الابتسامة الراضية لمن كنت أتحدث معه بدت واضحة من وراء خط الهاتف. الرجل، دبلوماسي كبير من دولة في الخليج، تلا عليّ ما نشره الرئيس المنتخب ترامب على شبكة “اكس” والذي طالب فيه بتحرير المخطوفين وإلا سنفتح بوابات الجحيم على المسؤولين عن الفظائع والاختطافات. “كلها تغريدة”، قلت. “أنت مخطئ، هذا بلاغ للعالم كله، نزعة المصالحة انتهت، أمريكا عظيمة مرة أخرى وهي مصممة على إظهار هذا”، كان الجواب. “لماذا حصل هذا”، سألت، والجواب: “بسببكم”.
هذه خلاصة الذخر الاستراتيجي الأكبر لدولة إسرائيل. قدرتها على التأثير على سياسة الولايات المتحدة – القوة العظمى في العالم. التقارب بين إسرائيل ودول الخليج ودول عديدة أخرى في العالم بدأ في الأزمنة التي كانت فيها العلاقة الإسرائيلية الأمريكية هي الأفضل. في زمن اتفاقات أوسلو أيضاً، حين نجح نتنياهو في بداية العقد الماضي في إقناع العالم للوقوف ضد المشروع النووي الإيراني وأساساً بعد أن دفع ترامب للتراجع عن الاتفاق النووي. هذا هو العامل الأساس الذي أدى إلى اتفاقات إبراهيم التي غيرت طبيعة النزاع، وهذا هو الاحتمال الأكبر لنشوء نظام جديد في الشرق الأوسط.
شدد الدبلوماسي الخليجي في حديثه، على أن هذه قد تكون فرصة أخيرة لعمل ما يلزم، لمعالجة النظام الإسلامي في إيران، وإحداث زخم اقتصادي متجدد يطور المنطقة كلها، وكذا لحل في المسألة الفلسطينية بمشاركة دول الخليج.
تغيير في أوروبا أيضاً
هذا التأثير بدأ يتسلل إلى أوروبا أيضاً. فاستبدال ممثل السياسة الخارجية المناهضة لإسرائيل جوزيف بوريل بكايا كلاس الأكثر ودية بكثير، سيسمح لأصدقاء إسرائيل بمنع قرارات مناهضة لإسرائيل بسهولة أكبر. وزير الخارجية جدعون ساعر سيستقبل بشكل مختلف تماماً في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في مالطا، وسيكون الضغط على إسرائيل من هذا الجانب أخف بكثير.
والذخر الاستراتيجي موضع الحديث يفترض أن يساعد في تحقيق هدف إسرائيل الاستراتيجي: تقليص النفوذ المهدد لإيران على المنطقة، تمهيداً لهدف بعيد المدى، لإسقاط النظام الإسلامي. الطريق إلى هناك يمر في الاقتصاد أو للدقة، بشل الاقتصاد الإيراني، وهذا ما يمكن الغرب بقيادة الولايات المتحدة ترامب ان يفعله، وبدون الكثير من الجهد. في هذه الأثناء، تواصل الولايات المتحدة سياسة تشديد الضغط الاقتصادي على إيران، من خلال فرض العقوبات على تصدير النفط الإيراني. نذكر بأنه منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في ولاية ترامب السابقة، فرضت العقوبات على تصدير النفط الإيراني من جديد. غير أن ولاية بايدن توقف الإنفاذ في أثناء.
الموجة الأولى من العقوبات فرضت في أيلول، وأعلنت وزارة المالية الأمريكية الآن عن الموجة الثانية، عقوبات على 35 شركة تشارك في تهريب النفط الإيراني. حسب بيان الوزارة، 14 شركة مسجلة في الهند، والإمارات، والصين، وهونغ كونغ، والباكستان، وليبيريا، وجزر مارشال وإيران، تندرج في القائمة الجديدة.
يدور الحديث عن شركات سفن ونقل بحري وموانئ وتصفية نفط لمنتجات أخرى، كلها في سلسلة تبييض النفط الإيراني أو نقله إلى الموانئ المقصودة. إلى جانبها، أعلن الأمريكيون عن عقوبات على 21 ناقلة نفط تشارك في تهريب النفط ومنتجاته والبتروكيماويات الإيرانية. هذه هي الناقلات التي تشكل جزءاً مهماً من “أسطول الأشباح” الذي يعمل في نقل وإخفاء النفط الإيراني، من خلال النقل من ناقلة إيرانية في قلب المحيط الهندي.
إيران ستفقد المزيد من المداخيل
في أيلول كان التصدير الإيراني لا يزال محافظاً على حجم يقترب من 2 مليار برميل في اليوم، في أكتوبر بدأ يهبط إلى محيط 1.6، وفي تشرين الثاني وصل إلى 1.5
حسب تقديرات الخبراء، إذا ما واصل تشديد ميل الإنفاذ بل وأكثر من ذلك في عهد ترامب، فستفقد إيران نحو 30 مليار دولار من مداخيلها في السنة.
الدول الأوروبية الغربية التي كانت شريكة متحمسة للاتفاق النووي الكارثي في 2015 ساعدت إيران بشكل غير مباشر للتغلب على العقوبات بعد انهيار الاتفاق في 2019، وامتنعت عن مساعدة الأمريكيين. أما الآن فالصورة مختلفة. أولاً، وقوف إيران إلى جانب روسيا في الحرب في أوكرانيا بإرساليات السلاح وغيرها من المساعدات. ثانياً، النفط الإيراني الزهيد على نحو خاص يشحن الاقتصاد الصيني الذي يشكل أداة للحكم الشيوعي في صراعه ضد العالم الغربي. ثالثاً، ترامب عاد، وتعييناته تتميز بخط متصلب على نحو خاص تجاه إيران. سيتعين على أوروبا السير على الخط رغم وجود ماكرون رئيساً لفرنسا يتبنى النهج المتصالح تجاه إيران وتجاه محافل إرهاب أخرى، توجد في أوروبا مواقف أخرى آخذة الآن في احتلال مزيد من المكان والقوة.
وعودة إلى أقوال ترامب في مسألة المخطوفين. الأقوال تتغلغل وتؤثر على جدول أعمال الصفقة التي بخلاف سابقتها في الصيف تعنى بعموم المخطوفين. نقطة الخلاف الأساسية ولا تزال هي تواجد الجيش الإسرائيلي في القطاع، لكن ثمة تراجع من حماس عن موقفها الأكثر تصلباً.
ملاحظة نهائية: أول أمس، نشر على لسان “مصدر في طاقم المفاوضات” بأن الانسحاب الإسرائيلي الكامل شرط ضروري للصفقة. أنا صحافي أتغذى بالتسريبات، لكني لا أفهم مصلحة المسرب في هذه الحالة. حتى لو كان هذا صحيحاً، فأي أساس لموقف إسرائيلي آخر حين نجلس لمفاوضات محتملة إذا كان المحفل المغفل ينشر منذ الآن كتاب استسلام؟
داني زاكن
إسرائيل اليوم 5/12/2024
جزيل الشكر من الصحفي