صحافيون مغاربة يتساءلون: هل قررت حكومة أخنوش «إعدام» المقاولات الإعلامية الصغرى؟ وهيئة مهنية تقرر مقاطعة الدعم

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
1

الرباط – «القدس العربي» : تسود حالة من الغضب والاستياء لدى فئة عريضة من المقاولات الإعلامية الصغرى التي تصدر صحفًا إلكترونية تساهم في التنوع والتعدد الإعلامي وتعزز الحضور المهني، بعد قرار حكومي يقضي بتغيير شروط الدعم المالي العمومي الموجّه إلى قطاع الصحافة.
المهنيون المنتمون إلى اتحاد المقاولات الصغرى قرروا مقاطعة الدعم العمومي بسبب شروطه “المجحفة والإقصائية”، وذلك بعد القرار المشترك الصادر عن وزير الشباب والثقافة والتواصل والوزير المكلف بالميزانية، والذي جاء بمقتضاه تحديد أسقف دعم الصحافة والنشر والتوزيع.
الموقف الرافض نفسه أعلنت عنه هيئات مهنية أخرى، نذكر منها “الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال”، و”الجمعية المغربية للناشرات والإعلاميات”، هذه الأخيرة أصدرت بيانًا تلقت “القدس العربي” نسخة منه، أعلنت بدورها عن “رفضها التام والمطلق للشروط التي جاء بها القرار المشترك، وخاصة تلك التي تفرض شروطًا تعجيزية”، وأكدت أنها “غير قابلة للتطبيق بتاتًا” وتضمنت “نية واضحة لإقصاء، بل وإعدام المقاولات الصحافية الصغرى”. الصحافي علي مبارك، رئيس “اتحاد المقاولات الصحافية الصغرى”، الهيئة التي كانت سباقة إلى إعلان موقفها الصريح من شروط الدعم الجديدة، قال “إن القرار المشترك الصادر عن وزارة الاتصال ووزارة المالية والذي يشترط على المقاولات الصحافية الصغيرة التوفر على رقم معاملات يفوق 200 ألف دولار سنويًا يعد قرارًا تعجيزيًا وغير عادل”، لذلك فإنه “يقصي شريحة واسعة من المقاولات الصحافية الصغيرة التي لا تستطيع بلوغ هذا الرقم نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها في ظل تراجع الموارد، خاصة وأن العديد من المنشآت الصحافية المشاركة في برامج الدعم الحكومية لا تستطيع الوصول إلى هذا الرقم”.
وأبرز علي مبارك، مدير نشر موقع “تلكسبريس” متحدثًا إلى “القدس العربي”، أن “إقصاء هذه المقاولات من الدعم العمومي سيؤدي إلى تدمير نحو 3000 مقاولة صغيرة في القطاع، ما سيترتب عنه فقدان آلاف المناصب في ميدان الإعلام، والتي تشمل أكثر من 2000 صحافي وتقني ومتعاون”، وزاد موضحًا أن “هذا القرار يمثل تهديدًا حقيقيًا لاستدامة العديد من الصحف والمواقع الإخبارية التي تشكّل جزءًا أساسيًا من المشهد الإعلامي المغربي، ويخدم مصالح قلة من المقاولات الكبيرة على حساب التنوع الإعلامي والإثراء الصحافي المحلي”. وختم المتحدث تصريحه بمطالبة “الجهات المعنية بإعادة النظر في هذه الشروط المجحفة التي لا تأخذ بعين الاعتبار التحديات الحقيقية التي تواجهها المقاولات الصحافية الصغيرة، والتي تساهم بشكل كبير في تنشيط القطاع الإعلامي وتوفير فرص عمل للشباب، وذلك بما يتماشى مع روح دعم الإعلام الوطني بشكل عادل ومتوازن”.
هيئة مهنية أخرى قالت إنها تنظر “إلى مفهوم إصلاح المنظومة الإعلامية بشكل شمولي وتشاركي”، وجاء ذلك على لسان الصحافي توفيق نديري، الناطق الرسمي باسم “الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال”، الذي اعتبر أنه لا يمكن عزل “النقاش حول الدعم الموجه للصحافة خارج منطق هذه التشاركية التي يجب أن تجمع كل المكونات والتنظيمات المهنية، سواء أكانوا ناشرين أو صحافيين، كما لا يمكن عزل الإصلاح عن ضرورة ربطها بالاتفاقيات الجماعية التي تراعي حقوق كل المشتغلين في المجال، بما يضمن استفادة الصحافيين من هذا الدعم الذي يجب أن يكون موجهًا للموارد البشرية بشكل أدق”.
وعلى هذا الأساس، جدد نديري في تصريح لـ “القدس العربي”، الدعوة إلى “ضرورة تبني مقاربة شمولية وتشاركية، ما دامنا نتحدث عن قطاع مهني ومجتمعي من المفترض ألا تحكمه الحسابات السياسية أو الفئوية ولا يمكن أن تتحكم فيه السلطة التنفيذية دون تفعيل الفلسفة التشاركية مع كل المعنيين بالقطاع”. وحسب المتحدث، فإنه “بصرف النظر عن غياب ما نشدد عليه من مقاربة تشاركية، نعتبر أن إخراج الدعم بهذه الصيغة دون مراعاة السياقات والعدالة والمجالية والأزمة التي تصيب كل المقولات الكبرى، لا يمكن إلا أن يخلق واقعًا مجتمعيًا صعبًا لدى مئات المهنيين، مع طرح السؤال البديهي: ماذا قدمت الحكومة من بدائل لحماية المقصيين من دعم؟!”.
وفي قراءة قبيلة للمقبل من يوميات الرفض لشروط الدعم الجديدة، قال توفيق نديري: “لا شك أننا مقبلون على مرحلة احتجاجية قوية وقسرية، ما دام أن مصير أسر مهددة بالضياع باستحضار الشروط المجحفة وغير العادلة لصيغة الدعم الحالي”، واستغل الفرصة كناطق رسمي باسم “الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال”، والكاتب الوطني لـ “النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام”، للتعبير “عن التضامن مع المقاولات المقصية”، كما ضم صوته لصوت اتحاد المقاولات الصغرى في رفض هذا الدعم والضغط في اتجاه فتح حوار جاد وشفاف للبحث عن حلول كفيلة بتطوير المقاولات الكبرى وتحسين مستوى المقاولات الصغرى بما بخلق تجانسًا وتكاملًا في القطاع، مع التنبيه على ضرورة عدم المس بمبدأ التعددية وحرية الممارسة في ظروف إنسانية ومهنية.
من جهته، كان الصحافي عمر أوشن، مباشرًا في حديثه عن هذا المستجد المتعلق بشروط الدعم الجديدة لأن “المقاولات الصغرى مهددة في قدرات الاستمرار والمنافسة”، بل هي “مهددة بالموت” عبر “الموت الرحيم أو الانتحار” لأن “الاستثمار في القطاع مغامرة محفوفة بالمخاطر”.
وأوضح أن “الدعم يشتغل بمنطق البقاء لنا لا لغيرنا، على وزن شعار قديم حزبي قال المغرب لنا لا لغيرنا”، وهو ما يسير على خطاه شعار “الصحافة لنا لا لغيرنا، والموت لمن ينافس ويدخل السباق”، وأشار إلى أنه الأسلوب نفسه “في الرياضة والفنون والكرة”، إنه “إقصاء بالفن والقانون”. وشدد أوشن على أن “الصحافة ليست بيع الآجر والإسمنت، بل هي عمل فكري وفني وإبداعي ونشر تقارير وأخبار، ومشاركة في التعددية، في السياسة والأفكار والآراء”.
وحسب المتحدث، فإن “ما يجري الآن صناعته فهو أسلوب دول شمولية تحكمية”، كما أن “الدستور وحالة المجتمع يقولان عكس ما تقرره الحكومة الآن”، وتساءل “أين التعددية والجهوية الموسعة ودعم المقاولات الصغيرة ومجلس منافسة؟”، موضحًا أن “المحتاج للدعم هو المؤسسة الصغيرة التي تملك طاقات وكفاءات لتصبح كبيرة، وليس الحيتان الكبيرة التي وصلت سن الشيخوخة وصار الدعم ريعًا ثابتًا عندها دون مجهود”. وزاد عمر أوشن قائلًا إن “فلسفة الدعم عندنا تتنافى مع الليبرالية والحريات التي نتحدث عنها، هو دعم في جبة ريع”، كما أن “الدعم أيضًا يحدده الخط التحريري، كلما كان (مطبطبًا)، مسايرًا للأهواء يضمن نصيبه، وفي حالة الخروج عن الخط، يتم قطع الماء والمرعى عبر أشكال أخرى منها الإشهار”.
أما رشيد لمسلم، مدير نشر موقع ” سياسي.كوم”، فقد اعتبر القرار “انتكاسة خطيرة وصدمة قوية تلقاها المهنيون ومدراء النشر خصوصًا في المقاولات الإعلامية المتوسطة والصغيرة”، لأنه في الوقت الذي “كان الجميع ينتظر أن تكون شروط الدعم متساوية ومؤهلة لقطاع الصحافة، ومن أجل محاربة كل أشكال سوء التدبير والتسيير، والبيروقراطية والقطع مع بعض الممارسات السابقة”، يأتي القرار المشترك “ليزكي استفادة مقاولات كبرى وإقصاء المقاولات الإعلامية الصغيرة والتي تضم خيرة الكفاءات الإعلامية التي اختارت تأسيس مقاولات إعلامية مستقلة عن الجهاز التنفيذي والتشريعي وتكافح من أجل البقاء خدمة لإعلام جدي ومسؤول ولمحاربة الرداءة والتفاهة”.
وفي حديثه لـ “القدس العربي”، أبرز لمسلم “أن الدعم الجديد، يزكي تغلل بعض الأطراف التي تحاول السيطرة على الإعلام خدمة لعلاقة جدلية بين السلطة والمال، وخدمة لأطراف حكومية، وهذا يظهر أن القطاع الوحيد الذي بقي يستفيد من الدعم العمومي هو قطاع الصحافة، والأرقام خطيرة تشير إلى تدني وتراجع وموت الصحافة المكتوبة، وتراجع مهول للمقروئية، في وقت كان الدعم من المفروض أن يتجه لتأهيل المقاولات الإعلامية الصغرى ودعم الشباب المقاول في مجال الإعلام والصحافة، بدل ضخ ملايين الدراهم في جيوب أرباب مقاولات يثيرون الكثير من الشبهات”.
المنتمون لاتحاد المقاولات الإعلامية الصغرى، راكموا تجارب مهمة وأساسية في منابر ذات صيت ورسالة مهنية، وقرروا تأسيس أو إنشاء مقاولاتهم الخاصة بسقف مالي جد متوسط، لكن سقف الممارسة المهنية لديهم مرتفع جدًا، فأغلبهم أسماء بارزة وحاضرة في المشهد الإعلامي المغربي، وجاء بيان هيئتهم سباقًا إلى الانتباه إلى الشروط التي وصفت “بالتعجيزية” في قرار الدعم الجديد، مؤكدين أن هذه الشروط “غير قابلة للتطبيق بتاتًا بالنسبة لجل المقاولات الصحافية الصغرى التي تعاني من شح الموارد والظروف المالية الصعبة”، و”هو ما يشكل تهديدًا حقيقيًا لتنوع المشهد الإعلامي في المغرب، ويشرعن لتسريح آلاف الصحافيات والصحافيين والدفع بهم نحو المجهول”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زيان:

    حكومة اخنوش تسعى إلى اقرار كل صوت يعارضها.

اشترك في قائمتنا البريدية