سيناريوهات لمآلات الأزمة الداخلية في إسرائيل

الأزمة غيرالمسبوقة التي تشهدها إسرائيل، شطرت المجتمع الإسرائيلي إلى معسكرين، من الصعب الجسر بينهما: معسكر أقصى اليمين في حكومة بنيامين نتنياهو، وهو مزيج من اليمين الشعبوي والكهاني والصهيوني المتطرف قوميا ودينيا بالإضافة للأحزاب الدينية، وفي مواجهته، يقف معسكرالمعارضة، الذي يضم أحزاب الوسط واليسار، ولكل من المعسكرين، سماته الطبقية والاجتماعية والعرقية ، ورؤيته لما يجب أن تكون إسرائيل عليه.

ترحيل الأزمة

إن الأزمة الإسرائيلية الحالية ليست وليدة اللحظة، بل هي عملية تراكمية، تجلت بوضوح من خلال إجراء خمس جولات انتخابات برلمانية في غضون أربع سنوات، إلا أن حزب الليكود برئاسة نتنياهو، تمكن بعد فوزه في انتخابات 2022، من تشكيل إئتلاف حكومي بالتحالف مع الأحزاب القومية والدينية المتطرفة، وعلى رأس جدول أعمال هذا التحالف، إجراء تعديلات قانونية لإضعاف دور المحكمة العليا، في نقض قرارات السلطتين التنفيذية والتشريعية، الأمر الذي دفع بمئات آلاف الإسرائيليين للخروج للشوارع، إحتجاجا على ما سمته المعارضة بـ “الإنقلاب القانوني”، وترافق ذلك مع إضرابات شلت المرافق العامة والموانئ والمطارات والمنشآت الإقتصاديه في إسرائيل.
وتحت وطأة الإحتجاجات، اضطر نتنياهو للإعلان عن تجميد التصويت على التعديلات القانونية في الكنيست، لحين إنعقاد الدورة البرلمانية المقبلة لها، المقرره في 30 أبريل/نيسان حتى 30 يوليو/تموز 2023، على أن تسبقها مفاوضات بين الحكومة والمعارضة، وبذلك فإن نتنياهو رحل الأزمة ، وأبقى عليها مفتوحة على عدة سيناريوهات، التي أقلها “سوءا”، الذهاب الى انتخابات سادسة، قد لا يفوز فيها كما أظهرت ذلك نتائج عدة استطلاعات للرأي أجريت مؤخرا.
إن الأزمة في إسرائيل معقدة ومركبة، بسبب التناقضات العرقية والطبقية، وذلك لفشل الصهيونية في “صهرها” في هوية قومية متجانسة، بعد مرور 75 عاما على إقامتها، ما أدى الى تصدعات وفجوات، آخذة بالتعمق في المجتمع الإسرائيلي يصعب جسرها، والشروخ في المجتمع الإسرائيلي سببها تباين الهويات بين اليهود الشرقيين والغربيين، بالإضافة الى الفجوة الطبقية بين الفقراء والأغنياء، ناهيك عن الصراع بين العلمانيين والمتدينين.

تصدير المشاكل

وضع نتنياهو الذي لا يحسد عليه، بين حجرالاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، ورحى إحتمال إقدام شراكائه في الإئتلاف، على تفكيك حكومته إذا قدم تنازلات للمعارضة بشأن التعديلات القانونية، يثير سؤالا عما إذا كان نتنياهو، سيلجأ إلى تصدير أزمته الداخلية إلى الخارج، بافتعال مواجهة مع إيران أو حزب الله أو حماس أو تسخين الساحات في الضفة الغربية والقدس بهدف إطفاء بؤر التوتر بين المكونات السياسية والفكرية والاجتماعية الإسرائيلية التي لطالما عزز وحدتها أمام الخطر الوجودي الخارجي، سواء أكان تهديداً حقيقا أم متخيلا!!
إن الهجوم الدموي الذي شنته الشرطة الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى، فجر الخامس من إبريل/نيسان 2023 واليوم الذي تلاه، كان هجوما مدبرا بإمتياز، لتسخين الجبهة مع غزة، وتوتير الساحات الفلسطينية في الضفة والقدس والداخل، ولاستفزاز الفلسطينيين على نحو كبير، استخدمت الشرطة خلال إعتدائها على المسجد الأقصى اشد درجات العنف، من تنكيل وسحل وإعتقالات جماعية لمئات المصلين، بل وإمعانا بالاستفزاز، عرضت الشرطة في مقاطع فلمية للمعتقلين وهم يسيرون في طابور طويل، في مشهد يحاكي مشاهد الأفلام السينمائية لطوابيرالاعتقالات النازية.
وكانت إسرائيل قد عملت على تسخين الجبهة الشمالية، بشنها سلسلة من الهجمات على أهداف إيرانية وسورية، الهدف المعلن منها استعادة قوة الردع أمام إيران وحزب الله، ولإيصال رسالة لهما مفادها، أنه من الخطأ قراءة طهران وضاحية بيروت الجنوبية الانقسامات الداخلية في إسرائيل على أنها علامة ضعف، وبالتالي فإنه يجب على إيران عدم التفكير بنشر منظومات صواريخ في محيطها.
هنالك عدة سيناريوهات لما قد تفضي اليه الأزمة الداخلية الإسرائيلية:

الأول: إندلاع حرب أهلية

هذا السيناريو مستبعد، على الرغم من أن أكثرمن مسؤول إسرائيلي، أعربوا عن خشيتهم من زوال إسرائيل في”العقد الثامن” من قيامها، كما حدث بدولة داود وسليمان (1020 ق.م) التي دامت لـ 76 سنة، ومملكة الحشمونائيم (140 ق.م) والتي دامت لـ 77 عاما، وذلك وفقا للسردية الاستشراقية-الصهيونية التزويرية.
إن مثل هذه التصريحات ليست أكثر من “فزاعة”، لإثارة الخوف في أوساط الإسرائيليين، لهدف “توحدهم” في مواجهة أعداء اليهود العرب والمسلمين.

الثاني: بقاء حكومة نتنياهو الحالية

هذا السيناريو تحققه رهن بتمكن الإئتلاف الحاكم، من التوصل لحل وسط مع المعارضة بشأن التعديلات القانونية. ومن المؤشرات على إمكانية تحققه، تمكن الليكود من العودة للحكم بعد نحو 5 سنوات من عدم الحفاظ عليه، بالإضافة الى المكاسب التي حققتها الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة في انتخابات 2022 ، إلا أن ما قد يبعد تحقيقه، هو أن يكون إعلان نتنياهو عن تأجيل تمرير التعديلات القضائية تكتيكيا لهدف ترحيل الأزمة وليس لحلها، ما يعني عودة الإحتجاجات إلى الشارع الإسرائيلي، بالإضافة لفشل الحكومة بتمرير التعديلات لرفض السلطة القضائية لها، آخذين بعين الإعتبار أيضا، أن هنالك شخصيات في حزب الليكود، مثل نير بركات، ترفض تجاوز المحكمة العليا، وهو ما يعني دخول إسرائيل في أزمة دستورية، والتي قد تكون إحدى نتائجها الإطاحة بحكومة نتنياهو.

الثالث: تشكيل حكومة تحالف وطني

إن توصل نتيناهو إلى حل وسط مع المعارضة بشأن التعديلات القانونية، قد يدفع بحزب الصهيونية الدينية برئاسة سموتريتش، وحزب القوة اليهودية برئاسة بن غفير، للخروج من الإئتلاف الحاكم، خاصة وأن الأخير قد سبق أن هدد بذلك عندما أعلن نتياهو عن قراره بتأجيل تمرير التعديلات القانونية، ودخوله في مفاوضات مع المعارضة، ما اضطر نتنياهو عندها لتقديم رشوة لبن غفير، بمنحه قيادة مليشيات “الحرس الوطني” المزمع تشكيلها. إلا أن رؤية سموتريتش وبن غفير حول هوية إسرائيل الدينية المتعصبة قوميا، تتعارض مع الرؤية العلمانية لأحزاب الوسط (يائير لبيد وبني غانتس)، ويمين الوسط (الليكود) حول هويتها، ما قد يدفع باليمين المتطرف للخروج من الحكومة، وهدم المعبد على رؤوس من فيه.
وأمام مشهد كهذا، فإن نتنياهو قد لا يغامر بالذهاب إلى انتخابات سادسة قد يخسر فيها، وذلك على ضوء استطلاعي رأي “القناة 12” قناة “كان” الرسمية، خلا الإحتجاجات الواسعة في الشارع الإسرائيلي، حيث أظهرا أنه في حال أجريت الانتخابات اليوم، فإن الليكود سيحصل على 25 مقعدا، مقابل الـ 32 مقعدا التي بحوزته الآن، في حين سيرتفع عدد المقاعد التي سيحصل عليها “المعسكر الوطني”، برئاسة وزير الجيش السايق بني غانتس، من 21 إلى 23 مقعدا، ما قد يدفع بنتنياهو لإبرام اتفاق مع غانتس لتشكيل حكومة وحدة وطنية، بعد أن يتقدم بتنازلات له.

الرابع: عدم إتمام الحكومة الحالية فترتها

هذا السيناريو يتعلق تحققه، بفشل الحكومة الحالية في اقرار الموازنة لسنتين جديدتين، وذلك على ضوء تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، أنه إذا تم تمريرالتعديلات القانونية، فإن التصنيف الإئتماني لإسرائيل سينخفض، وسيفقد الاقتصاد الإسرائيلي نحو 100 مليار شيكل سنويا، كما ستتراجع عوائد الضرائب بنحو 30 مليارا، ما سيضطر الحكومة لتقليص الموازنات التي وعد بها شركاؤه في الائتلاف، والتي تقدر بالمليارات، ما قد سيدفعهم لعدم التصويت لصالح الميزانية، وبالتالي سقوط الحكومة والتوجه لانتخابات مبكرة، أو حكومة وحدة مع غانتس.

صحافي وأستاذ في جامعة بيرزيت سابقا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    اللهم عجل بزوال الاحتلال الصهيوني عن أرض فلسطين كل فلسطين من البحر الميت إلى البحر المتوسط واكسر اللهم خرافة دويلة العنكبوت التي بأذرع الأخطبوط ?????????????????✋✋

اشترك في قائمتنا البريدية