بعدم تجاوزها لربيعها الرابع عشر استحقت عبير عزيم لقب أصغر كاتبة عربية، خاصة أنها دخلت غمار الكتابة الأدبية ولما تناهز الثالثة عشرة من عمرها بعد، مما جعل هذا اللقب مستحقا بامتياز، ولعل ذلك ما لفت الانتباه إلى هذه الصبية، التي تمتلك من الطموح المشروع ما يؤهلها لتكون محل تقدير من قبل أكثر من مؤسسة إعلامية وثقافية وتربوية، حتى أضحت وجها مألوفا عند الجميع، وهذا ما يجعلها قدوة تحتذى، خاصة لدى الأطفال والشباب على حد سواء، علاوة على انتمائها إلى مدينة صغيرة «تاهلة» تعد من الهامش المغربي، غالبا ما تعاني مثيلاتها من الحواضر الصاعدة من قلة الإمكانات وشحة الفرص لإبراز المواهب وتطورها، وكأن المبدعة عبير تقول لنا من خلال ما حققته، إن الإرادة والطموح كفيلان بتجاوز كل العوائق والمثبطات، فالعزيمة وحدها تجعل من الفرص الصغيرة المتاحة مناسبة كبيرة لتحقيق النجاح، ولا غرابة والحال هذه ان تتناول المبدعة عبير عزيم في رواية «شمس بحجم الكف» موضوعا يعد في أحد مستويات التأويل معادلا موضوعيا لحياتها الشخصية في علاقتها بالإبداع، فقد تناولت موضوع الإعاقة الذي تعاني منه أسر كثيرة في صمت، تناضل نضالا مريرا لغد أفضل لأبنائها المصابين، في غياب دعم حقيقي لهم، فكم من بيت يضم بين جدرانه مأساة مكتومة الصوت، فلا تصلنا أناتها رغم المعاناة الكبيرة، التي تقاسيها الأسرة في سبيل خلق أجواء مناسبة لابنها المعاق، الذي يتحمل واقعا أكبر منه، وليس هناك مستقبل واضح يكون في انتظاره، مما يجعل المأساة مضاعفة، ولا تبشر بأي خير.
في روايتها الأولى» شمس بحجم الكف» حاولت الكاتبة ان تستفيد من الواقع إلى حد كبير، بحيث جاءت الأحداث انعكاسا لما نكاد نعرفه بين ظهرانينا من تجارب حياتية، فيما يبقى الخيال حذرا يطل على استحياء، يسترق إلينا النظر من وراء حجاب، وتلك لعمري بعض خصائص التجارب الأولى في الكتابة، التي يتملكها طموح كبير لتصوير الواقع، من خلال الاستفادة من الحياة الشخصية للكاتب، وإيراد أسماء الأماكن، والفضاءات، التي تضطرب في أجوائها الشخصيات، كما أن الأحداث غالبا ما تحيلنا على وقائع بعينها يعرفها المقربون من الكاتب، وكأنه بذلك يكون مشغولا بالتوثيق أكثر من الإبداع، فحين يكتب الرواية يحبّر في الآن نفسه سيرته الشخصية وسير من يحيطون بها من شخوص واقعية.
غير أن هذا الانطباع يبقى نسبيا حتى وإن كان هناك من داخل المتن الروائي ما يعضده، وخاصة المكان «تاهلة» والشخصية الرئيسية الأنثى، التي تقوم في الوقت نفسه بدور الساردة، وغيرها من القرائن التي تبرر هذا الانطباع، فالكتابة الأدبية حتى إن توهمت واقعيتها يبقى نسغها العميق هو الخيال، ويتجلى ذلك في خاصية الانتقاء، أقصد انتقاء ما يركز عليه الكاتب، حتى إن كان واقعيا، ومن تقديم الأحداث ومن الوصف الذي يضفي على رواية «شمس بحجم الكف» لمسة شعرية وأدبية وفنية لا تخفى على القارئ، ينطلق ذلك من العنوان ذي الحمولة الجمالية الواضحة التي تتكئ على الاستعارة في صياغته، هذا فضلا عن التناول الأدبي الجميل لمصير الشخصيات في صراعها مع الواقع، والشحنة العاطفية الكبيرة، التي يشعر بها المتلقي تجاه الشخوص، وقد صاغتها الكاتبة بلغة صافية وشفافة، تحاول تقديم الأحداث والشخصيات والأماكن بنوع من الحياد السردي والموضوعية، رغم قوة المشاعر أحيانا، التي تصبح طاغية في فقرات محددة من الرواية، لكنها مع ذلك لا تفرط في جماليتها، فتشعر إزاءها بأن الكاتبة عبير عزيم، تملكت رغم حداثة سنها ناصية اللغة، وطوعتها أفضل تطويع للتعبير عن مشاعر الشخصيات وهمومها وأحزانها وطموحاتها كذلك، كما أبدعت في اختيار الأماكن التي تجري بها الأحداث، دون أن يفوتها تطويرها بشكل مناسب يلائم الفن الروائي عموما، حتى إن طغى عليها أحيانا الطابع الرومانسي، الذي ينسجم إلى حد بعيد مع طبيعة المرحلة العمرية للكاتبة، التي ستتجاوزه بكل تأكيد في تجاربها اللاحقة، التي لا شك أنها ستمنحنا نصوصا أكثر نضجا، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ما حققته من نجاح إبداعي في تجاربها الإبداعية الحالية.
فكم من بيت يضم معانات ومعانا ت احسنت صغيرتي عبير