يقول الشاعر والمؤرخ والكاتب الأمريكي بيل كوبلاند: «المشكلة في عدم وجود هدف لك في الحياة، أنك قد تقضي حياتك تركض هنا وهناك دون أن تحرز أي شيء».
عبارة أصابت كبد الحقيقة، فحياتنا بالفعل تضيع في ظل عدم وجود أهداف محددة نسعى إلى تحقيقها في حياتنا الارتجالية والعشوائية تجعلنا كريشة في مهب الريح، تأخذنا تارة يمينا وتارة شمالا، أما الذين عاشوا وهم يحددون أهدافهم في الحياة، فهم قد رسموا مسار حياتهم، وغنموا منها.
بل نستطيع القول إن الأزمة الحقيقية التي يعيشها المسلمون اليوم هي افتقارهم إلى الأهداف الاستراتيجية التي تجعلهم يندمجون مع التطور الكبير الذي يشهده العالم، والسباق العلمي الذي يتنافس عليه غيرهم، فللعالم عقل وقلب ومعدة، نحن في هذا العصر نقوم بدور المعدة التي تستهلك الصناعات والتكنولوجيا فقط!، فنحن نأكل ما لا نزرع، ونلبس ما لا نصنع! فليس لدينا أهداف نسعى إليها.
نحن نحدد أهدافنا لنتناغم مع هذا الكون، فهذه الأفلاك يحكمها قانون رباني واحد، تسعى إلى تحقيقه بأمر من الله (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) (وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون) وهكذا سائر المخلوقات كلها تسعى إلى هدف واضح محدد، إلا الكسالى من البشر.
فغياب تحديد الأهداف عنا يجعلنا في شذوذ عن هذا الكون، يجعلنا أبناء اليوم واللحظة، وهذا من شأنه أن يجعلنا نصاب بالإحباط ونحن نرى الناجحين من حولنا يحققون آمالهم وأحلامهم.
نحن نحدد أهدافنا حتى نستحق إنسانيتنا، القصة المتكررة عند معظم الناس، يولد المرء، وبعد سنوات يدخل المدرسة، ثم يتخرج من جامعته، ثم يتزوج، ثم ينجب الأبناء والبنات، ثم يرقد على فراش الموت، ليكرر أبناؤه نفس القصة، فيكون حاله كما قيل: ولد، فعاش، ومات.
الأزمة الحقيقية التي يعيشها المسلمون اليوم هي افتقارهم إلى الأهداف الاستراتيجية التي تجعلهم يندمجون مع التطور الكبير الذي يشهده العالم
ما الذي حققه في دنياه؟ لا شيء يذكر، لماذا؟ لأنه لم يحدد أهدافه في الحياة، وعفوا ما الذي يختلف فيه الإنسان على هذا النحو مع الحيوانات، تتزاوج وتتكاثر وتأكل وتشرب ثم تموت أو تذبح.
لا يليق بالإنسان، الذي كرمه الله تعالى وخلقه بيده وأسجد له ملائكته، أن تكون هذه قصته في الحياة، فالإنسان لابد وأن يحدد أهدافه في حياته حتى يستحق كونه إنسانا مكرما يختلف عن بقية الأحياء.
نحن نحدد أهدافنا لأن تحديد الأهداف مفتاح النهضة، ماذا لو عقدنا مقارنة بيننا وبين الغرب في نسبة الأمية، وتسجيل براءات الاختراع، وعدد العلماء والمهندسين العاملين بالبحث والتطوير، وعدد الإصدارات والكتب المؤلفة، وغير ذلك من أوجه التقدم والرقي، لا شك أن الفارق سيكون مخجلا، وعندما تسأل عن السبب لابد وأن ترجع إلى التنشئة والتربية.
في المرحلة الابتدائية في المدارس الغربية، هناك حصة أسبوعية للأطفال تسمى حصة الهدف، غايتها أن يتعلم الطفل الإجابة على هذا السؤال: ما هو هدفك في الحياة؟
يتكرر هذا السؤال أسبوعيا، وفي البداية لا يستطيع الطفل استيعابه وفهمه بصورة دقيقة، لكن مع مرور الوقت تنمو في داخله الإجابة، حتى يقول: أريد أن أصبح أشهر مهندس كمبيوتر مثلا.
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة اكتشاف ميول الطفل ومهاراته ومدى توافقها مع الهدف الذي حدده، ليصلوا به في النهاية إلى تحديد هدف واضح محدد يتفق مع ميوله ومهاراته وإمكانياته واستعداداته.
ثم يتطور هذا السؤال ليصبح: ماذا فعلت لتحقق هدفك خلال هذا الأسبوع؟
وهكذا يتم توجيه الطفل إلى خطوات عملية بسيطة يتقدم من خلالها إلى تحقيق هدفه، ويكبر الطفل ويكبر معه الهدف، ويصبح حلمه في الحياة أن يحقق ذلك الهدف.
وحتى في الإجازة الصيفية، تتواصل المدرسة مع أسرة الطفل، بأن ولدهم اختار هدف كذا وكذا، والمطلوب منهم إكسابه مهارات معينة خلال الإجازة وتقييمه.
فهذا هو أحد أبرز أسباب تقدمهم، تحديد الهدف، فمن ثم يجب أن يكون تحديد الأهداف في الحياة في بؤرة اهتمام كل من يسعى لنهضة أمته.
نحن نحدد أهدافنا لنعرف طريقنا ونمتلك البوصلة، فالأهداف في الحياة بمثابة البوصلة الذاتية لكل إنسان، هي التي تحدد له الاتجاه الذي ينبغي له أن يسلكه، بينما الذي لا يملك الأهداف يتخبط ولا يدري أي الطرق يسلك، وتعرفون قصة «أليس في بلاد العجائب الشهيرة» وذلك الحوار بين الفتاة أليس والقط الحكيم تشيتشاير، عندما سألته من فضلك هل لي أن أعرف أي طريق أسلك؟ فأجاب القط: يتوقف هذا إلى حد بعيد على المكان الذي تريدين الذهاب إليه، فقالت أليس: إنني لا أعبأ كثيرا بالمكان، فرد عليها القط الحكيم: إذن فلا تهتمي أي الطرق تسلكين.
حوار معبر، فأنت عندما تسيرين سيرا عشوائيا بغير هدف فسوف تصلين إلى مكان ما حتما، لكن إن كنت تريدين أن تصلي إلى مكان له معنى، فعليك أن تحددي أين تريدين الذهاب.
نحن نحدد أهدافنا حتى نتمكن من إدارة الوقت، فالشخص الذي يحدد أهدافه هو الوحيد القادر على إدارة وقته بكفاءة واقتدار، وإدارة الوقت لا تعني فقط استغلاله، بل الاستفادة القصوى منه بتحقيق أكبر قدر من الأهداف، لذلك تقول كاثرين كارفيلس في كتاب قوة الأهداف: «لا يكفي أن ننشغل، السؤال هو: ما الذي يشغلنا؟».
تحديد الأهداف يجعلنا ندير حياتنا وفق ترتيب الأولويات بحيث نوزع أوقاتنا على الأنشطة اليومية التي تصب في تحقيق هذه الأهداف تبعا لأهميتها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في أهمية فقه الأولويات: «ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، إنما العاقل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين».
نحن نحدد أهدافنا لأن تحديد الأهداف سبيل تحصيل الشعور بالسعادة، لأنه مع تحديد الأهداف والسعي إليها وتحقيقها، حتما سوف نصل إلى الشعور بالسعادة، لأن السعادة متوقفة على إنجاز ما نحلم به، وتكون هذه السعادة دائمة ومستمرة إذا ارتبطت الأهداف التي حددناها بمرضاة الله تعالى، ونفع الناس وإفادتهم، والله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
السعادة دائماً تكون بعد تطبيق الأحلام !
ولا حول ولا قوة الا بالله
صح سيدتي ولكن تحقيق الأهداف يحتاج إلى إستقرار نفسي وإجتماعي وإقتصادي وسياسي في البلد. فإذا كان الناس يسعون و يلهثون وراء لقمة العيش منذ الصباح حتى آخر الليل فكيف سيكون لهم أهداف أخرى ليحققوها. أليس هذا هو حال اغلب مواطني الدول العربية بإستثناء الخليجية لأن هؤلاء ليس لهم أهداف سوى بيع النفط والغاز وتكديس الأموال لعلمهم أن هذه الثروات سوف تتلاشي يوماً ما. أتمنى أن أكون مخطئاً وإذا كنت فليصحح لي أحدهم مشكوراً.
اصبت كبد الحقيقة بارك الله فيك