدينة نوى، الأمر الذي ردت عليه قوات الاحتلال بالقصف المدفعي المركز، وتبعه تحليق للطيران المروحي فوق التل واستهداف المقاتلين المحليين بنيران الرشاشات، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص على الفور وإصابة 28 آخرين، خمسة منهم إصاباتهم حرجة.
وأضاف المصدر، أن قوات الاحتلال دفعت برتلين عسكريين كانا يتمركزان بريف القنيطرة باتجاه منطقة الاشتباكات، مترافقين مع ست مروحيات، ساهمت بتأمين الرتل الأول وحمايته حتى أنهى مهامه داخل حرش تسيل وانسحاب كافة الأرتال بعد أن نفذت مهمتها، وذكر المرصد أن مروحية تابعة لقوات الاحتلال هبطت داخل الحرش ونقلت عددا من جنود الاحتلال المصابين خلال الاشتباكات.
ومن القنيطرة، أكد الناشط شادي أبو زيد أن الرتل العسكري الإسرائيلي دخل باتجاه قرى الحيران ثم غدير ومن هناك إلى الجبيلية، وحول حقيقة مشاركة الطيران الحربي الإسرائيلي قال أبو زيد لـ «القدس العربي»: «شاركت ست حوامات بالهجوم وكانت على علو منخفض وصوتها قريب للغاية، كما شارك الطيران المسير بعمليات المسح والتصوير الجوي وهي من حددت مواقع الشبان الذين تقدموا لاعتراض الرتل ومنعه من التقدم باتجاه مدينة نوى».
وبخلاف المتداول، نفى الناشط المحلي في نوى استهداف الطيران المروحي من قبل الشبان القتلى أو مجموعات أخرى قريبة على اعتبار ان إطلاق النار سيحدد مصدره من قبل المروحيات ليلا، ونوه إلى امكانية انه جرى إطلاق نار في السماء من داخل المدينة بهدف إبعاد الطائرات، ورجح أن يكون القصف من المدفعية الإسرائيلية المتمركزة داخل أراضي الجولان المحتل.
وشدد على أن قوات الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية السورية وقوات وزارة الدفاع السورية، نبهت المجموعات المحلية من خطورة مواجهة القوات الإسرائيلية مشيرة إلى أن امكانيات وزارة الدفاع السورية ضعيفة وليس بمقدورها مواجهة القوات الإسرائيلية.
وأشار الناشط إلى أن المجموعات المحلية المقاومة لأرتال الاحتلال الإسرائيلي كانت مجموعة «أحرار نوى» التابعة للجيش الحر خلال حكم نظام الأسد، والتي يتزعمها عيسى الصقر شقيق عطا الله الصقر القائد السابق للمجموعة والذي اغتيل على يد النظام عام 2022، ومما تجدر الإشارة إليه أن المنطقة التي توغلت داخلها قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت منطقة نشاط وتمركز لخلايا حزب الله اللبناني خلال حكم بشار الأسد.
وفي هذا الصدد، ذكرت تقارير سابقة أن حوض اليرموك بشكل عام كان منطقة عسكرية ونقطة تمركز كبيرة للقوات الإيرانية وحزب الله سابقا، وكانت تتمركز بشكل رئيسي في سرية عسكرية بالقرب من قرية معربة بالإضافة لنقاط عسكرية في عابدين وجملة، وشكلت هذه النقاط العسكرية مقرا للقيادة الإيرانية في حوض اليرموك بالكامل.
وخرج الآلاف من سكان محافظة درعا ومدينة نوى ظهر الخميس، في مظاهرة تشييع الضحايا التسع الذين قضوا بنيران قوات الاحتلال، وحضر التشييع محافظ درعا أنور الزعبي وعدد من الأعيان وممثلون عن الأمن العام والدفاع المدني، وردد المتظاهرون هتافات تشيد بمقاومة الأهالي لرتل الاحتلال، وتشيد بالشهداء، كما طالب المتظاهرون المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها وانتهاكاتها المتكررة على سوريا، وأقيمت بعد التشييع خيمة عزاء مركزية في مركز إنعاش الريف في مدينة نوى التي أغلقت محلاتها كافة يوم الخميس حدادا على ضحايا العدوان الإسرائيلي.
بدورها دانت وزارة الخارجية السورية الاعتداءات الأخيرة على سوريا، وقالت إن هذه الاعتداءات من شأنها أن «تزعزع استقرار سوريا»، وجاء في بيان الخارجية أن إسرائيل «شنت غارات جوية على مناطق مختلفة من سوريا خلال ثلاثين دقيقة، ما أسفر عن تدمير مطار حماة العسكري وإصابة العشرات من المدنيين»، وأشار البيان إلى أن هذا التصعيد «غير المبرر محاولة لزعزعة استقرار سوريا».
من جهة أخرى، قال الجيش الإسرائيلي في بيان له، أنه خلال العملية العسكرية في حوض اليرموك «أطلق عدد من المسلحين النار على قواتنا التي ردت بإطلاق النار عليهم وقضت على عدد من الإرهابيين المسلحين».
وأضاف البيان، أن سلاح الجو الإسرائيلي استهدف قدرات عسكرية في قاعدتي «التيفور» وقاعدة حماة العسكرية بالإضافة لبنى تحتية عسكرية، وأشار البيان إلى أن الجيش الإسرائيلي يعمل على «إزالة أي تهديد محتمل على مواطني دولة إسرائيل».
وتأتي الهجمات العدوانية كرد فعل على الحديث القائل بعزم أنقرة بناء قاعدة عسكرية في ريف حمص الشرقي، بعد جولة استطلاع تركية في قاعدتي تدمر ومطار التيفور الجوية «مطار تياس الحربي»، ويعتقد الكثيرون أن دولا عربية ستكون مستاءة للغاية في حال توسع النفوذ التركي في سوريا إلى وسط البلاد بعد أن كانت تراجعت إلى الشمال السوري منذ ربيع 2020.
وفي الجدال القائم حول تلك المسألة، وصف الباحث السوري بمركز الحوار للأبحاث والدراسات بواشنطن، عمار جلو دوافع تركيا بإنشاء قواعد عسكرية في سوريا بأنها «جدية» وتأتي ضمن مساعي أنقرة لـ «توسيع فضائها الجيوسياسي، وضبط الطموحات الكردية في سوريا، وضمان استقرار سوريا، باعتباره عاملا مهما لأمن تركيا القومي، وبهدف الحلول محل قوات التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب في سوريا».
إضافة للقواعد، أشار الباحث لـ«القدس العربي» أن لدى أنقرة رغبة في أن تكون «المسؤولة عن تدريب وتأسيس الجيش السوري الوليد، والنقطة الأخيرة كانت سابقا نقطة تباين مع دمشق، لما يمثله ذلك من إمكانية تحكم تركي نهائي بالقرار السوري».
وفي تفاصيل الموقف العربي، لفت جلو إلى أن السعودية وقطر يسعيان إلى استقرار سوريا ومنع التغول الإسرائيلي وعودة إيران، وخفف من الخشية السعودية على اعتبار أنها «تتقاسم النفوذ مع تركيا في سوريا»، معتبرا أن نفوذ الرياض كبير جدا من النواحي الاقتصادية والاستثمارية والسياسية والدبلوماسية، بما فيه الضغط لرفع العقوبات، وهذا «يجعلها صاحبة النفوذ الأقوى في سوريا، رغم النفوذ العسكري والأمني التركي» حسب تفسيره.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية