لندن- “القدس العربي”:
رأت صحيفة “الغارديان” في افتتاحيتها أن محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، أثناء تجمع انتخابي في بنسلفانيا جاء وسط انقسام تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية. وأضافت أن المحاولة التي جرح فيها ترامب وقتل فيها متفرج، تشير إلى “لحظة صادمة ومخيفة” في السياسة الأمريكية.
وأضافت أن العنف السياسي ليس تطورا جديدا أو شذوذا في أمريكا، فترامب الذي نجا من المحاولة هو جزء من محاولات أخرى قتل فيها أربع رؤوساء إلى جانب مرشحين وموظفين في الدوائر الدنيا في الحكومة الأمريكية. وهناك الكثيرون تعرضوا لتهديد على حياتهم.
وأحيانا ما تكون هذه المحاولات فردية مثل جون هينكلي جي أر، الذي أطلق النار على رونالد ريغان وجرحه، وكان يعاني من مرض عقلي. وأحيانا تكون من عمل مجموعات صغيرة تريد تحيق هدف، كما في حالة قتل الرئيس أبراهام لينكولن. إلا أنها كلها تعبر عن الغضب المتصاعد في السياسة الأمريكية.
ورغم قلة ما يعرف عن القاتل البالغ من العمر 20 عاما، توماس ماثيو كروكس، إلا أنه كان مسجلا كناخب ديمقراطي، وقدم في عام 2021 مبلغا قليلا من المال إلى لجنة عمل تقدمية. وفي ظل التناحر والكراهية، فهناك الكثيرون في اليسار واليمين يتعاملون مع ما حدث يوم السبت بأنه جزء من موجة عنف وكراهية، وبدأ مصطلح “الحرب الأهلية” يظهر على منصات التواصل وبات “ترند”. وفي الوقت الذي دعا فيه ترامب الأمريكيين للوحدة وكذا الرئيس جو بايدن الذي دعا الأمريكيين لحل خلافاتهم بالعقل لا العنف، إلا أن أماكن كثيرة حول العالم شهدت عنفا سياسيا وتسامحا مع هذه التصرفات.
وكشفت دراسة أن أقلية صغيرة جدا تدعم اسخدام العنف من أجل أو ضد ترامب. ووصف مدير المؤسسة التي قامت بالدراسة، وهي مشروع شيكاغو للأمن والتهديدات أمريكا بأنها “علبة كبريت”. ويحمل عدد كبير من الأمريكيين السلاح، وهذا راجع لزيادة مبيعات الأسلحة في السنوات الأخيرة، وبنفس الوقت انتشرت المعلومات الزائفة، وسهلت الإنترنت على الناس الذين يحملون نوايا سيئة للتجمع والتنظيم. وتنتشر نظريات المؤامرة على اليمين واليسار، فصورة ترامب بوجهه الملطخ بالدم وقبضته أمام العلم الأمريكي، قوّت من عزيمة أنصاره، وبأنه “شهيد” ملاحق ومضطهد، قانونيا والآن جسديا، ولأنه يريد أن يجعل أمريكا “عظيمة مرة أخرى”.
وسارع ستيف سكالايز، زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، ونفسه الناجي من محاولة اغتيال على يد مسلح معاد للجمهوريين وبتاريخ من العنف والعدوانية، لاتهام الديمقراطيين ونشرهم “الخطاب الناري” والذي أدى لـ”تغذية الهستيريا السخيفة وأن إعادة انتخاب دونالد ترامب ستؤدي لنهاية الديمقراطية في أمريكا”.
ويجب عدم التسامح مع التحريض وشجب العنف، كما فشل ترامب بعمل ذلط عندما قال “مزح” ضاحكا من الهجوم الذي تعرض له بول، زوج زعيمة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وقال إن “من المعقول” تصرف الرعاع الذين هاجموا الكونغرس وهتفوا بشعارات الموت لمايك بنس، نائب الرئيس السابق بسبب غضبهم.
ويجب أن نكون حريصين بعدم استخدام أفعال العنف التي تقوم بها أقلية لإسكات النقاد. وهناك عدة أسباب حقيقية للإيمان بأن ترامب يمثل تهديدا على الديمقراطية الأمريكية، لكن لا يوجد أي سبب يدعو للاعتقاد أن العنف هو الوسيلة الوحيدة لوقفه. وعلى الساسة من كل الألوان الحرص في استخدام اللغة، والأمر يعود إلى الأمريكيين لتحويل هذه اللحظة القاتمة إلى نقطة تحول، لا الانزلاق إلى أمر أسوأ.
ورأت صحيفة “فايننشال تايمز” في افتتاحيتها أن أمريكا قدمت يوم السبت انحدارا جديدا في تاريخ العنف السياسي. وقالت إن محاولة اغتيال ترامب وظهوره بمظهر المتحدي يمكن أن يقود البلد والتي تشهد خلال السنوات الماضية استقطابا سياسيا مرا وميلا نحو العنف وتمضي في اتجاه مظلم. وعليه فمسؤولية الطبقة السياسية الأمريكية هي التأكيد على أهمية الهدوء السياسي. وتضيف الصحيفة أن العنف لا مكان له في الديمقراطية. ورأت أن إضعاف حرية الرأي والتسامح السياسي واستشراء التضليل عبر منصات التواصل الاجتماعي كانت علامة أمريكا في العقد الماضي.
وأصبح الخلاف السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين واسعا ومسموما، وجاء هذا إلى ميل نحو استخدام العنف السياسي كما في 6 كانون الثاني/ يناير 2021 وهجوم أنصار ترامب على الكونغرس. وتقول إن أحداث السبت وللأسف لم تكن أمرا شاذا في بلد له تجربة طويلة في الحكم الديمقراطي، فقتل الرؤساء والتآمر على قتلهم وقتل المرشحين أمر عادي. وتساءلت عن الكيفية التي ترد فيها ديمقراطيات على أحداث كهذه، باعتباره امتحانا كبيرا لها.
والخوف هو أن تغذي الأحداث الاحتراب السياسي. وقام ساسة في الحزب الديمقراطي بمن فيهم جي دي فانس، السيناتور عن أوهايو، والمرشح لأن يكون نائب ترامب في الحملة الرئاسية، باتهام حملة بايدن، وأن “الأساس الذي قامت عليه حملة ترامب هو أنه ديكتاتوري فاشي ويجب وقفه بأي ثمن”.
واستخدم ترامب خطاب العنف في حملته عام 2024، ودعا إليه بعد إنكاره نتائج انتخابات 2020، وهناك مخاوف من زيادة العنف وتعميق الانقسام، أو أسوأ من هذا هو استخدام أحداث السبت كمبرر لمزيد من العنف، ويجب تجنب هذا.
وفي الماضي كانت الاغتيالات السياسية مناسبة لأصحاب العقول في أمريكا للدعوة إلى الهدوء، وبمثابة صيحة تحذير، وهو ما تحتاج إليه أمريكا أكثر من أي وقت مضى. ويجب وزن أي تصريح بدقة قبل إطلاقه، وتجنب الجمهوريين إغراء استخدام ما جرى كصيحة تعبئة لأنصارهم.
وسُمع الرئيس السابق وهو يهتف: “قاتلوا” عندما أخذه الحرس للعناية الطبية، لكن اللهجة المعتدلة في منشوراته على منصات التواصل هي تطور مرحب به.
والدرس الذي يجب تعلمه من هذا الحادث هو أن العنف لا مكان له في الديمقراطية والبلد المنقسم على نفسه والذي يستخدمه هو بلد ضعيف. ولو انزلقت أمريكا بثبات نحو الخطاب الفوضوي العام، فيجب عليها أن تفكر كيف عن العوامل التي أوصلتها لهذه المرحلة. وبحسب دراسة مسحية، فنسبة 60% من الناخبين لا يعتقدون أن الانتخابات لن تحل مشاكل البلد السياسية والاجتماعية. ولهذا تؤكد أحداث السبت على حالة العفن الأمريكي وضرورة التخلص منها، وأن الديمقراطية لا يمكن التعامل كشأن مفروغ منه.
مسرحية ركيكة و مكشوفة
تمام ✌️🇵🇸😎🥴