“صانع الملوك” الذي أصبح رئيسا لنيجيريا

حجم الخط
0

إسطنبول: “محارب المحاربين”، و”صانع الملوك” و”عراب لاغوس” و”أسيواجو” (الزعيم)… تلك بعض من الألقاب التي تطلق على الرئيس الجديد لنيجيريا بولا أحمد تينوبو، أحد رجال الحرس القديم لنظام الرئيس محمد بخاري (2015ـ 2023).

ولكل هذه الألقاب دلالات تختصر قصصا وأحداثا ومعارك سياسية خاضها تينوبو (70 سنة) في السر والعلن، ضد خصومه السياسيين وحتى العسكريين، لأكثر من 3 عقود، انتهت بانتخابه رئيسا، في معركة انتخابية لم تكن محسومة مسبقا، جرت في 25 فبراير/ شباط المنصرم، لم تخلو كالعادة من تهم التزوير.

فمنذ أن كان محاسبا شابا، انتخب تينوبو، المتحدر من أسرة مسلمة، في مجلس الشيوخ (1992-1993)، ثم منفيا عقب انقلاب عسكري (1994-1998)، إلى حاكم لاغوس (1999-2007)، ثم توحيده لعدة أحزاب معارضة، وجمعه التأييد للجنرال محمد بوخاري، خصمه السياسي السابق، وانتزاع السلطة لأول مرة من “حزب الشعوب الديمقراطي” في 2015، مُنهيا فترة حكمه التي دامت 16 عاما.

ثم حشد تينوبو، التأييد مرة أخرى لتجديد الثقة في بخاري، الذي فاز بولاية رئاسية ثانية في 2019، قبل أن يرفع شعار “حان دوري”، ليستلم الرئاسة في معركة انتخابية ساخنة.

لكن هذه الحياة الزاخرة بالكفاح السياسي، لم تخلو من بقع سوداء واتهامات بالفساد، وتزوير شهاداته المدرسية، بل وحتى المتاجرة بالمخدرات عندما كان طالبا في الولايات المتحدة، وهي تهم نفاها تينوبو، ولم يُدن في أي منها رغم فتح تحقيقات بشأن بعضها.

فالرجل الحاصل على شهادة المحاسبة من جامعة تكساس الأمريكية، والذي كانت والدته تاجرة لها مكانتها في السوق، تمكن من جمع ثروة طائلة، خاصة في الفترة التي كان فيها حاكما على لاغوس، ما أثار الكثير من الشبهات من حوله.

توجه واحد بنمط جديد

لكن لا يُنتظر من الرئيس الجديد، الخارج من عباءة الحزب الحاكم، أن يحدث انقلابا في التوجهات الكبرى للبلاد السياسية والاقتصادية، لكنه يريد أن تكون له بصمته الخاصة، كتلك التي تركها عندما كان حاكما على ولاية لاغوس، العاصمة الاقتصادية للبلاد ما بين 1999 و2007.

فتينوبو، لا يريد من الناس أن تنظر إليه من نافذة حزب “مؤتمر جميع التقدميين” الحاكم، بل أن يركزوا على إنجازاته عندما كان حاكما على لاغوس.

وعلق على ذلك قائلا “أنا لست الحزب.. يجب أن يتحدث سجلي عني. انظر إلى لاغوس. قبل مجيئي، كانت لدينا جثث على الطريق، ونظام مرور فوضوي، وسطو نهارًا وليلًا”.

ويرى أنصار تينوبو، أنه قام بتحديث المدينة، وحولها إلى مركز تجاري، بعد أن تمكن من تخفيف الازدحام المروري، عبر تطوير الطرقات، وفتح خطوط للحافلات السريعة، وتمكن من جذب استثمارات أجنبية، وتنظيم جمع القمامة وتوفير العديد من الخدمات، ما غير وجه المدينة الحضاري الذي كانت تسودها الفوضى، ولذلك لقبه سكانها بـ”عراب لاغوس”.

غير أن منتقديه، يرون أن لاغوس مازالت تعاني من الكثير من الاختلالات، ويشككون فيما إذا كانت الخدمات التي وفرتها الشركات التي يديرها مقربون منه، تستحق تلك الأموال الباهظة، ويضربون مثلا عن مشروع السكك الحديدية الخفيفة، الذي بدأه تينوبو منذ نحو 20 عاما، ولم يكتمل بعد.

فالرجل الذ انتخب مرتين على رأس لاغوس، ينسب له الدور في اختيار حكام الولاية من بعده وتوظيفه العديد من الموالين له في مناصب مختلفة، بفضل نفوذه السياسي والمالي في المدينة، وقدرته على العمل خلف الكواليس.

ورغم أن ولاية لاغوس تعد مسقط رأسه، ومركز نفوذه السياسي والمالي، إلا أنه فاز بها بفارق ضئيل عن أقرب منافسيه، رغم أنها عنوان نجاحه كمسؤول.

الأمن والاقتصاد.. التحدي الأكبر

أمام الرئيس الجديد تحديات صعبة لمواجهتها خلال ولايته الأولى، التي تنتهي في 2026، وعلى رأس هذه التحديات استعادة الأمن في المناطق الشمالية والوسطى التي تنتشر فيها الجماعات الإرهابية، وفي دلتا نهر النيجر أيضا بالجنوب التي تشتهر بسرقة النفط ونشاط بعض المجموعات المسلحة المحلية.

أما التحدي الثاني فيتمثل في انتشال البلاد من الفقر والنهوض بقطاع النفط والغاز الذي تمتلك فيه البلاد قدرات هائلة غير مستغلة كما يجب.

فنيجيريا بلد المتناقضات، فمن جهة تعد أكبر اقتصاد في إفريقيا من حيث الناتج الداخلي الخام، ومن جهة أخرى ينتشر الفقر بين معظم سكانها، البالغ عددهم أكثر من 216 مليون نسمة، والمتوقع أن تصبح ثالث أكبر دولة من حيث السكان بعد الهند والصين في عام 2050.

ورغم أنها أكبر منتج للنفط في إفريقيا بنحو مليوني برميل يوميا، إلا أنها لم تتمكن في العام الماضي من الوصول إلى حجم حصتها التي حددتها “أوبك بلس”، والمقدرة بـ1.8 مليون برميل يوميا، وبالكاد وصلت إلى متوسط 1.6 مليون برميل يوميا، وكادت تفقد ريادتها قاريا في إنتاج النفط لصالح أنغولا وليبيا، بسبب عدم قدرتها في وقف سرقات النفط، التي تسببت في تخارج شركات أجنبية من الاستثمار في البلاد.

وفي قطاع الغاز الطبيعي، الذي تمتلك البلاد أكبر احتياطي في القارة السمراء، لكنها عاجزة عن إنتاج وتصدير كميات تعكس هذا الاحتياطي، بل إن شريحة هامة من سكانها لا يتزودون بالكهرباء وغاز الطهي، في بلد يملك موارد هائلة من الطاقة.

وعلى الجانب الأمني، أخفقت نيجيريا في أن تكون شرطي غرب إفريقيا، ولم تتمكن من مواجهة التنظيمات الإرهابية في الشمال، بل استنجدت بالجيش التشادي الذي طارد الجماعات المسلحة بالحدود المشتركة مع نيجيريا حول بحيرة تشاد.

كما أن البلد يعاني انقساما دينيا بين شمال مسلم وجنوب مسيحي، ناهيك عن الصراعات المذهبية والعرقية والقبلية.

فالرئيس الجديد يجد نفسه أمام أزمات متشعبة ومتداخلة ورثها عن سلفه، وهو يدرك حقيقة هذه الأوضاع بحكم أنه كان جزءا من نظام حكم بخاري، لذلك سيكون ملفا الأمن والاقتصاد، مع تداعياتهما الاجتماعية، على رأس أولوياته.

ففي حملته الانتخابية، وعد تينوبو، بإجراء إصلاحات في مجالات مختلفة من الاقتصاد إلى الأمن والرعاية الاجتماعية.

حيث التزم بزيادة الصادرات وتقليص الواردات، وتعزيز العملة المحلية (نيرة)، وتطوير البنية التحتية.

وعلى الصعيد الاجتماعي، وعد الشعب بتوفير حياة كريمة، وفرص عمل بأجور مقبولة، وخاصة للشباب، وتمكين ذوي الدخل المنخفض من المشاركة بشكل أكبر في الاقتصاد.

ويراهن تينوبو، على خبرته في إدارة أكبر مدينة في نيجيريا وغرب إفريقيا، لإعادة ضبط الأمن داخل مدن البلاد، وتحسين الخدمات الأساسية للسكان، وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاع المحروقات (النفط والغاز).

ومن حظ الرئيس الجديد أن أسعار النفط والغاز تشهد ارتفاعا مقارنة بسنوات عجاف في فترة حكم بخاري (2015- 2022)، ما سيتيح له وفرة مالية تمكنه من تنفيذ برنامجه الانتخابي، إن تمكن من مواجهة الفساد المستشري في البلاد.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية