بينما تهب رياح الحرب في الجبهة الشمالية وتواصل قوات الجيش العمل في رفح وشرق مدينة غزة، تقدم جبهة جنين تذكيراً أليماً آخر على الواقع الأمني المتحدي في شمال “السامرة” [شمال الضفة الغربية].
درجة الارتفاع في أعداد العبوات الناسفة وتفعيلها ضد جنود في محاور الوصول إلى البلدات الفلسطينية ومخيمات اللاجئين في “السامرة” [شمال الضفة الغربية] يجسد سياقات تعاظم قوة وتعلم عناصر الإرهاب في المنطقة. التهديدات التي يطلقونها نحو البلدات الإسرائيلية في خط التماس تدل على ميلهم.
مسيرة “التحول إلى غزة” التي تمر على منطقة الضفة بدأت قبل 7 أكتوبر، لكن بإلهام الحرب، وبعد التكيف مع أنماط عمل الجيش الإسرائيلي، ربما تنال الزخم وتعاظم تحديات القتال متعدد الجبهات، إذا لم تقتلع بسرعة.
لجنين تاريخ منطقة امتازت بالعنف؛ هذا محيط جغرافي وسياسي واجتماعي واقتصادي. منذ البداية، كانت قبضة الحكم المركزي فيها واهنة. هكذا كان منذ الثلاثينيات، في عهد الانتداب البريطاني، عندما صفت قواته عز الدين القسام في منطقة قرية يعبد، الذي ذاع اسمه لاحقاً كملهم ورمز.
في أثناء الانتفاضة الثانية، اتخذت المنطقة صورة قلعة المقاومة. المعركة في مخيم جنين للاجئين تعد أحد الأحداث القاسية في حملة “السور الواقي”. منذئذ برز التعاون بين المجموعات المختلفة في المخيم، وهكذا أيضاً استخدام العبوات والألغام الناسفة، والاستعانة بالسكان وبالمنشآت المدنية للاختبار ولتخزين الوسائل القتالية. فكرة المقاومة في جنين أصبحت رمزاً لمنظمات الإرهاب وقدمت إلهاماً للمخربين الفلسطينيين في كل المناطق.
في العقد الثاني ما بعد “السور الواقي”، تثبتت هذه المنطقة كمعقل الإرهاب في “السامرة” وكمركز انطلاق منفذي العمليات إلى أرجاء الضفة بخاصة، وإلى إسرائيل بعامة.
قبل سنة بالضبط، شرع الجيش الإسرائيلي في حملة واسعة في هذه المنطقة استهدفت كبح تعاظم الإرهاب والقضم من قدراته. وكان الهدف خلق ظروف تسمح لقواتنا بتنفيذ عمليات الإحباط مستمرة دون الاضطرار لقوات كبيرة ووسائل خاصة. حققت الحملة نجاحاً، لكن نهاية عملية واحدة كانت رصاصة بدء في المنافسة على تعاظم القوة واستعداداً للحملة التالية.
منذ نشوب الحرب اعتقل أكثر من 4200 ناشط إرهاب من الضفة، بمتوسط 16 ناشطاً في اليوم. 1750 من المعتقلين هم مخربو حماس. تفيد المعطيات بكثافة جهود الإحباط، وبإمكانية الإرهاب الكامنة في الضفة. نتائج الاستطلاع المفصل برئاسة خليل الشقاقي والتي نشرت هذا الشهر، أشارت إلى تعزز مكانة حماس في الضفة. 73 في المئة من المستطلعين أيدوا هجمة حماس في 7 أكتوبر. في المعدل العام، سجل ارتفاع -قياساً لاستطلاع سابق- داعم لحماس بين سكان الضفة.
هذه الصورة تستوجب من جهاز الأمن تبني نهج أكثر حزماً وبلا هوادة تجاه الإرهاب في الضفة. مسيرة “التحول إلى غزة” يجب أن تجري أيضاً من جانب إسرائيل تجاه بؤر الإرهاب، وينبغي تشديد الضغط عليها. إذا اختارت جنين التصرف كغزة، فستبدو كغزة.
من الصواب تشديد الجهود لإحباط بؤر التخريب. من الصواب إدراج غارات من الجو في ذلك لتقليص المخاطر على قواتنا. يجب المواصلة في أعمال منع تهريب المواد المتفجرة ووقف إدخال المواد مزدوجة الاستخدام. كما ينبغي التفكير بتعريف نظام خاص في نطاق التماس، بما في ذلك تعليمات خاصة بفتح النار لاقتلاع أفكار تكرار هجمات بإلهام 7 أكتوبر من جذورها.
منطقة الضفة تعرف كساحة ثانوية للمعركة متعددة الجبهات. نجاح الجهود تجاهها سيبقي هذا التعريف ويمنع تدهور هذه المنطقة إلى واقع تريد إيران وحزب الله وحماس أن تراه.
خطوط حمراء لسلوك يمنع عودة إلى 6 أكتوبر
في مسيرة زاحفة وعلى طريقة “الضفدع المطبوخ” من شأننا العودة إلى الواقع الغزي قبل 7 أكتوبر، إذا لم ترسم خطوط حماس واضحة لسلوك المنظومة في المسائل المرتبطة غزة والمعاضل التي تطرحها.
ما لم تتحقق أهداف الحرب ولم تتبلور صفقة لتحرير المخطوفين، فلا سبب يدعونا لتخفيف الضغط عن حماس وبالتأكيد لتبني نهج معتدل في مجالات قد تؤثر على تحقيق الأهداف. العكس هو الصحيح؛ ونقترح مواصلة الأعمال في غزة في إطار المبادئ وخطوط التوجيه. المستوى السياسي والأمني يقرران “خطوط حمراء”، في مسائل تحيط بها مخاطرة لتآكل زاحف ومن شأن تأثيرها أن يفشل تحقيق الأهداف – كلها أو بعضها. مثلاً: قواعد النظام الخام في المستوى الأمني (بما في ذلك مصير المنطقة التي تعرف كـ “منطقة أمنية”).
سياسة تفعيل النار للمس بحوكمة حماس؛ والسياسة ضد مشاركي مذبحة 7 أكتوبر ممن لا ينتمون رسمياً إلى منظمة الإرهاب. إزالة عناصر تهديد محتملة على أهداف في إسرائيل (بدلاً من تحصين القطار أو الخوف من المباني العالية في “سديروت”).
سياسة إدخال المساعدة الإنسانية – كم، ممن، شكل التنسيق والتفتيش؛ والسياسة بالنسبة لإدخال الوسائل مزدوجة الاستخدام للقطاع (بما في ذلك للمنشآت الإنسانية) وبالنسبة للأعمال المتعلقة بالبنى التحتية في غزة (مثل ربط منشأة التحلية في غزة بالكهرباء).
بالنسبة لصورة الحرب الكبرى، قد يتخذ البحث في هذه المسائل صورة الانشغال بالصغائر، لكن تأثيرها المتراكم على حوكمة حماس وعلى فرص انتعاشها وعلى تغيير الواقع الأمني في المنطقة، يلزم المستوى السياسي للنزول إلى أعمال هذه المواضيع أيضاً.
مئير بن شباط
إسرائيل اليوم 28/6/2024
شل الله ألسنتكم وأنزل عليكم ما تستحقوا.