ما يلمسه الإنسان موجود وما لا يلمسه يؤمن أنه موجود إذا أقنعناه ونثرنا الحجج أمامه كزبد البحر.
«سيكولوجية» مصطلح يغوص في سلوك وخبرات ودوافع الإنسان ويتوغل بعلم الاجتماع ليدلنا على الطريقة التي يفكر فيه البشر وبـناءً عليـه ينسـاقون لما يُملـى عليهـم.
من يجازف بنا… بمستقبلنا… بحياتنا، وكأننا دُمى في أيديهم… يلهون بنا ويوجهون أنظارنا على تسليات غبية ليقنعونا أنهم معنا… وهم لا ينظرون إلينا إلا كنوع من القمل التافه الذي يجب أن ينُسى أو يُباد.
بماذا تعنينا السلة إن مُلئت طعاما أو رملا… فصاحبها يركب سيارة فارهة ويجلس مرتاحا في مكتبه الدافئ وما عليه سوى إصدار الأوامر… ولا يعلم ماذا تُطعم ابنتك أو ابنك في ليل بارد… أتعلمين أي حزن يبعث المطر!
ماذا يهم إن داست الأرجل على رسم يُشبه علماً… ما نعانيه كل الألم.. ولتذهب كل هذه التفاهات إلى الجحيم لعل الجوعى يجدون مأوى لهم.
هرب سفيان الثوري من الكوفة لأنه رفض استلام القضاء… فلاحقه أبو جعفر المنصور كبير الدولة العباسية ليقنعه بالأمر… لكنه تمسك بنقاء روحه إلى أن مات بالبصرة تاركا وصيته يقول فيها : هذا زمن السكوت ولزوم البيوت والرضا بالقوت إلى أن تموت.
أي عالم بائس نعيشه اليوم… يحكمه رجال من المحنطين، صنعوا لنا البؤس والبشاعة والجسور وتركونا نلهث وراء القشور.
غضب أهل السودان وثارت مدينة الخرطوم… ليس لأنهم لا يجدون عملا أو أرضا أو بيتا… بل لأن حكومتهم تُريد رفع سعر الخبز… وافق المسؤول والوزير وخطيب المسجد… لكن الشعب رفض وطرد الخطيب عن المنبر.
في سيكولوجية الجماهير يحدثنا مؤلفه غوستاف لوبون عن السنن النفسية لتطور الأمم وعن الجماهير المُسيّرة باللاشعور وحده تقريبا… حيث تسير الجماهير والتي تعني الشعب بتأثير النخاع أكثر من تأثير الدماغ، فهي ألعوبة جميع المحرضات. إذ يُشبّهها بالطفل الساذج الذي يُصدق كل ما يُقال له، لأن عواطفه متطرفة بالخير أو الشر يُمكن تحريكه وتحريضه بكل سهولة.
فتكرار الفكرة عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة والمسموعة كل يوم سيجعل الشعب يصدق.. لأنه لا يستطيع أن يعيش بدون أوهام أو آمال. اكذب على الشعب وسترى أنه سيغيّر فكرته عنك بكل سهولة. فمن يعرف فن التأثير في خيال الشعب… يعرف فن سياسته. تأكيد… تكرار… وستنتقل العدوى إلى الجميع لا نملك موارد، ولا صناعات، والشهادات الجامعية فاضت عن حاجة سور الصين… وإذا أردت العـمل حتى ولو بالقليل… ذلك الذي يقل له كل قليل..لن تـجد إلا أفـواهاً مـفتوحةً تردد بألـسنة جـافة… لـيرزقك الله.
الضجر يتسرب إليك كما يتسرب المطر من سقف بيتك.. لا شيء على ما يُرام… ولم يعد ثمة أمل.. ولم يبق في وسعنا إلا أن نصرخ طالبين الرحمة… لعل هذا العام الجديد يحرر عقولنا وقلوبنا ويُحقق أحلامنا ويسحق المزيفين والتافهين والمسعورين.
كاتب عربي