شارون المريض.. وروبرتسون الطبيب !

حجم الخط
0

شارون المريض.. وروبرتسون الطبيب !

جواد البشيتيشارون المريض.. وروبرتسون الطبيب ! أسوأ ما في السياسة أنْ تسمح للساسة مِنَ القادة وذوي النفوذ والذين يملكون سلطة التغيير للواقع بأنْ يَسْتَنْسِخوا مِنْ إيمانهم الديني ما يمكن تسميته ديانة سياسية ، يُقْحِمون فيها السماء والرب والأنبياء والكتب المقدَّسة، ويَزِنون كل ما ينتمي إلي العالم الواقعي الدنيوي للسياسة بـ الميزان الديني للحلال والحرام ، فيَتَحَوَّل الرأي (السياسي) الآخر إلي مروق مِنَ الدين، وإغضاب للرب. ومع كل التطوُّر الديمقراطي والعلماني الذي عَرَفَهُ عالَم السياسة، فِكْراً وعملاً، ما زال مُقَصِّراً في عملٍ لا بدَّ منه، وهو تجريم كل مَنْ يسعي في تسييس الدين و تديين السياسة .لقد تَحَدَّث المسيحي المحافظ بات روبرتسون، في برنامجه التلفزيوني نادي 700 الذي يشاهده نحو مليون شخص يومياً، عن أسباب المرض الذي أصاب دماغ شارون، والذي قد يؤدِّي إلي موته أو إلي عيشه حياة أسوأ مِنَ الموت، فاكتشف أو قرَّر أنَّ مسبِّبها هو غضب الرب علي هذا الذي تطاوَل علي حقِّهِ (حق الرب) في تملُّك تلك الأرض المقدَّسة ، وسعي (عَبْرَ إخراجه للمستوطنين والجنود الإسرائيليين مِنْ قطاع غزة) إلي تقسيمها. ونَسَبَ إلي نبي يُسمَّي يوئيل تصريحاً يؤكِّد فيه أنَّ الرب يُخاصِم كل مَنْ يُقَسِّم أرْضاً يَعْتَبِرْها الرب أرضه . وحتي لا يحلَّ برئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل ما حلَّ بشارون حذَّره روبرتسون، أو نصحه، قائلاً: الويل لكَ إذا ما سوَّلت لكَ نفسك فعل ما فعله (أو حاول فعله) شارون! .المُبشِّر روبرتسون يتوفَّر منذ زمن طويل علي تهويد الرب، وفي السياق ذاته، علي تهويد المسيحية، وجَعْل العهد الجديد نسخة مِنَ العهد القديم ، وكأنَّ المسيحي القويم المبدأ هو الذي يَتَّخِذ الأوهام التلمودية جوهراً لمعتقده الديني (والسياسي). روبرتسون ليس هذا فحسب، فهو كان مرشَّحاً جمهورياً للرئاسة في الولايات المتحدة، وما زال يَمْلكُ تأثيراً كبيراً في سياسة الحزب الجمهوري، وفي البيت الأبيض، وفي عقل ومشاعر الرئيس بوش علي وجه الخصوص.الرئيس بوش، وفي الوقت الذي كان روبرتسون يُشخِّص بالتعاون مع يوئيل المرض السماوي في دماغ شارون، قال شاكياً شكوي فضيلة في زمن الرذيلة إنَّ التلفزيونات العربية تُصوِّر الولايات المتحدة (إعلامياً) علي غير حقيقتها ، ولا بدَّ، بالتالي، لإدارته مِنْ أنْ تبذل الجهد (الإعلامي) في سبيل نَقْل فكرها ورؤيتها (مِنْ غير تشويه أو مسخ) إلي عقول العرب.ولكن الرئيس بوش لًَمْ يَجِدْ في نفسه ما يكفي مِنَ الشجاعة للاعتراف بأنَّ فكر روبرتسون هو ما يؤلِّف كل المتاع الفكري لسيِّد البيت الأبيض، والذي مِنْ هذا الإيمان الديني الذي جُبِلَ مِنْ أسوأ أوهام العهد القديم اسْتَنْسَخ كثيراً مِنْ وجهات نظره السياسية، وكَتَبَ رسالة الضمانات التي سلَّمها إلي شارون، الذي لولا تأثيره هو، أيضاً، في عقل الرئيس بوش لانضمَّت إدارته إلي روبرتسون في تحريمه تقسيم أرض الرب .الرئيس بوش لا يَمْلِك في رأسه مِنْ مضادات الفكر السياسي ما يكفيه شرَّ الوقوع في أحابيل الأوهام التلمودية التي يُبشِّر بها روبرتسون ويَحْقِن بها سياسة الحزب الجمهوري، فرأي في دعمه وتأييده للعداء الشاروني للفلسطينيين وحقوقهم القومية ما قد يُسرِّع في العودة الثانية للمسيح. ولا شكَّ في أنَّ المصالح الإمبريالية الواقعية للولايات المتحدة هي مِنَ النمط الذي يحتاج إلي إحياء ونشر تلك الأوهام التلمودية، وإلي مبشِّرين مِنْ طراز روبرتسون، وإلي رؤساء تستهويهم تلك الأوهام كالرئيس بوش.إنَّني لا أعرف كيف نجح ذلك الزعيم الإسرائيلي القديم في أنْ ينفث في روع أبناء جلدته أنَّ للرب جزءاً مِنَ الأرض يَمْلِكَهُ، ثمَّ يُمَلِّكَهُ لهم بعدما اتِّخذهم شعباً له مُفَضَّلاً علي سائر البشر. ولكنَّني أري أنَّ حُكْم الأموات للأحياء ما زال مستمراً في مُعَلِّمٍ مثلا روبرتسون، وفي تلميذ مثل بوش! والعِلْم (والسياسة عِلْم) سيظل عاجزاً مُقَصِّراً إلي أنْ ينجح في غسل العقول مِنْ كل تلك الأوهام التلمودية، التي فيها تكمن الدوافع لكثير مِنَ الجرائم السياسية. ہ كاتب ومحلل سياسي فلسطيني ـ الاردن8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية