لندن ـ «القدس العربي»: تلقى «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» شهادات جديدة عن تعرض معتقلين فلسطينيين من قطاع غزة، بمن فيهم نساء وأطفال، لعمليات تعذيب قاسية ومعاملة «حاطة بالكرامة الإنسانية، بما في ذلك التعرية والتحرش الجنسي أو التهديد به» فيما اعتبرت حركة «حماس» أن هذه «الجرائم تستدعي الملاحقة القانونية أمام المحاكم الدولية والمحاكم المختصة».
ووفق ما أعلن المرصد، في بيان أمس الإثنين، فإن فرقه تلقت شهادات من مجموعة من المعتقلين المفرج عنهم خلال الأيام الماضية، بعد أن «أمضوا مدداً مختلفة من الاعتقال تحدثوا فيها عن تعرضهم لممارسات قاسية تصل إلى حد التعذيب، شملت ضربهم بشكل وحشي وانتقام» وإطلاق الكلاب تجاههم، وشبحهم لساعات طويلة، وتعريتهم من ملابسهم بشكل كامل، وحرمانهم من الطعام والذهاب لدورات المياه».
وأخطر ما تلقاه من شهادات، وفق البيان هو «تعرض معتقلات لتحرش جنسي مباشر، موضّحاً أن عدداً من المعتقلات (رفضن الإفصاح عن هويتهن) أبلغن أن جنوداً إسرائيليين تحرشوا بهن، بما في ذلك وضع أيديهم على أعضاء خاصة، وإجبارهن على التعري وخلع الحجاب».
وأضاف «الأورومتوسطي» أن «الجنود وجهوا كذلك تهديدات بالاغتصاب وهتك العرض لمعتقلات ومعتقلين وذويهم، في إطار عملية التعذيب والابتزاز لإجبارهم على الإدلاء بمعلومات عن آخرين».
قفص من حديد
ونقل المرصد عن، م ن (70 عاماً) (طلب عدم ذكر اسمه) قوله: «اعتقلوني من منزلي في حي الأمل غرب خان يونس، أبلغتهم أنني مريض ولا أستطيع التحرك، لكن لم يهتموا، أجبروني على خلع ملابسي، نقلوني إلى بيت مهدوم، شعرت أنني أستخدم درعاً بشرياً. لاحقاً اعتقلوا المزيد ونقلونا برحلة عذاب قاسية إلى معتقل عبارة عن قفص من الحديد. مكثت 10 أيام داخل السجن».
وأضاف: «كل يوم كنا نتعرض للضرب والسب، لم نشرب الماء داخل السجن لمدة 4 أيام، كانوا يصبون المياه على الأرض أمامنا، حتى يعذبونا ونحن عطشى. طوال الوقت جلوس على ركبنا، أكل قليل، والذهاب للحمام مرة واحدة، والشبح متكرر بالوقوع على السياج وربط الأيدي للأعلى».
أما خ ن، فقال: طلبوا منا النزوح فغادرت مع عائلتي غرب خان يونس، اعتقلوني على الحاجز وأجبروني على خلع ملابسي. تعرضت للضرب الشديد. كنا نتغطى ببطانيات ممتلئة بالمياه، عشنا بردا غير طبيعي ولم نشرب الماء».
وتابع «الجيش نقلنا إلى مكان آخر، تعرضنا لتعذيب مختلف، كل مكان فيه عملية تعذيب مختلفة عن الأخرى، كان الضابط يضربني على رأسي، وعندما أشكو، يضربني أكثر، ولم أستطع النوم من البرد».
في حين، قال م و: «اعتقلوني من بيت لاهيا، وأجبروني على خلع ملابسي تماماً، احتجزوني في العراء مع ضرب شديد، عبثوا بأيديهم في جسمي، تعرضت للضرب الشديد بالبساطير وأعقاب البنادق، وعلقوني من رجلي بالسقف، كنت أتعرض للشبح على مدار 4-6 ساعات يومياً».
«حماس»: جرائم تستدعي الملاحقة القانونية أمام المحاكم الدولية
وأضاف: «هددوا باغتصاب عائلتي، وطلبوا معلومات لا أعلمها. كانوا يجبروننا على شتم فصائل وشخصيات معينة وأن نهتف لإسرائيل، ونقول عن الكلب الذي يسمح له بنهشنا أنه تاج راسنا».
كما نقل المرصد عن غ شهادتها، إذ قالت: «اعتقلوني على الحاجز على طريق صلاح الدين خلال نزوحي.
طلبوا مني التوجه نحو ساتر رملي، هناك وضعوا عصبة على عيني، وفتشوني بأيديهم، وسألوني عن حماس والأنفاق، ثم نقلوني إلى مكان مفتوح، ثم أخذوني إلى معتقل. أجبروني على خلع ملابسي، كان هناك جنود ينظرون ويعلقون تعليقات خادشة، أعطوني (ملابس منزلية) فقط دون ملابس داخلية لألبسها»
تعليقات خادشة
وأضافت: «في المعتقل خضعت للتحقيق لعدة مرات. في كل مرة كان قبلها تتم تعريتي من مجندات يضعن أيديهن ويتحرشن، والجنود كانوا ينظرون أحيانا ويعلقون، وكان هناك شتائم قاسية لا أستطيع قولها، وتهديد بهتك العرض».
وقال الأورومتوسطي إن ما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية من تقرير عن المعتقل الذي يحتجز به فلسطينيون من قطاع غزة، يؤشر على اعترافها بالتعذيب الممنهج واستهتارها بمواثيق حقوق الإنسان التي تجرم التعذيب.
وأشار إلى أنه ظهر في هذا التقرير معتقلون وهم مقيدون ومجبرون على الجلوس على الأرض في وضع مهين وسط قفص حديدي يشبه الأقفاص التي تحتجز بها الحيوانات، في تماهٍ مع ما سبق أن أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه يجري التعامل مع الفلسطينيين في غزة كـ (حيوانات)».
وبين المرصد أن القوات الإسرائيلية تواصل إخفاء المعتقلين قسراً وتعريضهم للتعذيب والعنف الوحشي من لحظة الاعتقال حتى لحظة الإفراج التي تتم لبعضهم.
وأعاد التذكير بأن منظمات حقوقية، بما فيها إسرائيلية، حاولت الحصول على معلومات عن المعتقلين من غزة، إلاّ أن طلباتها جوبهت بالرفض من السلطات الإسرائيلية، وتبين أنه يجري احتجاز المعتقلين من غزة في مراكز احتجاز جديدة أقامها الجيش الإسرائيلي في أماكن مختلفة في النقب والقدس، يتعرض فيها المعتقلون بالإضافة إلى جريمة الإخفاء القسري لأشكال قاسية من التعذيب والتنكيل والحرمان من الطعام والماء.
وأكد أن الجيش الإسرائيلي يحتجز المعتقلين لأيام طويلة دون سبب واضح، ويعرضهم للمعاملة القاسية، ويمارس عليهم الإذلال المتعمد، إضافة إلى إجبارهم على الهتاف لإسرائيل، وسب وشتم فصائل وشخصيات فلسطينية.
مساومات وابتزاز
وشدد على أن بعض المعتقلين تعرضوا لمساومات وعمليات ابتزاز من أجل التعاون مع الجيش والشاباك الإسرائيلي مقابل التخفيف من تعذيبهم أو الحصول على بعض ما أسميت الامتيازات والإفراج عنهم.
وأشار إلى أنه لا يوجد عدد دقيق لأعداد المعتقلين من غزة، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي مؤخرا أن عدد المعتقلين يبلغ 2300 معتقل، بينما تشير تقديرات أن عدد المعتقلين من واقع شهادات المفرج عنهم أكبر من ذلك بكثير وهو يصل إلى عدة آلاف.
وأشار إلى أن معسكر «سديه تيمان» الذي يديره الجيش الإسرائيلي ويقع بين مدينتي بئر السبع وغزة جنوبا ويُحتجز فيه غالبية المعتقلين من قطاع غزة، تحول إلى سجن «غوانتنامو» جديد تمتهن فيه كرامة المعتقلين وتمارس بحقهم أعتى أشكال التعذيب والتنكيل في ظل حرمانهم من الطعام والعلاج.
وذكّر بأنه تلقى شهادات سابقة عن وفاة اثنين من المعتقلين داخل معسكر «سديه تيمان» أحدهما مبتور القدم، ولم تعلن إسرائيل رسمياً عن وفاتهما.
وطالب، إسرائيل بالكشف الفوري عن مصير المعتقلين المخفيين قسريًا، بما في ذلك الإفصاح عن أسمائهم وأماكن تواجدهم، وبتحمل مسؤولياتها كاملة تجاه سلامتهم والوقف الفوري لعميات التعذيب وسوء المعاملة.
وشدد على أن قيام إسرائيل بممارسة هذه الاعتداءات الوحشية ضد المعتقلين والمعتقلات الفلسطينيين والاعتداء على كرامتهم وتعمد إلحاق الألم والمعاناة الشديدة لديهم على هذا النحو، يصل إلى حد ارتكابها لجريمة التعذيب و/أو المعاملة اللاإنسانية، وهي جرائم قائمة بحد ذاتها وتقع ضمن نطاق جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، حسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وتلك الانتهاكات، وفق المرصد، تأتي في سياق جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي. كما أن قتل المعتقلين الفلسطينيين داخل مراكز الاعتقال يعتبر من قبيل جرائم القتل العمد والإعدام خارج نطاق القانون والقضاء التي يحظرها القانون الدولي، وبخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الجنائي الدولي، الذي يعتبر قتل المدنيين عمداً جريمة حرب، وذلك وفقًا لنظام روما الأساسي.
جريمة الإبادة الجماعية
كما «يحظر القانون الدولي الاعتقال التعسفي والحبس غير المشروع ويعتبرها جرائم حرب، ويحظر القانون الدولي إلقاء القبض على الأشخاص واحتجازهم ثم رفض الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة، ويعتبر ذلك جريمة اختفاء قسري، وتندرج ضمن جرائم ضد الإنسانية وفقا لنظام روما الأساسي» تبعا لـ«الأورومتوسطي» الذي طالب، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بتحمل مسؤولياتها والتحقق من أوضاع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وظروف احتجازهم.
كما حث المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والفريق العامل في حالات الاحتجاز التعسفي بإجراء تحقيق فوري ومحايد في ظروف وفاة جميع المعتقلين الذين قضوا في السجون الإسرائيلية منذ بدء إسرائيل حربها على قطاع غزة، واتخاذ الخطوات المناسبة لمحاسبة المسؤولين وإنصاف الضحايا.
وعقب نشر المرصد بيانه، دعت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» المؤسسات الحقوقية والأممية إلى متابعة الشهادات المروّعة، التي رواها معتقلون فلسطينيون عن جرائم التعذيب الجسدي والنفسي والانتهاكات التي تعرضوا لها في سجون الاحتلال.
وقالت في بيان «ندعو المؤسسات الحقوقية والأممية إلى متابعة الشهادات المروّعة، التي رواها معتقلون فلسطينيون من غزة أفرج عنهم مؤخراً، عن جرائم التعذيب الجسدي والنفسي، والانتهاكات التي تعرّضوا لها في سجون الاحتلال الذي يَعمَد إلى تعتيم كامل عن أماكن احتجازهم وأعدادهم، وظروف اعتقالهم».
وأشارت إلى أنّ «تلك الشهادات عن الانتهاكات التي يقترفها الاحتلال النازي بحق المخطوفين من غزة، دليل جديد على ارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بشكلٍ متعمد».
وأكدت أنّ هذه «الجرائم تستدعي الملاحقة القانونية أمام المحاكم الدولية والمحاكم المختصة للكيان وقادته النازيين على جرائمهم التي لن تسقط بالتقادم، وستبقى لعنة تطاردهم، ودليل على همجيتهم وإجرامهم بحق الإنسانية».