عنت شيرين أبو عاقلة الحقيقة. وبالنسبة إلى دولة قائمة، من يومها، على الكذب، لم تحتمل إسرائيل يوماً هذه المراسلة المقدامة والدقيقة والجريئة التي راكمت ربع قرن من التسجيل اليومي المثابر لمأساة شعبها، في ظل الاحتلال وكفاح هذا الشعب ضد الانتهاكات وضد الفصل العنصري والاستيطان وضد الافتئات على الذاكرة ومن أجل الحق في الحياة الكريمة، الحرّة، المستقلّة.
وفي نهاية المطاف قتلت إسرائيل شيرين. قتلتها وأخذت ترغي وتزبد كذباً وتلفيقاً. قتلتها أولاً عند اقتحام مخيم جنين، وكم مرة أرّخت شيرين لاقتحامات إسرائيل وجرائمها ضد مخيم جنين بالذات، ثم عادت لتقتلها وهي في النعش، بالاعتداء على الجنازة والجثمان، هذا الاعتداء الفضيحة، الذي يعقب الجريمة الفضيحة، ضد المؤرخة اليومية منذ سنين طويلة ومريرة لجرائم الاحتلال.
وشيرين بحق، عصية، حتى من بعد اغتيالها، على أن تميتها إسرائيل. شيرين تظهر لإسرائيل الصورة التي تحاول دولة الاحتلال أن تخفيها عن نفسها.
لا، ليست هذه الدولة أي استعمار كان، بل هي استعمار يأكله الهلع، الهلع من شيرين ومن أمثالها. تسوّق إسرائيل لنفسها صورة بأنها إذ تغزو وتحتل وترحّل وتضطهد، إلا أنها تقيم وزناً في المقلب الآخر للمؤسسات والتداول على السلطة والحريات، وضمناً للحريات الإعلامية. لكن لا. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أظهرت فيها شيرين أبو عاقلة تحديداً خطأ هذه الدعاية، بالشاهد وبالدليل، ولن تكون الأخيرة.
هجوم جنود الاحتلال على نعش شيرين المحمّل على الأكف لحظة لن تنسى في التاريخ المشين لهذا الاحتلال وللتاريخ الناصع لهذه الأرض وأهاليها. حصل هذا الهجوم على مرأى ومسمع الكوكب برمّته. على مرأى ومسمع المتهافتين على طمس القضية الوطنية التحررية للشعب الفلسطيني وهي حية ترزق، ومن همّ بمحاولة طمس قضية قنص شيرين بل التنكيل بها وهي الشاهدة على فظاعات متراكمة، وعلى شباب قابعين في السجون منذ عملية الاقتحام الدموية لمخيم جنين في نيسان/أبريل عام 2002. عشرون عاماً بين هذين الاقتحامين الدمويين، عمر مرّ، مراسلة أرّخت لهذه المرارة، وجيل بأكمله وراء القضبان، في السجون والمعتقلات، شعب بأكمله خارج القضبان، إنما هو داخل جدران العزل، مقطع الأوصال بين المستوطنات والحواجز والألوية والأجهزة الإسرائيلية المختلفة.
لكن أنّى لهؤلاء المهاجمين بأكعاب البنادق لحملة النعش ولنعش الشهيدة أن يطفئوا لهب الشمعة؟ فعلت دولتهم كل شيء يمكن أن يفعله الشر في العالم من أجل بعثرة شعب، من أجل إخماد قضية. عقداً وراء عقد، فهل أفلحت؟ هل مشهد قتل شيرين ومن ثم الاعتداء على جثمانها بهذا الشكل القميء يدل على أن هذه الدولة القائمة على الكذب الذي لا ينقطع قد أفلحت؟ هذه دولة تخاف من ظلها مهما امتلكت من تكنولوجيا تدمير وبطش، ومهما طورت أحابيل تلفيقها ومدّها المتجبرون والطغاة عبر العالم بما عندهم من رياء وخساسة. هي دولة أبكتنا دماً عندما قتلت شيرين وعندما اعتدت على تابوت شيرين. لكنها دولة تابوتية، دولة طاغوتية، وشيرين هي الفرح الداخلي، اليقيني بأن دولة مثل هذه الدولة قائمة على مسلسل من الكذب لا ينقطع لا يمكنه إلا أن ينقطع في خاتمة المطاف. فللبيت من يحميه، وشيرين لن تنسى.
أسرة التحرير
{ يامعشر الشهداء في حفظ الحمى…….نلتــم بهـــذا منــزل العظمـــاء }.
{ أرخصتم النفـــــس الزكــيّـــة حينما…….حميّ الوطيس وزيد في البلواء }.
{ فعليكمــو منــي السّـــــلام تحـيّة…….مـا دام نــــور الحـــقّ في العليــاء }.
{ ولقد أقمنا في القلـــوب جنائــنًا……. لتكــــون رمـــــز تحــيّــة الشهـــداء }.
شيرين على طريق الآلام، خطى السيد المسيح والنبي محمد، وإلى القدس المحتلة تعود .
والله الصهاينة تجاوزوا كل الخطوط الحمراء وعلى المقاومة الثأر منهم