يتخذ العنوانُ مقام نصّ مصغر، إذ يختزل دلالات تقبل قراءات متعددة. كما أنه مدخل أساسيّ لقراءة الإبداع الأدبي عموما، فهو بنية دلالية لا تنفصل عن خصوصية العمل الأدبي. ومن وظائفه القائمة على قصدية اختياره: إغراء المتلقي وتحريضه على القراءة، وجذب انتباهه، والإعلان كذلك عن قصدية النص. وقد جاء عنوانُ مجموعة «ماذا تحكي أيها البحر؟» للقاصة المغربية فاطمة الزهراء المرابط في صيغة جملة استفهامية، تؤثث فضاءات التصور والتخيل، لهذا فلا يُقصد من وراء طرح السؤال، داخل نص العنوان، انتظار جواب أو صيغة جواب محدد سلفا في ذهن السائلة، فليست الإشكالية في هل يُجيب البحرُ أم لا يجيب، لكن الإشكالية تكمن في السؤال نفسه.
دلالة المجاز
لهذا فالعنوان بهذه الصيغة اللغوية «الظنية الدلالة»، لا تحتمل إلا الدلالة المجازية التي تعتمد على الإيحاء، على اعتبار أن الخيال أحد ملازمات اللغة الأدبية لتوطيد الفهم أو تشكيل المعنى، لهذا فالمجاز يؤسس في خيال المتلقي تأويلا يتوافق مع سياق التعبير لإنتاج المعنى. من بين هذه التصورات (التأويل) أن يتخيل المتلقي البحر كائنا مدركا لمعنى السؤال، وبهذا نكون نسبنا إليه الإدراك مجازا لا حقيقة. ففي قوله تعالى: «فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ»، استعار القرآن للجدار الإرادة، رغم أن طبيعته – بمنطق العقل – طبيعة جامدة، وإلا كيف يمكن للجدار أن يقوم لذاته؟
ولهذا فعبارة العنوان مبنية على خرق دلالي، تلعب فيه الاستعارة والمجاز دور الغالب والمهيمن، حتى يُنفى ذلك التناقض الذي يركب ظاهر التعبير. فالمعنى الإيحائي يحتل مكان معنى المطابقة المعطل، حينئذ تتناسب الكلمات على المستوى الإيحائي، فيعطي نوعٌ من المنطقِ العاطفي معيارَهُ للجملة.
اللغة العادية ــ حسب جون كوهين ــ لها قانونها المعتمد على التجربة الخارجية، أما قانون اللغة الشعرية فيقوم على عكس ذلك أي على التجربة الباطنية.
اللغة الشعرية
اللغة العادية ــ حسب جون كوهين ــ لها قانونها المعتمد على التجربة الخارجية، أما قانون اللغة الشعرية فيقوم على عكس ذلك أي على التجربة الباطنية. ومثل ذلك سنجده في قصة «أمواج»، إذ أن الساردة تخاطب واحدا من جدران المدينة وتحاوره، فتستعير له قدرة الكلام والسمع والإدراك، لتفضح واقعا وتكشف سوءة وضع غريب ابتليت به جدران المدن، تقول: «نبرة الحزن والانكسار تغلف صوته – آه يا ابنتي، لو تعلمين»، فقد قامت بشخصنة الجدار كي يعبر عن استيائه وإحساسه بالقهر. ويمكننا هنا أن نقول إن الساردة تفكر من خلال الأشياء، متوسلة بالخيال، فالخيال أفق واسع لقول الواقع وتشكيل مفارقاته.
التأويل
كما أن عنوان المجموعة عبارة دلالية مراوغة ومقلقة، لا تترك المتلقي قبل أن تدفعه إلى البحث داخل المضمون (النصوص) عمَّا يروي فضوله المعرفي، وهذا أحد وظائفه المهمة، فمن عتبته يمكن للمتلقي أن يندفع نحو النص، رغبة في القراءة. يأتي استفسار العنوان – كما قلنا- كي يفتح للمتلقي أفقا تأويليا مبنيا على الإيحاء، ويُحرض على طرح السؤال: فماذا عساه سيحكي هذا البحر لو أنه انضم إلى زمرة السرَّاد؟ وبأي لغة أو إشارة سيبلِّغ خطابه؟ وما هي المواضيع التي ستكون محور الحكي؟ المتلقي بدوره يبدأ في طرح تساؤلاته لأن العبارة مخاتلة وشعرية، وتحرض على تشكيل السؤال على اعتبار أنها عملية استدعاء المعرفة وطلبها، وإن حضور لفظة «الحكي» في نص العنوان، يُعرب عن بعض شواغل الكتابة عند القاصة، في ما يعني أن همَّ السرد حاضر، باعتباره شكلا من الحكي يمنح سبيل العبور إلى أفاق التخييل. ولعل حركات البحر في المد والجزر، واضطراباته وهيجانه وهدوءه وانسيابه حينا، وقوته الدافعة حينا آخر، وصوته الهادر، وزرقته الممتدة… كلها أشياء تمـــثل أساليب تعبيرية يسرد من خلالها البحر حكاياته لوجدان المتلقي القابل للالتقاط الإشارة عبر ملكات حسية نابعة من وعي بالحياة. وكل واحـــد له تصوره الخاص أو حكايته المبثوثة بناء على انعكاس صورة البحر بتفاصيلها في وجدانه أو مرآته الداخلية.
كما لعنوان «ماذا تحكي أيها البحر؟» حضور وظيفي ضمن المضمون، خاصة في النص الذي يحمل العنوان نفسه، وقد تكررت صيغته ضمن النص مرتين، تقول الساردة: «فتنفلت مني صرخة مكتومة ـ ماذا تحكي أيها البحر؟»، إذ قدمت لنا الساردة هنا محاورة متخيلة بينها وبين البحر الذي أجابها على سؤالها، تقول: «ويجيبني البحر حالما ـ أحكي هوى عينيك وهل للعيون هوى؟ قلت ضاحكة». إنها محاورة متخيلة بفعل حالة من الهذيان أو حلم لا يتوقف (كما أشارت إلى ذلك الساردة)، حلم يكشف حضور البحر في الكتابة عندها، فهو انتعاشة لحروفها، واتحاد وحلول بذاتها المنجذبة نحو الحرية، تقول: «الحروف ما تزال تتراقص حولي فرحا بالماء والحرية».
٭ كاتب مغربي
اننا في اواخر القرن الماضي اتفقنا ثلة من شعراءالاردن وفلسطين و كنت السوري الوحيد بينهم على رفضنا لهذا الشعر الحر الذي يمسخ عروبة شعرنا و موسيقاه الخالده سموا غيره ما شئتم لكن لا تقولوا عنه أنه شعر ممن كانوامعنا:سليمان المشيني الشاعر الكبير العملاق و دكتور هاني العمد وجميل علوش( رحل إلى دار البقاء)وسأبقى وفيا لذلك الوعد لعروبة اللسان والشعر والقلب
وَهل أضحى الفَتى العَرَبيّ فِيهَا
غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ!
يتبع
ولا أنكر الجمال والبيان في ماقرأت اعلاه من المجموعة اللطيفة