سُعار التحريض الإسرائيلي على الضفة الغربية.. السياق والأسباب

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ «الضفة الغربية» ـ «القدس العربي»: من يعيش في الضفة الغربية يشعر بحجم الصدمة من تصريحات المسؤولين المتطرفين في حكومة الاحتلال الإسرائيلية حول التصعيد المرتقب بحق الضفة، فلا تبدو للمراقب للأوضاع في الضفة من مسببات منطقية تفسر هذا السعار الإسرائيلي (الأمني والسياسي) بحق المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية فيها.

وهي تصريحات وإن كانت تتصاعد مع كل عملية تنجح فيها مجموعات المقاومة الفلسطينية بتنفيذها، وكان آخرها عملية «الفندق» التي قتل فيها ثلاثة مستوطنين فإنها هذه المرة فاقت المتوقع، فحجم التصريحات وطبيعة الجهات التي تصدر عنها وكثافتها وما تلاها من لقاءات واجتماعات أمنية إسرائيلية واستيطانية جعلت رجل الشارع الفلسطيني يشعر بالقلق الشديد، في ضوء أن الجميع هنا يدرك قدرات مجموعات المقاومة التي انهكت بفعل الضربات الإسرائيلية المتكررة على مدى أكثر من ثلاثة أعوام، وهو ما نكثف بعد السابع من أكتوبر العام الماضي.
التصعيد بحق الضفة هذه المرة اقترن بالحديث عن 7 أكتوبر جديد قادم منها ضد المستوطنات الإسرائيلية وهي تصريحات جاءت من رأس الهرم السياسي والأمني، وهي تصريحات تبدو مضحكة تارة، ومفهومة تارة أخرى كجزء من ماكينة الدعاية الإسرائيلية، لكن المطامع الاحتلالية في الضفة وتنفيذ مخططات الحسم تجعلها جديرة بالاهتمام والتحليل والتوقف. فبعد اجتماعات للكابنيت الأمني الإسرائيلي وقادة المستوطنين حول الضفة بعد عملية «الفندق» حدث التوافق على تصعيد العدوان، حيث قامت المؤسستين الأمنية الإسرائيلية والسياسية بالترويج بقوة لاحتمال سبعة أكتوبر جديد في شمال الضفة الغربية.
قادة المستوطنين في الضفة طالبوا بعد عملية «الفندق» بإعلان حالة الحرب في الضفة وتنفيذ عملية عسكرية واسعة الناطق مثل عملية السور الواقي عام 2002. آخر التصريحات التي جاءت في جلسة الكابنيت الإسرائيلي، صدرت عن رئيس الشاباك رونين بار الذي قال بأن إسرائيل ملزمة بوقف التصعيد المستمر منذ 7 أكتوبر ومنع توسع التنظيمات الفلسطينية. كما دعا إلى اتخاذ خطوات واسعة النطاق لتغيير الواقع على الأرض والقضاء على ظاهرة المجموعات المسلحة في الضفة الغربية.
وقد تم نشر نص أقواله في أخبار القناة 12، حيث وصف بار الانخفاض الملحوظ في عدد العمليات في الضفة بأنه مضلل، مشيرا إلى أنه لا يعكس حجم «الإرهاب» الحقيقي في المنطقة. وأضاف: «نلاحظ اتجاها متزايدا من «حارس الأسوار»- الانتقال من إطلاق النار إلى هجمات القنابل».
وأوضح أنه يجب إنتاج خطة واسعة تغير الواقع، من شأنها تفكيك وتدمير ظاهرة الكتائب في الضفة الغربية، ما يسمح للجيش الإسرائيلي بحرية العمل.
مصادر عسكرية إسرائيلية ضاعفت من التخويف من فزاعة الضفة، حيث قالت إن الجيش الإسرائيلي قام بتغيير استراتيجياته القتالية في الضفة الغربية، بعد أن «رصد» تزايد التدخل الإيراني.
التصعيد الاحتلالي في الضفة ليس تصريحات فقط، فإلى جانب عمل القوات الفلسطينية لما يتجاوز الشهر على تفكيك مجموعات المقاومة (خارجين عن القانون) في مخيم جنين، هاجمت القوات الإسرائيلية بلدة قباطية (صباح الجمعة)، وهي عملية جاءت بعد اقتحام طولكرم ومخيميها وبعد عملية في الأغوار سقط الكثير من الشهداء، وحسب ادعاء المتحدث باسم جيش الاحتلال فإن 73 «مطلوبًا» اعتُقلوا وعدد من «المسلحين» تم تصفيتهم خلال الأسبوع الماضي في اختتام عملية لوائية استغرقت حوالي 48 ساعة في «لواء الأغوار». كما طلب بنيامين نتنياهو اتخاذ إجراءات «أكثر هجومية» في الضفة الغربية، كما عقد يسرائيل كاتس اجتماعًا مع رؤساء المجالس المحلية للمستوطنات في الضفة الغربية، وخلاله، حذَّر كاتس من أن الضفة «تقف على شفا حرب»، مبينًا أن الجيش يستعد لاحتمالية اندلاع «مواجهة واسعة النطاق».
كاتس بدوره قدم لقادة المستوطنين الغاضبين في الضفة مجموعة من الإجراءات وتشمل: تكثيف العمليات العسكرية، وتنفيذ اغتيالات موجهة داخل القرى والمدن، وتعزيز تطبيق القانون على طرق المرور بشكل كبير.

توسيع العدوان الإسرائيلي

وحسب المحلل السياسي والخبير في الشأن الإسرائيلي محمد علان دراغمة فإن الترويج لسابع أكتوبر في الضفة الغربية يأتي بهدف خلق مبررات لتكثيف وتوسيع العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية بشكل عام وشمال الضفة الغربية بشكل خاص.
وقال: «يتم التلويح بالتصعيد مع أن معطيات جهاز الشاباك الإسرائيلي عن العام الماضي تحدثت عن تراجع حجم عمليات المقاومة في الضفة الغربية بـ 40 في المئة»، وهو ما يعني تناقض التصريحات التي حاول تبريرها في وقت لاحق لتتوافق مع نغمة التصعيد الجديدة.
قبل أسبوع نشر جهاز الشاباك معطيات حول نشاطه في احباط عمليات المقاومة خلال العام الماضي، حيث جاء أنه منع 1040 عملية كبيرة، منها 689 عمليات إطلاق نار، 326 عمليات تفجير عبوات، 13 عملية طعن، 9 عمليات دهس، 2 عمليات فدائية وعملية خطف واحدة.
وزير الحرب الإسرائيلي ومن موقع عملية «الفندق» اعتبر العملية عمل حربي بكل ما يحمل التعبير من معنى، وأصدر التعليمات للجيش بتعزيز القوات، أما رئيس مجلس مستوطنة «كدوميم» القريبة من موقع العملية طالب بضرورة أن يعمل الجيش على تغير توجهه نحو الضفة الغربية، على الحكومة الإسرائيلية أن تعلن عن حرب على الضفة الغربية أيضاً، وأن تسمح للجيش الإسرائيلي بسحق الإرهاب في كل مكان وزمان.
المحلل دراغمة يجيب حول أسباب التركيز في التحريض على الضفة بالقول إن «ادعاءات دولة الاحتلال لم تستخدمها في الضفة بعد السابع من أكتوبر بل على الحدود الشمالية لتبرير حربها، هي فزاعة تستخدمها دولة الاحتلال بشكل مستمر وتبرر بها كل ما تقوم به من عمليات في الضفة».
وأضاف: «لو عدنا للوراء فإننا دوما ما سمعنا ان جيش الاحتلال يعزز قواته في المستوطنات، حيث أدخل المصفحات على المستوطنات بذات الحجة، قام بتزويد المستوطنات بالأسلحة بفنس الحجة وهي عدم تنفيذ 7 أكتوبر، كما قام بتأسيس وحدات الاستنفار ووزع عليها كم هائل من الأسلحة لذات الحجة».
وتابع حديثه حول تناقض التصريحات الإسرائيلية: «إذا أخذنا معطيات إسرائيل نفسها سنجد ان نتنياهو قال إنه لا توجد عمليات هجومية كافية داخل الضفة، وبالأمس ظهرت سلسلة من تهديدات وزير الحرب الإسرائيلي الذي قال إن الضفة ذاهبة إلى حرب ومزيد من العمليات، وقبل ذلك بأيام قالت معطيات جهاز الشاباك أن هناك تراجع في عمليات المقاومة الفلسطينية بنسبة 40 في المئة عن العام الماضي، وكل ذلك في تناقض واضح في التصريحات».
وشدد أن المخطط الإسرائيلي حول الضفة على الطاولة، فدولة الاحتلال ماضية بالمخطط، ومن الواضح تماما أن نتنياهو بدأ ينتظر دخول الرئيس ترامب لتنفيذ سياسات جديدة لربما كانت الإدارة الأمريكية السابقة عائقا نظريا أمام تطبيقها.
وقال المحلل دراغمة أن دولة الاحتلال تسعى باتجاه السيطرة المطلقة على الضفة من خلال كل المبررات، «فهذا كله يتم في طار توسع الاستيطان وتصاعد دعوات تهجير الفلسطينيين من مناطق «ج»، فالحرب على الضفة الغربية قائمة على مبدأ وضعها تحت الضغط العسكري المتواصل كي يتم توسعة المستوطنات ومصادرة الأراضي بأقل مظاهر المقاومة».
وفي سياق متصل، قال على الأعور، الباحث وخبير في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، أن التهديد الإسرائيلي بالتصعيد في الضفة الغربية هو جزء من سياسة إسرائيلية بدأت قبل السابع من أكتوبر.
وأضاف: «كان هناك سياسة إسرائيلية ممنهجة تتمثل في فصل مدن الضفة الغربية، حيث شاهدنا الاقتحامات في نابلس وجنين وعموم شمال الضفة وتحديدا في مخيماتها».

الترتيبات السياسية

ويرى الأعور أن الجديد في محاولات التصعيد الإسرائيلية هو ارتباط ما يجري في الضفة الغربية بما جرى ويجري في قطاع غزة وسوريا ولبنان. إنها جزء من «الترتيبات السياسية التي تم التوافق عليها من قبل أمريكا وإسرائيل ودول عربية، وهي حتما تشمل الضفة الغربية، فعندما تم الانتهاء من سوريا ولبنان جاء الدور على الضفة الغربية، فهي المرحلة الثانية، وعنوانها ضم الضفة والسيطرة عليها».
وعاد الباحث الأعور للوراء قليلا مشددا على أن وزير المالية المتطرف طلب منذ زمن من كافة الوزارات الاستعداد لضم الضفة الغربية وفرض السيادة للحكومة المدنية بدلا من الجيش.
وتحدث الأعور عن التصريحات النارية لرئيس الشاباك رونين بار، حيث طالب بعملية عسكرية لإعادة السيطرة على الضفة، وهي تصريحات تتعامل مع حالة المقاومة على انها مجموعة من العصابات أو الخارجين عن القانون وبالتالي يمكن السيطرة عليهم.
ويرى أن الرد الفلسطيني على حالة التحريض مخيبة، فالكرة اليوم نجدها عادت للسلطة الوطنية، والضفة فيها «الشعب مغيب ومن فعل ذلك عليه أن يتحمل المسؤولية».
وختم حديثه لـ«القدس العربي»: «الضفة قابلة للانفجار، وربما يكون هناك حدث كبير جدا أو انتفاضة ثالثة بفعل هجمات المستوطنين. فالشعب الفلسطيني لن يقف مكتوف الأيدي. عمليات الحرق المستمرة والهجمات ستدفع أن يكون للشعب الفلسطيني كلمته وقراره».
واعتبر المحلل السياسي سليمان بشارات أن ما يقوم به الاحتلال من حالة من التصعيد في الضفة الغربية ليس وليد حدث آني أو ردود فعل على عمليات المقاومة، فالضفة حسب المشروع الإسرائيلي ركيزة أساسية، «الضفة هي عمق مستقبل دولة يهودا والسامرة ودولة المستوطنين، فيما الاحتلال منذ سنوات يمهد لتأسيس بنية تحتية كاملة لفرض واقع جديد يضمن ضمن الضفة. وتعزيز الاستيطان».
ويرى بشارات أن كل المواقف والتصريحات هدفها هو إضفاء الشرعية وتبرير الأفعال التي يتم ممارستها، ويضرب مثلا: «عمليات القتل في بلدة طمون قضاء طوباس، استشهد فيها طفلان بدون أي سبب وهي مثال على العقلية الاحتلالية في التعامل مع الضفة».
وشدد بشارات على أن الاحتلال يريد ان يبرهن على أن القوة العسكرية والبطش كمنهجية هي النموذج الناجح في التعاطي مع المقاومة في الضفة، وهي منهجية يريد المضي قدما بها لتحقيق مشروع الاستيطان في كامل الضفة.
ورأى بشارات في حديث لـ«القدس العربي» أن وجود الرئيس ترامب، يبدو، غطاء جيدا لهكذا ممارسات أو تصعيد، وهي فرصة لشرعنة كل ما يفرض على أرض الواقع، فالاحتلال لا يريد القضاء على المقاومة إنما يريد قتل حلم الفلسطينيين بإقامة كيان سياسي، هو هنا لا يريد منطق الأماني فهو يفعل ويفرض على أرض الواقع كافة الممارسات، والتصعيد في الضفة فرصة مواتية هذه الأيام.
سياسيا، حذّرت وزارة الخارجية والمغتربين من المخاطر الجدية الناجمة عن دعوات المستعمرين وجمعياتهم ووزرائهم الرامية إلى تحويل الضفة الغربية إلى أنقاض، على غرار ما حدث في قطاع غزة.
ودعت الوزارة، المجتمع الدولي إلى التعامل بجدية تامة مع هذا السيل من التصريحات التحريضية، خاصةً أنها تتزامن مع إجراءات ميدانية تقوم بها قوات الاحتلال وأذرعها المختلفة، من اعتداءات تنفذها ميليشيات المستعمرين المسلحة، وتخصيص ميزانيات ضخمة لشق طرق استعمارية جديدة على حساب أراضي دولة فلسطين ومواطنيها. يُضاف إلى ذلك التصعيد الحاد في الاقتحامات والجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية