الوثيقة التي وافق عليها لبنان و»إسرائيل» في 27 نوفمبر الماضي عنوانها «ترتيبات وقف الأعمال العدائية» وليس وقف الحرب. لا وقف للحرب بين «إسرائيل» وحزب الله بما هو المقاومة التي قاتلتها فعلاً وليس دولة لبنان. من لديه شك فليقرأ ما قاله بنيامين نتنياهو في معرض تبرير موافقته على تلك الترتيبات، فقد أكد أن حربه لن تتوقف إلاّ بعد تحقيق كل أهدافها.
إلى اعتزامه القضاء على «حماس» وحزب الله، أعاد نتنياهو تذكير جمهوره بأنه ينوي أيضاً تصفية حساب «إسرائيل» مع إيران، كما حرص على تحذير الرئيس بشار الأسد بـِ»عدم اللعب بالنار»، ولم يتأخر في تنفيذ وعيده، إذ باشرت دباباته على التوّ بإطلاق النار لتعطيل موكب تشييع مواطنة من بلدة الخيام، كما لتدمير الملعب البلدي في بلدة كفركلا، ثم ما لبث أن أصدر بياناً ينذر أهل جنوب لبنان العائدين إلى ديارهم بالتوقف عن التجوال. أخطرُ خروقاته لتلك الترتيبات قيامُ سلاحه الجوي بقصف موقع للمقاومة في محيط مدينة صيدا شمالي نهر الليطاني، الذي يحدّ المنطقة غير الخاضعة لترتيبات وقف الأعمال العدائية.
يترّدد أن ما حدث في شمال سوريا، لا يمكن فصله عن سياسة أمريكا وأنشطتها حيال لبنان وسوريا والعراق، لأنها صاحبة مشروع الشرق الأوسط الجديد
في اليوم التالي لتوقيع وثيقة الترتيبات، حَدَث تطور أمني لافت إذ قامت مجموعات من «هيئة تحرير الشام» وحليفاتها التي ترعاها تركيا بالهجوم على مدينة حلب شمالي سوريا، والسيطرة على غالبية أحيائها وتهجير الآلاف من سكانها. ما سرّ هذه الهجمة المفاجئة؟ وهل لها علاقة بتحذير نتنياهو للأسد بـِ»عدم اللعب بالنار»؟ كان نتنياهو قد أعلن أن القضاء على حزب الله هو أحد أهداف حربه في لبنان، وسارع إلى تأكيد «التزامه» هذا بقصف موقع، زعم أنه للمقاومة شمالي نهر الليطاني مخالفاً بذلك بنود الترتيبات لكون الموقع المستهدف يقع خارج منطقة الحرب، ولأن الترتيبات لا توليه صلاحية إزالة «المخالفة» المزعومة بنفسه.
اتضح أن نتنياهو بنى خروقاته تلك على مقدّمة وثيقة الترتيبات، التي جاء فيها أن لبنان وسوريا اتفقتا على «تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 بالكامل، الذي يؤكد الالتزام بقرارات مجلس الأمن السابقة بما في ذلك نزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان». لم تنصّ مقدمة الترتيبات على تحديد أيٍّ من «قرارات مجلس الأمن السابقة» المشار اليها في قرار مجلس الأمن الدولي المتخذ في 2004/9/2 الذي يدعو في الفقرة 2 منه إلى «حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتجريدها من السلاح». إذا افترضنا جدلاً أن المقصود هو قرار مجلس الأمن الدولي آنف الذكر، فإنه لم ينصّ على أن من حق أحد اطراف النزاع تنفيذ قرار حلّ أي ميليشيا وتجريدها من السلاح، لأن المرجع الصالح لتنفيذ قرار الحلّ والتجريد من السلاح هو حكومة لبنان، وليس أيّ طرف آخر غيرها. غنيّ عن البيان أن حكومة لبنان ليست في وارد حلّ حزب الله، وليس في مقدورها ذلك أصلاً.
في ضوء هذه الواقعات والتشويه المتعمّد لبنود الترتيبات، ولقرارات مجلس الأمن الدولي نستشفُ أن نتنياهو يعتزم ملاحقة حزب الله في ايّ مكان يوجد فيه داخل لبنان أو خارجه، ذلك أن وحدات من مقاتلي حزب الله موجودة في شمال سوريا، لدعم جيشها في مواجهة مختلف التنظيمات الإرهابية المعادية لحكومتها. هل يُعقل أن تقوم «هيئة تحرير الشام» وحليفاتها بتلك الهجمة الواسعة والمفاجئة لمدينة حلب من دون أن تكون مدعومة من تركيا التي ترعاهم؟ كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد دعا مراراً الرئيس الأسد إلى التفاوض معه لإيجاد تسوية للخلافات العميقة والمزمنة بين البلدين، لكن الأسد اشترط لتقبّل دعوته، أن يتعهّد أردوغان مسبقاً بإخلاء الأراضي السورية المحتلة شمالي حلب. عدم استجابة الأسد حمل أردوغان على الاعتقاد بأن الطريقة الأفعل لقبول الأسد بالتفاوض هي في الضغط عليه بهجمةٍ تشنها هيئة تحرير «الشام» وحليفاتها. يترّدد كثيراً أن ما حدث في شمال سوريا وما زال يتفاعل، لا يمكن فصله عن سياسة الولايات المتحدة وأنشطتها حيال لبنان وسوريا والعراق. ذلك أنها صاحبة مشروع الشرق الأوسط الجديد وأن «إسرائيل» هي المستفيد الرئيس منه، وان غايته القصوى تفكيك لبنان وسوريا والعراق إلى مجموعة كيانات تقوم على أسس مذهبية، أو إثنية، أو قبلية، بحيث تكون معها «إسرائيل» الدولة المركزية الأقوى والأقدر على توجيهها والإفادة من مواردها وأسواقها. لتحقيق هذه الغاية، ولو على مراحل، وجدت الولايات المتحدة و»إسرائيل» أن ثمة قوتين فاعلتين مقتدرتين تناهضان هذا المشروع الخطير هما، المقاومة العربية بكل فصائلها من جهة، ومن جهة أخرى إيران التي قامت بدعم أطراف محور المقاومة بالمال والسلاح والخبرات والمواقف السياسية منذ أكثر من عشر سنوات. واشنطن نفت تورطها في هجمات «هيئة تحرير الشام» وحليفاتها، لكن علاقتها القديمة مع تنظيم «داعش» الإسلامي المتطرف، وغيره من تفرعات تنظيم «القاعدة» حملت الكثير من المراقبين على التسليم بأنها تُشارك بشكل أو بآخر بهذه الهجمة التي تشنّها مجموعة فصائل معارضة للحكومة السورية، تربطها بأمريكا علاقات ومصالح. ولا شك في أن ممارسات هذه التنظيمات المناهضة لدمشق تخدم أغراض واشنطن وتل أبيب المعاديتين لإيران، ولتنظيمات المقاومة المنتشرة في بلاد الشام وبلاد الرافدين وجبال اليمن. إلى ذلك، ثمة ظاهرات لافتة لا سبيل إلى تجاهلها: ـ الانهيار السريع لمواقع الجيش السوري الدفاعية في حلب ومحيطها، قيل إن إخلاءها تمّ بقصد تنظيم التحشيد والاستعداد اللازمين لشن هجوم معاكس ضد الذين هاجموا حلب، وعليه، فإن الميدان سيشهد في قابل الأيام على مدى صحة هذا التدبير أو هشاشته.
ـ التأخّر الروسي الملحوظ في دعم سوريا جوّياً ولوجستياً لصدّ هجمة «هيئة تحرير الشام» على حلب ومحيطها، يبعث على الاستغراب لأن لروسيا قاعدة عسكرية وقوات في مدينة طرطوس، وأخرى جوية وطائرات في مطار حميميم بالقرب من مدينة اللاذقية، يُفترض أن تكون جميعها جاهزة بعديدها وعدّتها للمشاركة فوراً في صد الهجمة المفاجئة.
ـ صحيح أن قيادات إيرانية عدةً بادرت إلى تأكيد دعمها لسوريا، حكومةً وشعباً وجيشاً، لكن لا يمكن الجزم، حتى كتابة هذه السطور، بأن فارقاً ميدانياً محسوساً قد تحقق بعد تأكيد الدعم الإيراني.
ـ قيادة حزب الله كما غالبية جمهوره يؤكدون أن المقاومة حققت انتصاراً باهراً في مواجهة «إسرائيل». يبقى أن يعمل هؤلاء جميعاً لتأمين انتصار مماثل على القوى والتنظيمات التي ترعاها أمريكا و»إسرائيل» اللتين قامتا بنقل حربهما على قوى المقاومة إلى شمال سوريا وربما بعد ذلك إلى العراق.
ـ لوحظ أن منظمة «قسد» الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة في شمال سوريا، لم تتخذ موقفاً معادياً من «هيئة تحرير الشام». ولعلها تنتظر موقف تركيا من مضاعفات هجمة هذه القوى الموالية لها لتتخذ في ضوئها موقفاً واضحاً.
يبقى سؤال: ماذا سيكون موقف دونالد ترامب بعد أن يضطلع بسلطاته في العشرين من شهر يناير 2025؟
كاتب لبناني
[email protected]
ان حزب الله خسر الحرب الحالية امام اسراءيل. هذا هو الواقع. الدول العربية لا تتمكن من مواجهة اسراءيل لآن الولايات المتحدة الأمريكية وكل قواها السياسية والعسكرية والمالية مصممة على تحقيق هيمنة اسراءيلً على الشرق الأوسط. الغالبية العظمى للدول العربية اما خاءفةً او تحاول تجنب الدمار وهذا ما حصل في لبنان. عندما تشاهد في التلفزيون او تقرأ الصحف يصيبك نوع من الغثيان من هول ما تعرض له لبنان على أيدي العصابات الصهيونية. لا يوجد في الافق سلام عادل. على الدول العربية ان تجتمع وليس في المستقبل لتقرر هل بامكانها القيام بعمل فعال؟