الجزائر – الأناضول: تشهد الجزائر منذ سنوات حالة جفاف مقلقة، بسبب التغيرات المناخية، ألقت بظلالها على حياة السكان والفلاحة والاقتصاد في البلاد، ما أجبر الحكومة على وضع استراتيجية طويلة الأمد لمجابهة الظاهرة.
وفي 19 فبرايرباط الجاري، قال وزير الموارد المائية كريم حسني أن «مناخ الجزائر الذي كان في السابق شبه جاف أصبح أمس مناخاً جافاً، ما يجعل استراتيجية تسيير الموارد المالية توّسع نسبة الاعتماد على تحلية مياه البحر بصفة متزايدة على المدى المتوسط والبعيد» حسب بيان للوزارة.
وأضاف حسني، خلال زيارته محافظة وهران «تعتزم الجزائر بلوغ 60 في المئة في تزويد مياه الشفة بالمياه المحلاة في 2030، مرورا بـ42 في المئة في 2024، فيما تبلغ النسبة الحالية 17 في المئة».
واعتبر أنّ «تحلية مياه البحر تعد الحل الأمثل، لأن المياه السطحية أصبحت شحيحة، والبلاد تزخر بكل الإمكانات اللازمة، منها شريط ساحلي يمتد لأكثر من 1200 كلم، وكذا الخبرة والموارد البشرية اللازمة في هذا المجال».
وصنّف بيان أصدرته وزارة الموارد المائية، على حسابها في «فيسبوك» في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، الجزائر ضمن الدول الفقيرة من حيث الموارد المائية، بسبب فترات جفاف طويلة ومتكررة، مع نقص كبير في معدلات التساقطات المطرية.
وذكر البيان أن معدلات التساقطات المطرية بلغت خلال السنوات الأخيرة بين 40 و50 في المئة مقارنة بالمعدلات السنوية السابقة، خصوصا في الجهتين الوسطى والغربية للبلاد. وأوضحت الوزارة أن نقص وشح الأمطار بفعل التغيرات المناخية أثرّ بشكل كبير على تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب، وقد برزت آثارها جليا على 20 محافظة في البلاد.
يذكر أن الرئيس عبد المجيد تبون أطلق تسمية جديدة لوزارة الموارد المائية، بإضافة عبارة الأمن المائي، لها لمجابهة ظاهرة الجفاف وشح المياه للمرة الأولى. كما أعدّت الحكومة استراتيجية وطنية تعتمد على تحلية مياه البحر، بإنجاز محطات كبرى لتحلية مياه البحر بقدرة 300 ألف متر مكعب يومياً، على مرحلتين (2022-2024 و2025-2030)، وفق الوزارة.
وكان الوزير حسني قد أفاد سابقاً أن هذه الاستراتيجية تتضمن أيضا مسألة تأمين المياه، عبر تحلية مياه البحر وترشيد الاستهلاك وتصفية المياه المستعملة وتوظيفها في الرّي الفلاحي.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أقيمت في مساجد الجزائر صلاة الاستسقاء ثلاث مرات، طلبا للغيث في ظل شح الأمطار، بدعوة من وزارة الشؤون الدينية. من جانبه اعتبر عمار فوفو، الأكاديمي ومدير مخبر تحسين الإنتاج الزراعي في جامعة سكيكدة، أن «الجزائر تشهد شُحا في الأمطار منذ نحو 10 سنوات، ما أثر على المناخ والأنشطة الزراعية والفلاحية». وأضاف أن هذا الشُح أثر أيضا على انخفاض منسوب المياه الجوفية التي تعدّ مخزوناً مهما بالنسبة إلى حياة السكان والاقتصاد الزراعي.
وعزا هذا إلى التغيرات المناخية، مثل انخفاض المساحات المتجمدة في المناطق القطبية الشمالية والجنوبية وذوبان الجليد بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما انعكس بشكل مباشر على المناخ في حوض المتوسط وفي جنوب خط الاستواء. وحول تعامل الدولة مع الجفاف، اعتبر فوفو أنه لا توجد إرادة جادة لبناء السدود والأحواض المائية للحفاظ على مياه الأمطار التي تذهب سدى في الأودية والبحر». وأضاف «كان بإمكان السلطات منذ سنوات وضع استراتيجية محكمة لبناء سدود وأحواض مائية لإنقاذ القطاعين الزراعي والصناعي، وتأمين مياه الشرب».
ودعا السلطات إلى تشييد المزيد من السدود في مختلف مناطق البلاد، خصوصا في المناطق الشرقية التي يشهد بعضها تساقط أكثر من 1400 ملم من الأمطار سنويا. ورأى أنّ محطات تحلية مياه البحر التي عمدت إليها الدولة تعد حلاً موقتاً، بسبب عواقبها على البيئة، كما أنّ جودة مياهها أقل من جودة مياه السدود والمياه الجوفية. وتوقع الأكاديمي الجزائري تساقط الأمطار نهاية فبراير/شباط الجاري ومارس/آذار وأبريل/نيسان المقبلين، غير أنّ أمطار الربيع قد تؤثر على الأشجار المثمرة والمحاصيل الزراعية لأنّها طوفانية ولا يمكن تخزينها.
وقال الشيخ فرحات، وهو خبير في شؤون المناخ والبيئة، أن حالة الجفاف التي تعرفها الجزائر ودول شمال افريقيا هي امتداد للجفاف في أغلب مناطق العالم. وأضاف «حتى شبه الجزيرة الإيبيرية، التي تضم اسبانيا والبرتغال، تشهد شُحا في الأمطار، كما في بلادنا، وهذا أمر طبيعي.»
وأشار إلى أن «الجفاف بدأ يتوسع في أغلب مناطق العالم، منذ نحو 50 سنة، وهو مقلق للفلاحين والمزارعين، لأن نمو الزرع يتطلب الوقت والماء».
ولفت إلى أنّ «الأشجار المثمرة حاليا تفتحت أزهارها قبل موعدها، وقد يتأثر نمو ثمارها بعوامل الصقيع والرياح التي قد يحملها شهر أبريل/ نيسان المقبل. واعتبر أنه على الفلاحين التحلي بالثقافة ضد الكوارث الطبيعية، مثل الجفاف، واللجوء إلى استخدام التكنولوجيا لتأمين الموارد المائية والحفاظ عليها، بعيدا من الطرق التقليدية للري.
وأوضح أن مياه السدود تتراجع مع مرور الوقت خلال الجفاف، وأن السدود تحتاج إلى الصيانة دائماً، مشدِّداً على أن المستقبل «لتحلية مياه البحر وتطهير وتصفية مياه قنوات الصرف الصحي واستخدامها في الفلاحة والصناعة».
وحسب رأيه، فإن «مياه قنوات الصرف الصحي المستغلة حاليا في الجزائر تبقى نسبتها ضئيلة، وماؤها يضيع سدى في الطبيعة». وذكر أنّ قطاع الفلاحة لوحده يستهلك نحو 60 في المئة من الموارد المائية، ما يتطلب استغلالا جدّيا لمياه مجاري الصرف الصحي.