يحشد الحزب الديمقراطي الأمريكي أعضاءه وأنصاره، لمحاولة عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكانت مثل هذه الدعوات صدرت إبان التحقيق في صلاته بروسيا، ولكن هذه المرة ذهبت رئيسة مجلس النواب في الكونغرس نانسي بيلوسي إلى أبعد من ذلك، وشكلت لجنة لبحث الموضوع. ذلك، بسبب المكالمة الهاتفية المثيرة للجدل التي أجراها ترامب مع رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي خلال الصيف، والتي دعا فيها نظيره الأوكراني للتحقيق حول جو بايدن، ، فيما تشير استطلاعات الرأي إلى أن بايدن هو المرشح الديمقراطي الأوفر حظا لهزم ترامب في انتخابات 2020. ويعتبرالديمقراطيون أن هذا الاتصال يمثل «سوء استخدام للسلطة» ويشكّل قدراً من الخطورة يستدعي عزل ترامب.
من جانبه يحشد الرئيس الأمريكي كافة أنصاره ومؤيديه لإفشال إجراءات عزله، من خلال خطة مدروسة تقوم على أربعة محاور، تأكيد براءته، طرح نفسه في موقع الضحية، توجيه التهمة إلى جو بايدن، وشن الهجوم على الحزب الديمقراطي، معتبرا نفسه «في حالة حرب، وأن مستقبل أمريكا برمته على المحك»، مؤكدا أن اتصاله بزيلينسكي كان خاليا من أي شوائب وقانونيا تماما وعاديا. ويردد العديد من حلفاء ترامب منذ ذلك الحين هذه الحجج نفسها، ومن بينهم السيناتور النافذ ليندسي غراهام. وصرح النائب الجمهوري مارك ميدوز متحدثا لشبكة «فوكس بيزنيس» التي تلقى متابعة واسعة في الأوساط المحافظة، أن «الرئيس لم يرتكب أي خطأ».
وفي هجومه على الديمقراطيين، وعلى قاعدة «خير وسيلة للدفاع هي الهجوم»، سماهم بـ»الهستيريين» وأنهم يقومون «بتعذيب» أشخاص محترمين من خلال وسائل إعلامهم الفارغة، وأن دوافعهم الحقيقية هي التأثير على نتائج الانتخابات المقبلة»، مركزا وأنصاره هجومهم على جو بايدن، فقد نشر ترامب إعلاناً انتخابيا يؤكد أن «جو بايدن وعد أوكرانيا بمليار دولار إن هي أقالت المدعي العام الذي كان يحقق في شركات ابنه». لقد سبق وأن عمل هانتر بايدن لحساب مجموعة غاز أوكرانية منذ 2014 في وقت كان والده نائبا للرئيس باراك أوباما، وحتى 2019، وجرى لفترة تحقيق قضائي بشأن عمله في الشركة، غير أنه أغلق من غير توجيه أي اتهامات. وعلى الرغم من أن الأوكرانيين لم يتهموا بايدن بأي تهم، إلا أن ترامب وأنصاره، يركزون هجماتهم على المرشح الديمقراطي. وفعلا، تحظى حججهم بصدى جيد لدى العديد من مقدمي البرامج في شبكة فوكس. لكن البعض في الشبكة نفسها يشككون في هذه الرواية. وصرح كريس والاس أحد أبرز صحافيي الشبكة، بأن «رسالة المدافعين عن الرئيس ليست مفاجئة، لكن أعتقد أنها مضللة».
بداية فإن «العزل» يعني توجيه اتهامات في الكونغرس قد تشكل أسسا لإحالة الرئيس إلى القضاء. أما بالنسبة لمراحله، فيتوجب أن تتماهى والفقرة الثانية من المادة الأولى من الدستور الأمريكي، التي تنص في هذا السياق على أن الرئيس «قد يعزل من المنصب في حالة اتهامه بالخيانة أو الرشوة أو غيرها من الجرائم والجنح الخطيرة»، أي أن مجلس النواب «يختار رئيسه والمسؤولين الآخرين، وتكون لهذا المجلس وحده سلطة اتهام المسؤولين»، لذا فإن العزل يجب أن يبدأ من مجلس النواب. كما يتوجب على المجلس أن يخوّل إحدى لجانه، وعادة ما تكون اللجنة القضائية، للتحقيق مع الشخص المعني. وفي حال حددت اللجنة وجود أمر ما، فإن بإمكانها إعادة مواد العزل للمجلس ككل، ليقوم بالتصويت بأغلبية بسيطة. وبما أن الديمقراطيين حاليا يسيطرون على مجلس النواب، فإن بإمكانهم بسهولة تحقيق ذلك ضمن صفوف الحزب، لكن هذه الخطوة الأولى فقط. فالفقرة الثالثة من المادة الثانية للدستور ترسل القضية برمتها إلى مجلس الشيوخ، حيث يسيطر الجمهوريون، إذ ينص الدستور على أن «لمجلس الشيوخ وحده سلطة إجراء محاكمة في جميع تهم المسؤولين». وعندما ينعقد مجلس الشيوخ لذلك الغرض، يقسم جميع أعضائه اليمين أو بالإقرار. وعندما تتم محاكمة رئيس الولايات المتحدة، يرأس رئيس القضاة الجلسات: ولا يجوز إدانة أي شخص بدون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين». ويتضمن الجزء الخاص بمجلس الشيوخ في عملية العزل، تجري محاكمة يكون فيها النواب مدّعون عامّون، بينما يكون مجلس الشيوخ أعضاء بهيئة المحلفين. ويجب أن يصوّت ثلثاهم بالإدانة، وبالقيام ببعض الحسابات يجب أن يكون عددهم 67 سيناتوراً على أقل تقدير، وبالتقسيم الحالي للحزب، فهذا يعني أن على 20 سيناتوراً جمهورياً أن يصوت لإدانة ترامب، على افتراض أن كل الديمقراطيين سيصوتون لصالح ذلك أيضاً (وهذا من الصعب تحقيقه) بسبب سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، لأن المعركة والحالة هذه ستتخذ طابع حزب ديمقراطي مقابل حزب جمهوري، وليس طابع خطأ اقترفه الرئيس.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن جو بايدن هو المرشح الديمقراطي الأوفر حظا لهزم ترامب في انتخابات 2020
في التاريخ الأمريكي، واجه رئيسان إجراءات عزلهما: الرئيس بيل كلينتون بتهم الكذب أمام هيئة محلفين كبرى وعرقلة عمل العدالة، بعد كذبه حول طبيعة العلاقة التي ربطته بمونيكا لوينسكي، وطلبه منها أن تكذب حول الموضوع بعدئذ، ولكن تجب الإشارة إلى أن الشعبية التي كان يتمتع بها كلينتون في ديسمبر 1998 كانت تبلغ 72%. ولكن، وعندما أحيلت القضية إلى مجلس الشيوخ في عام 1999، لم تحظ بتأييد الثلثين من أعضاء المجلس الضرورية لتمريرها. والرئيس الأمريكي الوحيد الآخر الذي واجه اجراءات العزل هو أندرو جونسون، الذي تولى منصب الرئاسة عام 1865، وكان الرئيس الـ 17 للولايات المتحدة. وكان مجلس النواب قد طالب بعزل جونسون عام 1868. وجاء التصويت على عزله بعد مضي 11 يوما فقط بعد تنحيته لوزير الدفاع أدوين ستانتون، بسبب عدم اتفاق الأخير مع سياسات الرئيس. ولم تغفل الصحافة الأمريكية أوجه الشبه بين تنحية ستانتون، وقرار الرئيس ترامب طرد رئيس مكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي الذي لم يتفق مع الكثير من سياساته. ولكن بخلاف الوضع مع كلينتون، نجا جونسون من العزل بفارق قليل جدا، إذ فشلت محاولة عزله بصوت واحد بفضل تصويت الجمهوريين. بالنسبة لعزل ترامب، فما زالت المسألة مبهمة، ذلك أن بإمكان إدارة ترامب التراجع عن موقفها الممانع، ومنح الكونغرس بعضا من المعلومات التي يطالب بها. وقد تسهم استطلاعات الرأي في اظهار أن التطورات الأخيرة تضر بأحد الحزبين الرئيسيين، ما يسهم في انهيار الارادة السياسية عندهما.
ومن جانب آخر، قد يقرر الحزبان التمسك بموقفيهما، وخوض معركة سياسية من الممكن أن تمتد طيلة أشهر الشتاء المقبلة. من زاوية ثانية، يبدو أن مساعي الحزب الديمقراطي للتأثير في نتائج انتخابات 2020 لمصلحة مرشّحه قد ترتدّ عليه، خصوصاً أن جو بايدن، محور القضية سيكون في موقف صعب على المدى المتوسّط، في حال تقرَّر التحقيق في أنشطته الاقتصادية حين كان نائباً لباراك أوباما.
أما حول تأثير عزل ترامب على صفقة القرن، بداية ووفقا للدستور والقانون الأمريكي، سيتسلم الحكم من بعده نائبه مايك بينيس، الصهيوني حتى العظم، الذي هو أكثر يمينية من ليبرمان، وشديد التأييد لإسرائيل، وهو كرئيسه يمثل التيار الانجليكاني المتماهي تماما مع مصالح المجمع الصناعي العسكري رأس المال المؤيد لدولة الكيان الصهيوني (وسبق للرئيس أيزنهاور أن حذّر من نفوذه وتأثيره على القرار السياسي الأمريكي)، ودائم التنسيق مع اللوبي الصهيوني (الأيباك) في الولايات المتحدة. من هنا تجدر الإشارة إلى أن أوساطا قوية في هذه الهيئات تخشى من تنفيذ بعض جوانب صفقة القرن، حرصاً منها على مزيد من الأمن الإسرائيلي، تماما كما يخشاها الليكود ونتنياهو، إضافة إلى أوساط اليمين المتطرف الإسرائيلي بجناحيه القومي والديني. من هذا السياق تأتي تأثيرات عزل ترامب على ما يعرف بـ»صفقة القرن» التي بدأت فعليا من خلال نقل السفارة الامريكية إلى القدس، وضم الجولان، والتوسع بشكل مرعب في بناء المستوطنات في الضفة الغربية خلال السنوات الاربع الماضية. وتأييد بل دفع رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو إلى إطلاق تصريحات كان اخرها وعودا بضم منطقة غور الاردن وشمال البحر الميت ومدينة الخليل إلى إسرائيل. ما يتوجب قوله أيضا في هذا المضمار: إنه بعزل ترامب قد تتأثر سلبا مواعيد إعلان وتنفيذ بنود الصفقة وصعوبة تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة من قبل نتنياهو أو غانتس، والأحداث تشير إلى احتمالية إجراء انتخابات جديدة، هذا إضافة إلى الرفض الفلسطيني الرسمي، كما الشعبي والجماهيري العربي لها. ثم أن مؤتمر المنامة الاقتصادي الذي عقد منذ شهرين لتسويغ وتسويق الشق الاقتصادي للصفقة، والذي أريد منه أن يكون مدخلا للشق السياسي، فشل فشلا ذريعا، وهو ما يشير إلى مصير البنود السياسية للصفقة أبقيَ ترامب أم تم عزله.
كاتب فلسطيني
حقاً ما قاله ألدكتور فايز رشيد في عنوان مقال اليوم “هل سيتم او لن يتم عزل ترامب فالأمر سيان”. بالحقيقة أن كافة قرارات رؤساء ألولايات ألمتحدة منذ قيام ألكيان الصهيوني كانت لمصلحة هذا ألكيان وان تفاوتت بالدرجات. لقد كان أفضلها هو ما صدر عن الرئيس كارتر. أن المشكلة ألأساسية للقضية الفلسطينية هي سيطرة منظمة ألأيباك ألصهيونية على ألولايات المتحدة. المهم هنا كما قال كاتب المقال هو فشل الشق ألأقتصادي لصفقة ألقرن وهو ألأساس لتحقيق ألشق ألسياسي.
شكرا اخي فايز رشيد، اعتقد ان عزل ترامب سيكون ضربة قاسية لصفقة القرن لكن السؤال طبعا وماذا سنفع العرب والفلسطينيين. من المستبعد ان يكون تغيير رئيس للولايات المتحدة سيغيير او سيؤثر بشكل جذري على سياسة امريكا من ناحية القضية الفلسطينية والعرب عموما!
كاتب المقال انت تعرف جيدا ان السياسة نفسها طويل وان عملية عزل ترامب جاء متاخرا فلا تقلق عزيزي حتما سيكمل مدته الرئاسية ناهيك اذ تم ارجاعه مرة اخرى