صحراء الجزائر.. من أرض جرداء إلى سلة غذاء 

حجم الخط
21

الجزائر- حسان جبريل:
تعاظم دور ولايات الجنوب الجزائري في الإنتاج الزراعي خلال السنوات الأخيرة، مدعومة بأكبر مشروعين زراعيين بشراكة أجنبية، ما يؤشر إلى تحول صحراء الجزائر التي كانت توصف بـ”الجرداء القاحلة” إلى “سلة غذاء للبلاد”.
ووفق بيانات رسمية كشف عنها رئيس البلاد عبد المجيد تبون، فإن القطاع الفلاحي (الزراعي) يساهم بنحو 35 مليار دولار في الناتج الداخلي الإجمالي للبلاد، ما يمثل 13 بالمئة.
ورغم بروز أقطاب زراعية بولايات جنوبية، تضاف إلى إنتاج محافظات الشمال، إلا أن الجزائر ما زالت تستورد عديد المنتجات على غرار القمح بنوعيه (الصلب واللين) والحليب المجفف.
وعانى الإنتاج الزراعي وخصوصا الحبوب، شمالي البلاد، من أزمة جفاف غير مسبوقة على مدار السنوات الماضية، بالنظر لاعتماد الجزائر على الزراعات المطرية في الغالب.

إنتاج الحليب المجفف

في 24 أبريل/ نيسان الماضي، وقّعت الحكومة الجزائرية على اتفاق مع شركة “بلدنا” القطرية لتنفيذ مشروع في جنوب البلاد لإنتاج الحليب المجفف لأول مرة.
وأشار وزير الفلاحة والتنمية الريفية يوسف شرفة حينها، إلى أن المشروع سيكلف 3.5 مليارات دولار، بشراكة بين الصندوق الوطني الجزائري للاستثمار (حكومي)، وشركة بلدنا القطرية.
ولفت شرفة إلى أن المشروع يمتد على مساحة 117 ألف هكتار (الهكتار= 10 آلاف متر مربع) بولاية أدرار الجنوبية، لإنتاج 50 بالمئة من حاجيات البلاد من الحليب المجفف، واستحداث 5 آلاف وظيفة.
ومن المنتظر أن يبدأ إنتاج الحليب في آفاق 2026، وسيضم مزارع لتربية الأبقار وإنتاج الحبوب والأعلاف والحليب واللحوم، ومصنعا للحليب المجفف.
ويحوز الطرف القطري ممثلا بشركة بلدنا على نسبة 51 بالمئة من أسهم الشركة المختلطة، مقابل 49 بالمئة للطرف الجزائري.
من جهته، صرح رئيس مجلس إدارة شركة بلدنا القطرية، محمد معتز الخياط، أن المشروع في الجزائر هو الأكبر من نوعه للشركة في العالم، لإنتاج 194 ألف طن من الحليب المجفف المحلي.
وأشار إلى أن المشروع سينطلق بمزرعة أولى تضم 50 ألف بقرة حلوب، على أن يصل عددها إلى 270 ألفا في السنة التاسعة، لإنتاج 1.7 مليار لتر من الحليب سنويا، و194 ألف طن من مسحوق الحليب.
وتستورد الجزائر نحو 1.3 مليار دولار سنويا من مسحوق الحليب المجفف، قي ظل عدم قدرة الإنتاج المحلي على تلبية حاجيات البلاد.

إنتاج القمح والبذور

قبل أيام، كشفت صحيفة “الشروق” واسعة الانتشار، أن السلطات الجزائرية وافقت على منح 36 ألف هكتار بولايتي تقرت وأدرار جنوبي البلاد، لشركة “بونيفيكي فيراريزي” الإيطالية، المدرجة في بورصة ميلانو، لإنتاج القمح والبذور.
ووصف المصدر ذاته أن الاتفاق يتعلق بثاني أكبر مشروع زراعي يقام بشراكة أجنبية في تاريخ البلاد، وسينتج القمح والبذور وفق تكنولوجيات حديثة.
وينتظر التوقيع على الاتفاق مع الطرف الإيطالي في غضون الأسابيع القادمة، على أن يبدأ تنفيذ المشروع الخريف المقبل.

اكتفاء بفضل الصحراء

منذ سنوات، برزت أقطاب إنتاجية في صحراء الجزائر على غرار ولايات وادي سوف الحدودية مع تونس، وبسكرة وتقرت والمنيعة وغرداية وأدرار.
وصار الزائر جوا لولايات الجنوب يشاهد بقعا خضراء دائرية منتشرة على مد البصر على غرار وادي سوف وبسكرة، وهي عبارة عن محيطات زراعية مسقية بالرش، بفضل توفر المياه الجوفية.
ووفق تقديرات حديثة لوزارة الري الجزائرية، فإن المياه الجوفية المشتركة بين الجزائر وتونس وليبيا تمتد على ما يزيد عن مليون كلم مربع، يوجد أغلبها في الجزائر.
وتشير التقديرات ذاتها إلى أن المنطقة المشتركة تتوفر على 60 ألف مليار متر مكعب من المياه الجوفية، منها نحو 40 مليارا على التراب الجزائري.
وتقول السلطات إن البلاد حققت اكتفاء في عديد الخضر والفواكه على غرار البطاطس والثوم والبصل والطماطم (البندورة)، بفضل إنتاج الخريف والشتاء والربيع بجنوب البلاد، ومحاصيل الربيع والصيف بولايات الشمال.
وإضافة لإنتاج التمور، انضمت الصحراء الجزائرية إلى قائمة منتجي عديد الفواكه على غرار البطيخ والرمان والزيتون والعنب بمختلف أنواعه.

الخير القادم من الصحراء

توجه اهتمام السلطات الجزائرية منذ عدة سنوات، نحو إنتاج الحبوب وخصوصا القمح بنوعيه الصلب واللين، بولايات الجنوب في ظل توفر المياه الجوفية بكميات هائلة.
وأظهرت صور بثها التلفزيون الرسمي منذ مطلع مايو/ أيار الجاري، عمليات حصاد ضخمة في محيطات فلاحية شاسعة على مد البصر بولايات أدرار والمنيعة وتقرت وورقلة وحتى إليزي بأقصى جنوب شرقي البلاد على حدود ليبيا.
ووفر الديوان الوطني المهني للحبوب العشرات من الآلات الحاصدة لضمان حصاد الغلال في وقتها، ومئات الشاحنات الكبيرة لنقل المحصول إلى المخازن.
ووصل إنتاج الهكتار بولاية وادي سوف الجنوبية إلى 120 قنطارا من القمح في حملة الحصاد لشهر مايو 2024، وهو رقم قياسي بحسب فيديو لفلاح جرى تداوله على نطاق واسع على المنصات الاجتماعية.
وعموما، يتوقع ديوان الحبوب الحكومي بلوغ إنتاج البلاد الإجمالي من القمح (حصاد الجنوب والشمال) أكثر من 7 ملايين طن، وهو رقم لم يتحقق منذ 2018.
وتستهلك الجزائر ما بين 9 إلى 12 مليون طن سنويا من القمح بنوعيه (اللين والصلب)، غالبيته مستورد من الخارج وخصوصا فرنسا وكندا بشكل محدود.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المخصصة للحبوب في الجزائر أكثر من 3.3 ملايين هكتار، حسب بيانات وزارة الفلاحة، منها 450 ألفا فقط مسقية.
وينتشر استهلاك القمح اللين بشكل كبير في الجزائر، إذ يستعمل الطحين في إنتاج رغيف الخبز في جل مخابز البلاد، بينما يستخدم طحين القمح الصلب (السميد) لدى العائلات في صناعة رغيف الخبز التقليدي خصوصا.

أسباب النجاح

في هذا السياق، يرى الإعلامي الجزائري المتخصص في الشؤون الزراعية، وصاحب منصة الفلاحة نيوز (الأكبر في البلاد)، أحمد زقاري، أن الصحراء الجزائرية تشهد منذ سنوات نهضة وثورة زراعية كبرى لعدة أسباب.
ويشرح أن الجنوب الجزائري شهد في السنوات الأخيرة إطلاق استثمارات كبرى في هذا القطاع مع اهتمام وتوجه كبير نحو استغلال مقدرات الصحراء من حيث جودة التربة وتوفر المياه من بسكرة شمالا إلى عين قزام بأقصى حدود البلاد الجنوبية، ما أدى لظهور أقطاب زراعية كبيرة جدا.
وشدد زقاري على أن هذا القطاع، صار يحظى باهتمام من السلطات العمومية وفيه اهتمام شخصي من طرف رئيس الجمهورية.
وقال: “الفلاح الذي كان يرى نفسه الحلقة الأضعف في المنظومة الاقتصادية للبلاد، أصبح هو الحلقة الأهم والرقم واحد والذي يحضر دائما في خطابات رئيس البلاد”.

منحى تصاعدي

من جهته يعتقد منيب أوبيري، وهو رئيس الاتحاد الجزائري للمهندسين الزراعيين، أن تطور الزراعة في الصحراء أخذ فعلا منحى تصاعديا منذ عدة سنوات، مشددا على أن المواصلة على هذا النهج ستجعل الجزائر سلة غذاء للقارة الأفريقية.

وأوضح أوبيري أن عديد المستثمرين الأجانب والمحليين استبشروا خيرا بقانون الاستثمار الجديد، الذي تضمن تحفيزات وضمانات عديدة من حيث التشجيع على إطلاق المشاريع في هذا القطاع وخاصة الحبوب والزراعات الزيتية والسكريات مثل البنجر السكري.
وعلق قائلا: “اليوم نشهد منحى تصاعديا وتوسعا في رقعة الاستغلال في المناطق الصحراوية للزراعات الاستراتيجية، وحتى من طرف شركات أجنبية بتحقيق أرقام باهرة، من حيث المردود بالنسبة للحبوب الذي تجاوز 80 قنطارا في الهكتار”.

(الأناضول)

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هشام:

    بفضل الرقمنة و إدخال الاقتصاد الموازي الذي يمثل أكثر من 40 بالمئة من الناتج الاجمالي إضافة إلى نسبة النمو العالية سيتضاعف حجم الاقتصاد إلى أكثر من 400مليار دولار و هذا هو الرقم الحقيقي . فالرئيس تبون رجل اقتصادي بامتياز استطاع في ظرف وجيز إعادة التوازنات المالية للبلاد خاصة التركيز على الروافد الاقتصادية المنتجة و في طليعتها الفزراعة التي تجاوز حجمها 35 مليار دولار اضافة الى الصناعة من خلال تسجيل أكثر من 5000 مشروع صناعي محلي سيدخل الانتاج قريبا إضافة إلى قطاع الخدمات بفضل تنشيط قطاع السياحة اضافة الى استغلال الموارد الطبيعية و تثمينها خاصة مناجم الفوسفات و الكلينكر و الحديد و الزنك وغيرها من الاتربة النادرة و الحمد لله البلد الآن قي راحة من جميع المجالات فاللهم زد و بارك و احفظ بلدك الجزائر من كيد الأعداء و دسائسهم و الذين يبذلون كل ما في وسعهم لتعطيل قطار التنمية الذي انطلق بقوة .

    1. يقول زيان:

      بفضل الله أولا ثم عمي تبون

  2. يقول سليم إڨمان:

    بسم الله الرحمن الرحيم.
    أمر جيد أن تحقق الجزائر الإكتفاء الذاتي في مجال الغذاء ولكن هناك شيء جد مهم يجب الإنتباه إليه من طرف السلطات القائمة علي الفلاحة و الري. يا إخواني ، الجزائر تستغل ثروتها المائية من مخزون المياه الجوفية في منطقة الصحراء و التي تشكلت علي مدار ألاف السنين ..هذا المخزون المائي الإستراتيجي من المياه الجوفية العالية الجودة خطاء إستراتيجي أن يستعمل هذا الماء في الري ..من المعروف إن زراعة الحبوب تستهلك كمية كبيرة من المياه لسقيها و في بعض الدول يمتع علي الفلاحين ري حقول القمح و الشعير و البذرة بالمياه أثناء أزمات الجفاف . الإكتفاء الغذائي لا يجب أن يحقق علي ضهر إهدار الثورة المائية و صديقوني يا إخواني ، في المستقبل القريب ستنشب حروب و نزاعات بين الدول بسبب ندرة الماء .

    1. يقول الهادي الغربي:

      اذا لم نستغله في الفلاحة الاستراتيجيو ففي ماذا تريد استغلاله …؟.. فقط معمر القذافي الذي يرحمه ويوسع عليه عشرون سنة وهو يمتص في مياه الصحراء وجعل منه نهرا لمئات الكيلومترات سماه النهر الاخضر حول ليبيا من صحراء قاحلة الى جنة خضراءء ولولا تامر الدول خوفا على الدولار للانه اراد ان يخلق عملة افريقية موحدة تستغني عن الدولار لكانت ليبيا اليوم والبلدان المجاورة شيئ اخر

    2. يقول احمد:

      اكبر إحتياطي في العالم للمياه الجوفيية يقع تحت ليبيا و الجزائر ..ما يسمى بالفرنسية ..la nappe albienne …ما يشكل 369 الف مليار متر مكعب ..إن تم إستغلاله بالطاقة القصوى ..سوف يستمر إلى 3000 سنة ..وولا خوف على الجزائر

  3. يقول منير:

    الحمد لله أرض الشهداء أرض مباركة تحيا الجزائر تحيا فلسطين تحيا حماس وليسقط التطبيع

  4. يقول نبيل:

    إذا استغل هذا الماء في الري وفقط لاباس فذالك الماء سوف يعود إلى مكانه المشكل إذا استعمل في الصناعة و لمياه الشرب هنا يكمن المشكل و اضن ان السلطات في دراية تامة لهذا الموضوع

  5. يقول الزوالي بورقعة:

    نرجو ان تصادق هيئات دولية مستقلة وذات مصداقية على هذه الأرقام التي تصدرها جهات رسمية حتى يتبدى تشكيك الكثيرين الذين يعتقدون أن هذه المعطيات المتفائلة هي في حقيقة الأمر مجرد تمهيدات لحملة إنتخابية مقبلة الخريف القادم وأن الشعب تعود على سماع الوعود الوردية والخيبات المتتالية بعدها منذ استقلال أوطاننا.

  6. يقول خثير:

    تذكير وتصحيح للخطأ
    ٤٠ الف مليار متر مكعب وليس ٤٠مليار متر مكعب

  7. يقول عبد الرزاقderrezak Tebib:

    هل تم تعديل قانون الشراكة في الجزائر ؟…. بحيث ذكرتم ان الطرف الجزائري يستحوذ على 49% و القطرية على 51%
    بينما كان القانون يمنع ذللك ؟

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية