دمشق – «القدس العربي» : دخلت فصائل المعارضة السورية عدة أحياء في مدينة حلب، وهي الحمدانية وحلب الجديدة والجميلية وصلاح الدين، للمرة الأولى منذ العام 2016، كما فرضت سيطرتها على مدينة سراقب في ريف إدلب، وسط معارك متواصلة على عدة جبهات في ريف حلب الغربي والريف الشرقي لمحافظة إدلب، وصولاً إلى مدينة حلب.
وقالت إدارة العمليات، مساء الجمعة: “استمراراً لعملياتنا العسكرية في أرياف حلب وإدلب، وبالتوازي مع الدخول إلى مدينة حلب، فقد تمكنت وحداتنا من السيطرة على قرى وبلدات “تل مرديخ وكوسنيا ورسم الصهريج ورسم العيس واعجاز” وثلاث من التلال الإستراتيجية جنوب حلب، بالإضافة لتدمير وإعطاب ثلاث دبابات بسراقب، واستهداف رتلين منسحبين”.
وتحتل مدينة سراقب موقعاً إستراتيجياً في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، كونها تشكل نقطة التقاء بين طريقين دوليين، يربطان محافظات سورية عديدة، حيث كانت المعارضة السورية قد خسرتها عام 2019.
وأكدت إدارة العمليات العسكرية لمعركة “ردع العدوان” من السيطرة على أكثر من 30 قرية وبلدة وموقعاً في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي، خلال ثلاثة أيام على التوالي من استمرار المواجهات بين قوات النظام السوري والميليشيات الداعمة له من جهة، وفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام من جهة ثانية.
وأصدرت القيادة العسكرية، رسالة، الجمعة، وجهتها إلى جنود النظام السوري، دعتهم فيها إلى “المبادرة للانشقاق قبل فوات الأوان” وذلك بالتزامن مع وصول الفصائل العسكرية لقوات المعارضة وهيئة تحرير الشام إلى مدينة حلب شمال سوريا.
وقالت: “نعمل على تأمين انشقاق عدد من قوات النظام في مدينة حلب والحفاظ على سلامتهم”.
مواجهات عنيفة
واعتبر المتحدث العسكري باسم إدارة العمليات العسكرية المقدم حسن عبد الغني، الجمعة، المناطق التي تمت السيطرة عليها ضمن عملية “ردع العدوان” منطقة عسكرية مغلقة حتى إشعار آخر لضمان إزالة الألغام والمخلفات العسكرية. وقال: “نعلن عن تحرير ريف حلب الغربي بشكل كامل بعد معارك ضارية وعنيفة جداً مع قوات النظام المجرم استمرت لأكثر من 36 ساعة متواصلة ضمن عملية ردع العدوان”.
وقالت مصادر عسكرية لـ “القدس العربي”، إن مواجهات عنيفة تدور في محيط مركز البحوث العلمية الواقع على الأطراف الغربية من مدينة حلب، كما تدور مواجهات مماثلة في تلة العيس بريف حلب الجنوبي.
في المقابل، قال جيش النظام، أمس، إنه قام تعزيز نقاط الاشتباك مع فصائل المعارضة غرب مدينة حلب. وقال بيان صادر عن وزارة الدفاع السورية: “تواصل قواتنا المسلحة العاملة على جبهات ريفي حلب وإدلب التصدي للهجوم الكبير الذي تشنه التنظيمات (…) التي تستخدم في هجومها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة إضافة إلى الطيران المسير”.
وأضاف البيان: “استطاعت قواتنا المسلحة تكبيد التنظيمات المهاجمة خسائر فادحة وأوقعت في صفوفها المئات من القتلى والمصابين من الإرهابيين، ودمرت عشرات الآليات والعربات المدرعة وتمكنت من إسقاط وتدمير سبع عشرة طائرة مسيرة”.
وأوضح البيان: “تستمر قواتنا المسلحة في تعزيز جميع النقاط على محاور الاشتباك المختلفة بالعتاد والجنود لمنع خروقات (…) وقد نجحت قواتنا في استعادة السيطرة على بعض النقاط التي شهدت خروقات خلال الساعات الماضية، وستواصل أعمالها القتالية حتى ردهم على أعقابهم”.
وتشهد مناطق شمال وشمال غربي سوريا تغيراً في خريطة السيطرة العسكرية بعد أكثر من 4 سنوات على تجميد الجبهات بين النظام السوري والمعارضة.
وتقع المواقع التي تم التقدُّم نحوها ضِمن منطقة خفض التصعيد المحددة في مذكرة التفاهُم بين تركيا وروسيا عام 2017، حسب مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، “قبل أن يخرقها النظام السوري بدعم من حلفائه روسيا وإيران ويسيطر على مساحات واسعة تُقدّر بـ 3200 كم 2 وطول يبلغ حوالَيْ 240 كم على امتداد خطوط التماسّ وعمق يصل إلى 20 كم، مما أدّى إلى تغيُّر كبير في خريطة السيطرة ونِسَبها”.
أعلن الدفاع المدني السوري مقتل 4 مدنيين وإصابة 6 آخرين في حصيلة غير نهائية إثر قصف المقاتلات الحربية السورية والروسية على أحياء سكنية ومحطة وقود ومدرسة في مدينة إدلب.
وشن الطيران الحربي الروسي والطيران التابع للنظام 23 غارة جوية استهدفت كلاً من مدينة إدلب، ومدن وبلدات وقرى قميناس، وبنش، وداديخ وكفرعويد، في ريف إدلب، مما أسفر عن مقتل مواطن وإصابة اثنين آخرين بجراح متفاوتة بين مدينتي إدلب وبنش.
المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن 4 طلاب جامعيين قتلوا، وأصيب 2 آخران جراء قصف بقذائف صاروخية نفذته هيئة تحرير الشام والفصائل على السكن الجامعي بحي الحمدانية في مدينة حلب ضمن مناطق سيطرة قوات النظام، حيث تعرضت الجامعة لقصف صاروخي عنيف أسفر أيضاً عن أضرار مادية وسط حالة هلع بين الطلاب.
كما أفاد المرصد بأن حصيلة القتلى العسكريين في عملية “ردع العدوان” ارتفعت إلى 218 توزعت الحصيلة بنحو 114 قتيلاً من هيئة تحرير الشام، و21 قتيلاً من فصائل الجيش الوطني، و83 قتيلاً من قوات النظام والميليشيات الموالية، و6 مسلحين من ميليشيات موالية لإيران من الجنسية السورية، أما البقية 15 قتيلاً من جنسيات مختلفة، بينهم مستشار إيراني. وشهدت الأحياء القريبة من مناطق الاشتباك، مثل حلب الجديدة، الفرقان، الحمدانية، وجمعية الزهراء، حركة نزوح واسعة للسكان نحو مناطق أكثر أماناً داخل المدينة وخارجها، يأتي ذلك في أعقاب قصف صاروخي مكثف استهدف حي حلب الجديدة، مخلفاً أضراراً مادية كبيرة.
مواقف دولية
وتوالت المواقف الدولية، إذ قال الكرملين، الجمعة، إنه يريد أن تستعيد الحكومة السورية النظام الدستوري في منطقة حلب في أقرب وقت ممكن بعد هجوم استولت فيه المعارضة على أراض هناك لأول مرة منذ سنوات.
وقد ترجمت روسيا تحذيراتها بتصعيد عنيف استهدف التجمعات السكنية والمراكز الحيوية في مدنية في إدلب وريفها وريف حلب.
وأكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، الجمعة، أن روسيا تعتبر الوضع في حلب انتهاكاً للسيادة السورية، لافتاً إلى أن موسكو تدعم الدولة السورية من أجل فرض سيطرتها واستعادة الأمن في هذه المنطقة بأسرع وقت ممكن.
كما علّقت الخارجية الإيران على لسان المتحدث باسمها، إسماعيل بقائي، إنّ “حلب وإدلب وريفيهما جزء من مناطق (خفض التصعيد) بموجب اتفاقية أستانا”. ودعا بقائي إلى إجراء حاسم ومنسق، معتبراً أنّ التحركات الأخيرة في سوريا تأتي ضمن مخطط أمريكي- إسرائيلي لزعزعة استقرار المنطقة.
وشددت الخارجية الإيرانية على ضرورة أخذ الحيطة والحذر من قبل دول المنطقة وخصوصاً جيران سوريا لتحييد هذه المؤامرة الخطيرة. في المقابل، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية الفرعية للشرق الأوسط في مجلس النواب الأمريكي، جو ويلسون، عبر منصة “أكس”: “لقد عانى الملايين من السوريين من فظائع لا يمكن تصورها تحت حكم نظام لم ينج إلا بفضل مجرم الحرب بوتين وخامنئي إنهم لا يريدون أن يكونوا لاجئين، بل يريدون بيوتهم ومجتمعاتهم التي سرقها الأسد”.
فيما دعت تركيا إلى “وقف الهجمات” على إدلب معقل المعارضة السورية، بعد سلسلة غارات شنتها القوات الجوية الروسية والسورية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية عبر منصة إكس: “لقد طالبنا بوقف الهجمات. وقد أدت الاشتباكات الأخيرة إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية”، مشيراً إلى “التطورات في إدلب ومحيطها”.