سيلعق العراقيون نوى تمر متفسخ في انتخابات لا صلة لها بالديمقراطية

بعد أخذ وعطاء وجدل ودجل طويل تفتق ذهن مجلس النواب العراقي بالتصويت بعجالة على قانون انتخابات سموه جديدا عن سابقه، ولكنه في الحقيقة عملية اجترار وتكرير وتسويف لقانون مسخ جاءت به شخوص ثلة مجلس الحكم وأحزابه، الذي أسسه واشرف على قراراته وقوانينه الحاكم المدني بول بريمر(سيئ الصيت).
قانون الانتخابات الجديد او البديل، اقر بعد ان تأكد المصممون انه الصيغة التي لن تأتي الا بالشركاء والغرماء في عملية نهب وسرقة وفساد وتقسيم العراق ودماره.
وبكل تصميم هذه المرة على ضمانة بقاء تمثيل الاحزاب التي جاءت بالاحتلال بشخوصها الفاسدة وبجنسياتها المزدوجة وشراهة ساستها المعهودة للمشاركة والترشيح فيها، فيما حرم قانونهم الانتخابي الجديد المهجرين والمهمشين من عراقيي الخارج من حقهم في التصويت والمشاركة، وتقزم المكونات الصغيرة من استحقاقها الانتخابي، وتوزع مقاعد الكوتا والمقاعد التعويضية بطريقة تستهتر حتى بالدستور الملغوم، الذي يدعون انهم كتبوه! المنافسون لهيمنة المالكي استبشروا بالتصويت على القانون على علاته كضمانة لإجرائها بعد ان كانوا متخوفين من عدم رغبة المالكي وحزبه بإجرائها، في حين وافقت كتلته على القانون بعلاته بعدما واجه ضغطا امريكيا بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، وهو يدرك ان القانون الجديد لو تم الاعتراض عليه فى المحكمة الاتحادية فانها سترفضه وان الانتخابات سوف لن تجرى في موعدها.
ضمن صراع الساسة وتشبثهم بالعملية السياسية، سيلعب كل منهم دوره وفق ما يضمن بقاءه في البرلمان والسلطة، وطبيعة الصراع هي التي ستفرز الحيتان واصطفافاتهم، وليست الأيديولوجيات او الاستحقاقات الوطنية. ستشترك كتل وكيانات صغيره وجديده بأسماء وعناوين جذابة، إما منشطرة من الكتل الكبيرة لضمان عدد اكبر من الفائزين لها وفق المتغير الجديد، او ربما بدافع فردي هادف للتغيير، لكن ما سيحدث بعد فرز النتائج، ان الكتل الكبيرة ستلتهم الفائزين من الطامحين للتغيير او الطامعين بالكرسي، ولن تقبل بهم لاحقا إلا بشروط الجباية والولاء للحيتان الكبار، وهذا ما يؤشر الى عدم امكانية تحقيق اي تغيير متوقع في الخارطة السياسية.
الحيتان الكبيرة التي وافقت على القسمة الضيزى ضمنت لنفسها البقاء، وضمنت بأنه سوف لن ينضوي تحت لوائها إلا من سيقبل بالشروط التي تضعها حاجزا لطرح حيتان او ثعابين جديدة! الانتخابات القادمة اذا حدثت، ستأتي بطاقم أكلة الكعكة في كل الأحوال، والمتغير فقط هو زيادة في حجم قطعة الكعكة لمن يجيد من الأكلة كيف يأكل من حصة غيره.
الانتخابات البرلمانية القادمة لن تكون سوى التقاط نوى (فصم، عجم) لتمرات أُكلت وقُذفت نواتها او تفسخت وغيرت مظهرها، ولا غرابة في ان تجد من يلعق فصمة مأكولة او متفسخة في بلد شهير بالتمور كالعراق المنكوب، فبلاد الرافدين والسواد تتضور اليوم جوعاً وعطشاً، يعتاش الالوف من البشر فيها على أكداس المزابل والنفايات، وعراق مسلة حمورابي والتشريع أصبح فيه القضاء أكذوبة وألعوبة بيد السلطة والمرتشين، وأرض النفط والغاز يكتنفها الظلام والدمار بسبب شحة الكهرباء والضياء، وبغداد مدينة السلام وعاصمة الرشيد اضحت عاصمة الموت والعنف وأقذر العواصم، بفعل القواصم والكواتم وانعدام الخدمات، كيف يؤمل في ظل دستور معيب وعملية سياسية خائرة ومحاصصة مقيتة وثلة حكام وأحزاب فاسدين متصارعين، أن تصلح واقعه انتخابات او تحدث فيه تغييرا عصابات.
الانتخابات العراقية القادمة لا صلة لها بالديمقراطية كسابقاتهان بل هي وصمة عار عليها لأنها اساسا غير دستورية حتى وفق نصوص دستور الاحتلال المعيب، الذي ينص على اجتثاث العرقية والطائفية السياسية من السلطة في مواده، ناهيك عن النهج العنفي والاقتتال والتصفيات والتزوير الذي تمارسه الكتل الطائفية الحاكمة في مجمل سلوكياتها. انتخابات في أجواء العنف والقتل والحواجز والمعتقلات والاعدامات والموت بالتفجيرات والكواتم وأجواء الفساد والرشوة وشراء الذمم والأصوات والتزوير.
العزوف عن انتخابات كهذه ومقاطعتها هو تكريس للتوعية الديمقراطية التي نطمح الى التثقيف بها، فيما يحسب الاندفاع للمشاركة فيها تكريس لاستغلال وتشويه الديمقراطية الحقّة وغياب الوعي والقيم. ومن يتصور ان مثل هذه الانتخابات وممارستها بهذه المنهجية سيحتاج الى وقت كي تؤسس لديمقراطية واعدة، فهو واهم والدليل القاطع على ذلك هو تدني نسب المشاركة الشعبية فيها دورة بعد دورة، ومن حق عامة الناس والجموع والنخب ألا تنتخب بعد أن خاب أملها بمن انتخبوا وجلسوا على كراسي السلطة ولم ينجزوا لها قراراَ او مطلباً واحداَ، رغم التظاهرات والاعتصامات التي تشهدها المحافظات العراقية.
إن البناء الديمقراطي للأمم لا يمكن ان ينهض إلا على أسس وثوابت وطنية عندما تكون للأمة سيادة واستقلالية في القرار وتنمية للثروات وإعمار ونهوض علمي واقتصادي. الديمقراطية لا تستورد ولا تشترى او تباع ، والديمقراطية هي حكم الشعب الذي لم نقرأ يوما انها تشكل ركيزة الحكم بموروث الاحزاب الدينية والطائفية والمذهبية، التي تسعى لإقامة حكم السماء والدين كما تدعي زيفاً، ترى أية ديمقراطية هذه التي تتبناها وستقيمها هذه الأحزاب الدينية الحاكمة في العراق؟
‘ كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ف. اللامي (كندا):

    المادة (6): لا فرق بين العراقيين في الحقوق امام القانون وان اختلفوا في القومية والدين واللغة.
    المادة (7): الحرية الشخصية مصونة لجميع سكان العراق ولا يجوز القبض على احدهم او توقيفه او معاقبته او اجباره على تبديل مسكنه… اما التعذيب ونفي العراقيين الى خارج المملكة العراقية فممنوع بتاتاً.
    المادة (8): المساكن مصونة من التعرض ولا يجوز دخولها او التحري فيها إلاّ في الاحوال والطرق التي يعينها القانون.
    المادة (9): لا يمنع احد من مراجعة المحاكم.
    المادة (10): حقوق التملك مصونة، اما السخرة المجانية والمصادرة العامة للأموال المنقولة وغير المنقولة فممنوعة بتاتاً.
    المادة (11): لا تفرض ضريبة إلاّ بمقتضى قانون.
    المادة (12): للعراقيين حرية ابداء الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام اليها ضمن حدود القانون.
    عن دستور المملكة العرقية 1925
    ألم تشبعوا تجارب جمهورية؟ ورؤساء وانتخابات؟ ودساتير تفصيل؟ وحتى العلم، مختلف عليه.
    حلها إثنان، ملك شريف، وحجاج مخلص، فتعود دولة في أقل من 48 ساعة.

  2. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    شكراً لكم د.عمر الكبيسي على المقال المؤثر الذي يسرد كثير من الحقائق المؤلمة و الارهاصات النفسية التي مر ويمر بها المواطن العراقي.

    لابد أنك تتفق معي على أن العراق و العراقيون – شأنهم في ذلك شأن باقي العرب – لم ” يذوقوا ” طعم الحرية و الديمقراطية وحقوق الانسان وحكم القانون ( بمعانيها القاموسية أو المثالية) منذ تأسيس الدولة العراقية وبالتالي فأن ما يشهدوه اليوم و سيشهدوه غداً من نظام “ديمقراطي عراقي” مفصّل على المقاس هو مجرد البداية و الطريق طويل في الممارسة و التمرّس من أجل الوصول الى مصاف الدول التي سبقتنا…

    أقول علينا الصبر و المصابرة و التوكل على الله العليّ العظيم…فلا رجعة ولا نكوص عما تحقق للعراق والعراقيين خلال العقد الماضي على الرغم من البؤس و الشقاء الذي يصبرون عليه

اشترك في قائمتنا البريدية