“سيارة وقودها الدماء”.. من يوقف دولة الإبادة الجماعية؟

حجم الخط
0

جدعون ليفي

أصبحت إسرائيل بسرعة كبيرة دولة تعيش على الدماء. أصبحت جرائم الاحتلال اليومية أقل أهمية. في السنة الماضية، ظهر واقع جديد من القتل الجماعي والجرائم بحجم مختلف كلياً. نحن في الحقيقة دولة إبادة جماعية، دماء عشرات آلاف الأشخاص تسفك، هذا هو الوقت الذي يجب على كل إسرائيلي أن يسأل نفسه: هل هو مستعد للعيش في دولة تعيش على الدماء؟ لا تقولوا لا مناص. من الواضح أن هناك دولة أخرى، لكن أولاً يجب سؤال: هل نحن مستعدون أصلاً للعيش بهذا الشكل؟

هل نحن، الإسرائيليين، مستعدون للعيش في الدولة الوحيدة في العالم التي يقوم وجودها على الدماء. الحلم الوحيد السائد الآن في إسرائيل هو أننا نعيش من حرب إلى حرب، من سفك دماء إلى آخر، من مذبحة إلى أخرى، مع أكبر عدد ممكن من الفواصل الزمنية. لا يوجد على الطاولة الوطنية أي حلم آخر. هناك من هم مفعمون بالأمل ويعدون بتوقفات طويلة. اليمين يعد بواقع ثابت من الدماء: حرب، قتل جماعي، خرق منهجي للقانون الدولي، دولة منبوذة وهكذا دواليك في دائرة مفرغة.

الفلسطينيون يُذبحون يومياً، والإسرائيليون سيواصلون إغماض عيونهم. يصعب التصديق. ستأتي مرحلة سيتم فيها فتح العيون، ويعترف الإسرائيليون أن دولتهم تعيش على الدماء. فبدون سفك الدماء، يقولون، لا وجود لنا. ونحن نوافق على هذه الأقوال الفظيعة باستسلام. لا نؤمن فقط بأن هذه الدولة ستعيش إلى الأبد، بل نحن على قناعة بأنها لا وجود لها بدون هذه الدماء. كل ثلاث سنوات هناك سفك للدماء في قطاع غزة، كل أربع سنوات في لبنان، وبين حين وآخر في الضفة الغربية، وبين حين وآخر غزو دموي لأهداف أخرى. ليس هناك دولة كهذه في العالم.

لا يمكن أن تكون الدماء وقوداً للدولة، بالضبط مثلما لم يكن أحد يخطر بباله بأن يسافر في سيارة تعمل على الدماء، مهما كان سعرها رخيصاً. هكذا يصعب أن يخطر بالبال أن عشرة ملايين مواطن مستعدون للعيش في دولة تسافر على الدماء. الحرب في غزة هي مفترق طرق الدماء، هل سنستمر هكذا؟ تحاول وسائل الإعلام بيعنا بأنه من الأمور الحيوية القيام بحملات شيطنة ضد الفلسطينيين، وثمة جوقة متوحشة وموحدة من المحللين تبيعنا فكرة أنه يمكننا العيش على الدماء إلى الأبد. “سنجز العشب في غزة كل سنتين، وسنعدم الشباب معارضي النظام جيلاً بعد جيل، وسنحبس عشرات آلاف الأشخاص في مخيمات تجميع، وسنطرد ونخفف ونهجّر وبالطبع سنقتل، هكذا سنعيش. في دولة الدماء”.

في السابق قتلنا الشعب الفلسطيني. بدأنا بالقتل الجماعي في غزة، والآن نتوجه نحو الضفة. وستسفك الدماء هناك بالغالونات إذا لم يوقف أحد هذه الجيوش. القتل جسدي وأيضاً روحي، لم يبق أي شيء من غزة. المعتقلون، الأيتام، المصدومون ومن لا مأوى لهم، لن يعودوا إلى أنفسهم يوماً ما. بالتأكيد لن يعود الموتى. ستمر أجيال إلى أن تنهض غزة، هذا إذا نهضت. هذا مثل إبادة شعب، حتى لو لم يستجب القانون للتعريف بالإبادة الجماعية.

على فرض أن العالم يسمح بذلك، فالسؤال هو: هل نحن الإسرائيليين مستعدون للسماح بذلك؟ كم من الوقت يمكننا العيش مع المعرفة بأن وجودنا يرتبط بالدماء؟ متى سنسأل: ألا يوجد خيار إلا خيار دولة الدماء؟ في نهاية المطاف، لا توجد أي دولة كهذه.

لم تحاول إسرائيل يوماً ما بجدية طريقة أخرى. فقد تم هندستها وتوجيهها للتصرف كدولة تعيش على الدماء، لا سيما بعد 7 تشرين الأول. وكأن هذا اليوم الفظيع، الذي كان بعده مسموحاً لها فعل أي شيء، حسم مصير الدولة بأن تكون دولة دماء. صحيح أن الخطاب لم يعد يطرح أي احتمالية أخرى، ولكن دولة الدماء ليست الخيار على الإطلاق، بالضبط مثل تلك السيارة. عندما ندرك ذلك سنبدأ في البحث عن خيارات أخرى حتى لو لم تكن موجودة. ولكنها موجودة وتنتظر رحلة الامتحان. هذه الخيارات قد تفاجئنا، لكن لا يمكن حتى طرحها في الوضع الحالي.

هآرتس 15/9/2024

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية