بيروت-“القدس العربي”:لقاء الشغف والاحتراف والحب بين شربل روحانا وأيلي خوري أثمر سي دي “طرب سفر”. عمل جمع آلتي العود والبزق في ثنائية نغمية بحثت عن التلاقي. سي دي رأى النور عندما وجدته الشركة المنتجة “فيلوكاليا” علامة مميزة في الموسيقى الآلاتية. يضمّ تسع مقطوعات توزعت عادلة في كتابتها بين روحانا وخوري، فأنفرد كل منهما بأربع. واشتركا معاً في المقطوعة التاسعة التي ولدت ارتجالاً وتدخل العقل لاحقاً لتشذيبها.
بين حوار البزق والعود في “طرب سفر” وحفلات التوقيع المرتقبة محلياً ودولياً، يستعد الفنان شربل روحانا عشية 26 من الشهر الجاري لتقديم تحية للموسيقى العربية الأندلسية الأصيلة بصوت ملحم زين في مهرجانات جبيل.
معه هذا الحوار:
*ماذا أردت من سي دي “طرب سفر”؟
**”طرب سفر” غاية لكل إنسان يعيش في هذه الحياة. للسفر الواقعي نوعان، الإنتقال من قرية لأخرى أو من مدينة لأخرى، أو من بلد لآخر. وما نحن بصدده هو السفر الداخلي. لأحدنا أن يسافر وهو جالس على مقعده. التمني الدائم هو السفر إلى حيث للمرء قدرة الإرتقاء، فيصبح أكثر إيجابية وليس العكس. نعرف أن زيارة أماكن وأشخاص محددين من شأنها أن ترفعنا. كذلك ثمة موسيقى نسمعها نرتقي معها، والعكس صحيح أحياناً. في “طرب سفر” أردنا سفراً إلى المكان الأجمل. إن تحقق الهدف فنحن حكماً واقعون في حالة الطرب.
*وماذا عن التعاون مع الموسيقي أيلي خوري في هذا العمل؟
**عرفته منذ سنة 2003 حين كان طالباً يدرس العود معي في المعهد الموسيقي الوطني. لم يمكث طويلاً، فهو لا يملك كاراكتير الطالب. هو أكبر من عمره على الدوام، ورغباته في الدراسة متشعبة. درس الصيدلة، الطبخ والموسيقى، وبرع في كل ما درسه. عزف معي في أكثر من حفل. وشاركني كذلك في برنامج ثنائي العود. وتقاسمنا العمل في سي دي “طرب سفر” فكان أيلي خوري عازفاً للبزق. موسيقى استغرقت الكثير من الاجتهاد، بحثاً عن الصوت الأجمل بين الآلتين لمزجهما معاً، فنحن حيال آلتين وتريتين تستلزمان النقر. آلتان جميلتان، وأي هفوة ستجعل صوتيهما مزعجاً للسمع.
*هل كنتما حيال تحد؟
**صحيح. بهدف التكامل، ومن المؤكد أن صوت كل آلة سيكون واضحاً للمتلقي. يمكن تشبيه البزق بإنسان ذو صوت مرتفع وأوتاره تصدح. فيما صوت العود حميم، وهو من الطبقات المنخفضة. بحثنا عن دور لكل من الآلتين بحيث يكونا في حالة تكامل تؤدي إلى الطرب. كتب كل منا أربعاً من المقطوعات، وواحدة مشتركة. نفذنا التوزيع الموسيقي معاً في فرنسا خلال أسبوعين من الزمن. للمقطوعة المشتركة والتي حملت عنوان “طرب سفر” حكاية جميلة. فقبل أربع سنوات جمعتنا جلسة ارتجال كل منا على آلته، وكان تسجيل الهاتف المحمول شغّالا. امتدّ العزف لثلث ساعة. مرّ الزمن ونسيت المقطوعة، أرسلها أيلي عبر الهاتف الخلوي وذكرني بها. قررنا العمل على المقطوعة من جديد وتشغيل العقل إلى جانب الإرتجال. ولهذا تُشكل “طرب سفر” تناغماً بين العقل والإحساس. ارتجال نما كما الأعشاب البرية، شذبناه ولم نستعرض العضلات.
*لماذا تسجيل السي دي في روما؟
**هو الإنتاج الذي أخذنا إلى روما. السي دي من إنتاج شركة “فيلوكاليا” التي ترأسها الأخت مارانا سعد، وبالمناسبة ترجمة الكلمة “حب الجمال”. ارتأت الشركة التسجيل في المدرسة الحبرية المارونية – روما. ورافقنا في هندسة الصوت رالف سليمان. وخلال وجودنا معاً في روما اتيح لنا تصوير الكثير من المشاهد، ونحن نستخدمها كخلفية للحفلات التي أحييناها والتي سنحييها لاحقاً كترويج للسي دي.
*في شرقنا الذي يحب الكلمة يبدو أنك تمتلك جرأة لتقديم الموسيقى الآلية؟
**قرار يلزمه عناد، قناعة، حب وشغف. لاشك أن الأغنية أسهل، وليس أية أغنية، بل أنواعاً محددة من الغناء. أحببت الموسيقى الآلية، والتقيت مع أيلي خوري على هذا الشغف.
*كيف تُسوّق الموسيقى في عصر السرقة والإنترنت؟
**ليس لنا سوى التسويق أونلاين، وأن يتواجد السي دي في كافة المكتبات. وبدورنا نجتهد في تنظيم حفلات التوقيع، وقريباً ستكون لنا عدة حفلات. كما ندرس تنظيم سلسلة حفلات تواقيع في بلدان أوروبية. نحن نُعدُّ الأعمال الجميلة والتي يحبها الناس، وللأسف تقف في مكان ما، وتعود لاحقاً لتُكمل انتشارها الطبيعي. وهذا الانتشار مفيد لنا معنوياً ومادياً. فنحن نعيش من خلال الموسيقى التي نؤلفها، ولا نتسلى بالموسيقى بعد دوام العمل. الموسيقى عملي، وأعمل من لحمي الحي.
*هل من سبيل للعيش من مؤلفاتك الموسيقية؟
**بل أعيش لأني أعلّم الموسيقى في المعهد الموسيقي الوطني وفي كلية الموسيقى في جامعة الروح القدس الكسليك. وأحياناً تكون لي حفلات أقدم فيها أعمالي الموسيقية. تقديم الأعمال الخاصة طموح كل موسيقي، ممثل أو مخرج. فغاية الفنان أن يصل عمله للناس، وأن يكون مؤثراً في من يتلقاه. فالتواصل بين الفنان والجمهور يتم من خلال العمل الموسيقي. فالحفل الذي قدمناه الصيف الماضي تحية لسيد درويش في مهرجانات جبيل تمّ تصنيفه من بين الأعمال المميزة بجودتها. هذا ما قاله الجمهور والنقاد وما حفلت به مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا الحفل أحيته أصوات رفقة فارس، جيلبير الرحباني وعيسى غندور.
*كأستاذ للعود وشريك في سي دي “سفر طرب” ماذا تقول للمتلقين كشرح عن أنغام آلتك وآلة البزق؟
**ربما يصح تشبيهما برجل وامرأة. أشعر العود وكأنه الرجل الحنون الحاضن لألة البزق التي يليق بها أن تصدح. ليس للبزق أن يكون مرافقاً بل العود من يتولّى هذا الدور، فمساحته أقرب للأصوات الخفيضة، وطبيعته حنونة وصوته حميم ودافئ. أما البزق فحضوره بارز. هذا الفرق بين الآلتين أتعبنا، لكننا حققنا المراد من عملنا الموسيقي “سفر طرب” خلال التسجيل. وتجلى العزف أكثر على المسرح في حفلات ثلاث تم إحياؤها حتى الآن.
*هل تستريح هالة الأستاذ لدى تعاونه مع طالب درس على يده؟
**يفترض ذلك، لكنه لا يحصل مع الجميع. ليس سهلا على الأستاذ التخلي عن مرتبة الأستاذية، وهذا يعود لطبيعة الأشخاص. بالنسبة لي لا تنطلق الأنا من اللقب.
*ماذا عن حفلك القريب في مهرجانات جبيل؟
**للمرة الثانية أشارك في مهرجانات جبيل. في حفل الصيف الماضي دفعت بعض التكاليف من جيبي ليكون العمل بأجمل حلّة ممكنة وكما أرغبه. نجاحه مدني بدفع معنوي طويل الأمد. والنجاح شجع إدارة المهرجانات لتكرار التعاون. هذا الصيف اللقاء مع ملحم زين. ويمكنني تشبيه صوته بأنه يهد الصخر ويبكي العصفور. هذه خاصية صوت ملحم زين.
*ماذا تقول رداً على مقولة “شو جاب شربل لملحم”؟
**ردي هو المساحة المشتركة الموجودة بين كل إنسان وآخر. مهما تباعد البشر في المواقف والأفكار فهذا لا يلغي المساحة المشتركة بينهم. حفل جبيل لن يكون لملحم زين ولن يكون لشربل روحانا. هي تبلوهات غنائية تمتد نسبياً من الأندلس، مروراً بالعراق، مصر، سوريا ولبنان. ففي لبنان عدد من الرموز يمكننا استعمال موسيقاهم، فيما آخرون سيرفعون علينا قضايا لو فعلنا، بخاصة تلك الموسيقى التي لم تبلغ بعد عمر الـ50 سنة. وسيتضمن البرنامج بعضاً من أغنيات ملحم زين، وبعضاً من موسيقتي. توليفة ستتيح للجمهور التمتع برحلة مع تراث الغناء العربي الموجود في ذاكرته، وعبر صوت ملحم زين الجميل. في النهاية ما سنقدمه على المسرح سيكون مولوداً يشبه ملحم زين وأنا. فنحن معاً متكئان على التراث. والفرقة الموسيقية ستكون بحدود 25 شخصاً بين عازفين وكورس. لو كان الإنتاج أكثر سخاء لتوسعنا في التنفيذ أكثر. في ظروفنا الصعبة هذه نقول حكماً الحمدلله أن المهرجان مستمر، في حين بات معروفاً أن مهرجانات أخرى توقفت لانعدام التمويل، وأخرى تراجع تمويلها كثيراً.
*وما هو زمن الحفل؟
**في الحد الأقصى ساعة ونصف. مبدأ المدى الزمني هذا اعتمده على الدوام وفي كافة حفلاتي.
*هو لقاؤك الأول مع نجم من الصف الأول ويحمل صفة الفن التجاري؟
**بالمعنى الذي تقصدينه نعم. بدوري فهمت رغبة القائمين على مهرجانات جبيل بجذب مزيد من الجمهور. وعندما طرقت باب ملحم زين فرح جداً، رغم أن لقاء سابقاً لم يجمعني به. كان تواصلنا عبر الهاتف، تواعدنا على اللقاء وحصل. أخبرته بمشروعي فوافق منذ اجتماع العمل الأول. لدى ملحم زين حفلات كثيرة هذا الصيف إنما حفل جبيل أكثر ما ينتظره بشوق.
*التحضير متعب بدون شك؟
**نعم برنامج يلزمه تحضير كبير. لكل منا أنانيته ورغبته بأن يظهر أمام جمهور مهرجان. وهذا ما صرفت النظر عنه كلياً حتى في العام الماضي وقبل أن أختبر نجاح حفل سيد درويش. فهو حفل لا تزال اصداؤه تتردد.
*هل يتم تسجيل تلك الحفلات؟
**سجّلت حفل سيد درويش على نفقتي الخاصة. حزين لأننا لم نقدم ذاك البرنامج ثانية في حفل آخر. من المؤسف أن تنتهي تلك الأعمال في ليلة واحدة. ولا شك سنسجل حفل ملحم زين، وألتقي معه حماساً يجمعني بهذا الصدد. فالعمل من أجل المتعة الفنية فقط غير وارد.