صحافية أمريكية معروفة تكتب عن سجل سوريا وويلات شعبها وانتصار ثورته: “اليوم هو يوم الفرح”

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

نشرت مجلة “فانيتي فير” مقالا للصحافية المعروفة جانين دي جيوفاني سجلت فيه أفراح سوريا ومخاوفها وهي تتجه نحو التاريخ.

ففي صباح يوم الأحد، انتهى حكم عائلة استبدادي استمر على مدى أكثر من نصف قرن و”عدت بالذاكرة إلى أحد آخر في كانون أول/ديسمبر، قبل ثمانية أعوام”. فكصحافية وأكاديمية، تقوم بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظام حافظ الأسد، الذي تولى السلطة عام 1971 وابنه المستبد بنفس الدرجة بشار الأسد، الذي حكم منذ عام 2000، وعملت كمسؤولة في المفوضية السامية للاجئين في الأمم المتحدة، حيث سجلت مآزق السوريين الذين أجبروا على ترك منازلهم وكانوا يعيشون في حينه في لبنان والعراق وتركيا والأردن “سجلت شهادات عن التعذيب البشعة جدا، وكان علي أن أتأكد من الروايات مع الأطباء لمعرفة إن كانت هذه الأفعال ممكنة و(يمكن وفعلا حصلت)”.

وتقول جيوفاني: “لقد استمعت لقصص عن محامين في مجال حقوق الإنسان وناشطات نسويات وعلماء وحتى أطفال اختفوا في غرف التعذيب البائسة في نظام السجن، وتبعني عملاء أجهزة أمن الأسد، المخابرات، وطردت في النهاية من دمشق. وذهبت بعدها إلى جانب المعارضة وواصلت التوثيق وقضيت وقتا في المستشفيات التي مزقتها القنابل التي أرسلها فلاديمير بوتين عام 2015، الذي انضم إلى النزاع نيابة عن نظام الأسد. وأرسلت أحيانا تقارير عن الأطفال الذين دفنوا تحت الأنقاض لأيام في بعض الأحيان، قبل أن يتمكن متطوعو الدفاع المدني السوري، الخوذ البيضاء، من انتشالهم. كما كتبت عن الناس الذين يموتون جوعا في ظل سياسة الأسد التي أطلق عليها “الركوع أو الموت جوعا”، حيث اضطر العديد منهم إلى صنع الحساء من أوراق الشجر”.

وثقت الصحافية الأمريكية في عام 2012 مذبحة للمواطنين ارتكبتها قوات الحكومة في داريا

وتضيف أنها قضت وقتا في مدينة داريا التي كان يعيش فيها 8,000 نسمة في ذلك الوقت والمعروفة بمقاومتها لقوات الحكومة، وكانت محاصرة منذ أربعة أعوام، حيث وثقت في عام 2012 مذبحة للمواطنين ارتكبتها قوات الحكومة.

و”لقد بكيت عندما طلب مني أحد الناجين، وهو قارئ نهم، أن أحاول أن أحصل له على كتب لأنه وآخرين كانوا يحاولون إنشاء مكتبة “سرية”. وفي أحد الأيام، كما كتبت في مقال في مجلة “ذا أتلانتيك”، طلب مني محمد (أحد عشاق الكتب) بخجل أن أربطه ببعض أصدقائي البوسنيين الذين عاشوا حصار سراييفو في تسعينيات القرن العشرين. وكان محمد يريد إقامة رابطة مع آخرين مروا بما مر به هو وأسرته وأصدقاؤه، على حد تعبيره “حتى نتمكن من فهم كيف نجا الشعب البوسني”. وقمت بإنشاء قناة على تطبيق واتساب، لربطهم بأهل سراييفو، الذين عرفوا كيف يتحملون الحصار والذين قدموا تلميحات منقذة للحياة حول تركيب الفوانيس والحفاظ على حس الفكاهة، حتى في الأيام الأكثر حلكة”.

وتقول إن “سقوط حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016 الذي سبب لها الانهيار في يوم كان قاتما مثل يوم الأحد الماضي الذي كان مبهجا. وكانت حلب تموت في ذلك اليوم، حيث بدأ الأصدقاء بالفرار من المدينة سيرا على الأقدام وفي سيارات مكتظة، باتجاه تركيا وأرمينيا وأي مكان كانوا قادرين على الذهاب إليه. ونشرت تغريدة: “أشعر اليوم بالفشل، فما يقرب من 25 عاما من الكتابة عن جرائم الحرب لم تسفر عن شيء. قلنا “لن يحدث هذا أبدا”. ماذا حدث؟ #حلب”.

وقالت إنها شعرت بالألم والغضب على أصدقائها الذين عاشوا في ظل الهجمات الكيماوية لنظام الأسد، أحدهم قاسم عيد الذي استطاع النجاة، رغم توقف قلبه بسبب السم الذي ملأه وتم إنعاشه لاحقا حيث انضم للقتال ضد قوات الأسد، مع أنه لم يحمل أبدا بندقية في حياته، وكتب لاحقا كتاب “بلدي”. وتقول إنها فكرت في العديد من الأصدقاء الذين شردوا، بمن فيهم الأمهات الشابات في مخيمات اللاجئين اللاتي قتل أزواجهن في المعارك وأصبحن الآن في المنفى يتحملن مسؤولية تربية خمسة أو ستة أطفال وحيدات في بلد أجنبي. و”أتذكر أنني سألتهم جميعا عما أخذوه معهم، وما هو الشيء الذي يؤلمهم أكثر من أي شيء تركوه وراءهم. لقد فقد كل من تحدثت إليهم أفرادا من عائلاتهم. تعرض العديد منهم للوحشية والتعذيب في السجن. لقد استهلكتني لفترة من الوقت رؤى وأصوات أصدقائي في داريا، حيث، كما ذكرت، قمت بتغطية مذبحة المدنيين في عام 2012 على يد القوات الحكومية، وهو حمام دم يقدر الكونسورتيوم السوري البريطاني أن أكثر من 700 شخص أعدموا فيه دون محاكمة في ساحاتهم وغرف معيشتهم وأقبيتهم، بعضهم في ملابس النوم. قال أحد الأصدقاء إنه لم ير طماطم منذ خمس سنوات. لقد كانت تلاحقني شهادة ناشطة شابة تم جرها عند الفجر من قبل قوات الأسد، واقتيادها إلى السجن واغتصابها. وكان عنوان أول كتاب كتبه عن سوريا، “صباح اليوم الذي جاءوا من أجلنا”، وكان مستوحى من وصفها لكيفية تمزيق حياتها إلى نصفين – قبل الاختطاف، وبعده”.

وتذكرت جيوفاني أصدقاءها الذي التقتهم في المنفى وظنوا أنهم لن يعودوا أبدا، وكذا الصحافي ستيفن سوتلوف الذي أعدمه تنظيم الدولة عام 2014. وتقول جيوفاني: “أنا مراسلة حربية وأكاديمية. ولكنني كنت، وهذا هو السياق الأكثر صلة، ناشطة في مجال حقوق الإنسان” و”بعد الهجمات بالغاز ثم سقوط حلب، شعرت بالدمار. وشعرت أن كل العمل الذي قمت به أنا وزملائي وكل الألم الذي عانى منه الشعب السوري، وكل الملاحظات التي دونتها في دفاتر ملاحظاتي على أمل أن تتغير السياسة الأمريكية تجاه سوريا، لم تؤد إلى شيء. في عام 2012، أصر الرئيس باراك أوباما آنذاك على أنه إذا استخدمت القوات السورية الأسلحة الكيميائية في أي وقت، فسيكون تجاوزا للخط الأحمر الذي رسمته الولايات المتحدة. وكانت لحظة صادمة بعد عام عندما تم ضرب المدنيين بغاز السارين وقتل المئات منهم، وبينما كانت القيادة العليا الأمريكية تستعد للرد، تراجع أوباما بدلا من إصدار الأوامر بالرد”.

عام 2016، أمريكا فقدت أعصابها وانهارت ولم تجد الآليات الدولية المختلفة فسقطت حلب بيد النظام

وتعلق أن أمريكا فقدت أعصابها وانهارت ولم تجد الآليات الدولية المختلفة، وسقطت حلب.

وفي الوقت نفسه، تم نقل المزيد من السوريين إلى السجون وقتل المزيد من الأطفال وتجويع المزيد من الناس. لقد انتصر الأسد، بمساعدة الرئيس الروسي والمرشد الأعلى لإيران. واستمرت حربهم. ثم، في هذا الأسبوع، كان بشار الأسد هو الذي فقد أعصابه. وفي تحول غير عادي للأحداث، يذكرنا بسقوط نيقولاي شاوشيسكو في رومانيا كانون الأول/ديسمبر 1989 وسقوط طالبان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2001، انقلب التاريخ.

وعلى حد تعبير وزير الخارجية السوري، الذي يقال إنه يخطط للبقاء في منصبه في ظل النظام القادم: “صفحة جديدة تكتب في تاريخ سوريا”. وتلقت الكاتبة من زميلين في “مشروع الحساب” رسالة إلكترونية مفادها “لا نعرف ماذا سيحدث بعد ذلك ولكن اليوم هو يوم الفرحة”. وتقول جيوفاني إن السنوات التي أعقبت سقوط حلب ظلت سوريا فيها راكدة، واختفت البلاد وشعبها عن النشرات الإخبارية والأجندة الدبلوماسية مع ظهور أزمات إقليمية أخرى، واحدة تلو الأخرى.

لقد وصف البابا فرانسيس وكان محقا سوريا بأنها “مهجورة ومحبوبة”. وحاول المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، الدبلوماسي النرويجي المخضرم غير بيدرسن، مواصلة المفاوضات، لكن انتباه العالم تحول إلى صراعات أخرى. و”لقد اعتدت على نسيان الحروب بلا مبالاة بينما تنتقل دورة الأخبار إلى صراعات تعتبر أكثر أهمية لأمن الولايات المتحدة”. و”لكنني لم أستطع نسيان سوريا وشعرت بإحساس هائل بالذنب. فبعد ما يقرب من 340 هجوما بالأسلحة الكيماوية شنها الأسد على شعبه، وما يصل إلى 620,000 قتيل تم توثيق موتهم وعشرات الآلاف من الضربات الجوية، وأكثر من 5 ملايين لاجئ، وأكثر من 7 ملايين نازح داخلي، اكتسبت سوريا مستوى هائلا من الألم الجماعي والخسارة. وفي محاولة لإبقاء سوريا حاضرة في السرد، كتبت كتابين عنها، يركز أحدهما على إرهاب دولة الأسد ضد المدنيين، وهو الكتاب المذكور أعلاه “صباح اليوم الذي جاءوا من أجلنا”، و”الاختفاء”، حول محنة المسيحيين الذين يعيشون في سوريا وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وبينما كنت أتجول في المنطقة، وأملأ دفاتري بالملاحظات، وأجلس القرفصاء خلال مقابلات لا حصر لها، حاولت أن أعطي صوتا للأفراد الذين تحملوا قدرا هائلا من العذاب. واليوم، هناك الكثير من الفرح، ولكن في نفس الوقت، هناك خوف شديد”.

وأشارت إلى ما قاله الإعلامي فرانك غاردنر من بي بي سي إن ما يخشاه هو عمليات القتل الانتقامية، وهو ما شهده في اليمن. ومن الممكن أن تتعثر سوريا بسهولة. فهي دولة محطمة واقتصادها متهالك وقد تتحول إلى ما يطلق عليه البعض دولة فاشلة. وسوف تجد حشود اللاجئين المكتظة على الطريق السريع بين سوريا ولبنان انتقالا صعبا: العودة إلى ديارهم في أرض محروقة بعد سنوات من العيش خارج وطنهم.

رغم أن هذه لحظة واعدة للشعب السوري، إلا أن الجميع ينتظرون ليروا أي نوع من الحكومة سيتم تشكيلها وكيف يمكن إنشاء المؤسسات في فراغ

وقالت إن هناك مظاهر قلق من أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، وقد قال حتى الآن كل الأمور الدبلوماسية الصحيحة، وأعاد تشكيل نفسه على طريقة دانيال أورتيغا، زعيم قوات العصابات النيكاراغوية الذي أصبح نفسه رئيسا. ورغم أن هذه لحظة واعدة للشعب السوري، إلا أن الجميع ينتظرون ليروا أي نوع من الحكومة سيتم تشكيلها وكيف يمكن إنشاء المؤسسات في فراغ؟ وكيف يمكن تجميع هياكل الدعم ذات المغزى، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحكومية والمالية، لشعب متباين إلى هذا الحد ومصاب بصدمة عميقة؟

يتعين على الجولاني أن يعمل وبسرعة على تأكيد سيادة القانون لتجنب الفوضى وإراقة الدماء الكثيرة التي حدثت في عام 2003 عندما سقط صدام حسين في العراق. و”لقد رأيت العديد من الدول التي ظهرت بعد الحرب تفشل: البوسنة والعراق وأفغانستان وليبيا. وحتى مصر، في أعقاب نشوة ميدان التحرير، أصبحت مجرد ظل لما كانت عليه في السابق. ولا ينبغي لسوريا أن تمضي على نفس الطريق الذي سلكته ليبيا”.

و”لكن ما الذي يجعلنا نحتفل؟ نعم، فبعد مرور أكثر من عقد بقليل على انتصارات الربيع العربي وإخفاقاته، شهدنا كوارث جسيمة. ولكن الحقيقة هي أن العديد من الطغاة قد رحلوا: بن علي في تونس، والقذافي في ليبيا، وصدام حسين في العراق، ومبارك في مصر، والآن الأسد في سوريا. ومرة ​​أو مرتين في العمر، تشهد أحداثا زلزالية تغير الخريطة الجيوسياسية إلى الأبد. وقد حدث ذلك في نهاية الأسبوع الماضي في دمشق. والآن أصبح المستقبل بيد الشعب السوري”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية