دير البلح: تشهد صناعة الفخار التقليدية انتعاشاً جزئياً في قطاع غزة بعد تراجعها لسنوات، مع اضطرار الفلسطينيين إلى إيجاد حلول بديلة لتعويض النقص الحاد في الأطباق وأواني الطعام، في القطاع الذي دمرته الحرب المستمرة منذ أكثر من عام.
يقول جعفر عطاالله، البالغ 28 عاماً، وهو صاحب ورشة لصناعة الفخار في دير البلح، وسط قطاع غزة، إنه يواجه “طلباً غير مسبوق” على الأطباق والأواني الفخارية.
بعدما تراجعت في العقد الأخير، يبدو أن صناعة الفخار على الطريقة الفلسطينية التقليدية عادت إلى الظهور كبديل يسهل حياة النازحين قليلاً مع انعدام خيارات أخرى في المنطقة.
ويؤكد عطاالله، الذي يتحدر من عائلة اشتهرت بصناعة الأواني الفخارية، أنه يعمل بلا توقف لتلبية الطلب المتزايد.
ويقول إنه قادر حالياً على صناعة حوالي مئة قطعة يومياً، غالبيتها أوانٍ للحساء والأوعية التي يوضع فيها الطعام أو يطهى فيها، مثل الزبدية، والإبريق، والأكواب.
ويضيف: “كنت قبل الحرب أنتج نحو 1500 قطعة فخارية يومياً في مشغلي بحي الفواخير، في منطقة الدرج شمال وسط مدينة غزة”.
وكان حي الفواخير يضم عشرات الورش ومصانع الفخار، قبل الحرب الأخيرة، لكنها دُمّرت كلّها تقريباً في القتال المتواصل منذ 14 شهراً تقريباً.
وأدت الحاجة المتزايدة للأواني الفخارية إلى ارتفاع كبير في الأسعار.
ويقول عطاالله، الذي نزح مع عائلته من مدينة غزة إلى دير البلح، إنه يبيع كل قطعة مقابل 10 شيكل (2.7 دولار)، أي أكثر بخمس مرات تقريباً من سعرها قبل الحرب.
وكان قطاع غزة يخضع لحصار بري وجوي وبحري فرضته إسرائيل منذ 2007، إلا أن الوضع تدهور بشكل كبير جداً منذ اندلاع الحرب الفتاكة في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنته “حماس” على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتشير منظمات الإغاثة الدولية بانتظام إلى صعوبات كبيرة في إدخال السلع الشحيحة وتوزيعها في قطاع غزة بسبب القيود الإسرائيلية.
وتوقفت مصانع قطاع غزة عن الإنتاج بسبب الدمار الذي لحق ببعضها، أو بسبب القتال، بينما أغلقت أخرى بسبب عدم توفر المواد الخام وانقطاع الكهرباء.
وفتح عطاالله، بعد نزوحه، ورشة عمل صغيرة تحت شادر بلاستيكي أزرق، حيث يجبل الطين الأحمر بيديه لصناعة الأواني الفخارية، ثم يتركها لتجف في الشمس وتتحول إلى لون الطين المألوف. أما في السابق، فكان يصنعها بآلات ويجففها في فرن مخصص لحرق الطين.
رغم توافر الأواني المعدنية والمصنوعة من الألمنيوم والزجاج والخزف قبل اندلاع الحرب، إلا أن الكثيرين كانوا يحرصون على اقتناء الأواني الفخارية. إذ تفضل بعض العائلات وعدد من المطاعم إعداد الأطعمة التقليدية فيها لأنها تحافظ على مذاق مميز.
تقول لارا الترك، وهي ربة عائلة تبلغ الأربعين وتقيم في مركز إيواء مؤقت في مخيم النصيرات، المجاور لدير البلح: “بعد 13 شهراً على بدء الحرب، ذهبت إلى السوق لشراء الأطباق وأدوات المائدة، وكل ما تمكنت من العثور عليه هو هذا الإناء الفخاري.”
وتضيف: “اضطررت إلى شرائه لإطعام أطفالي”، مشيرة إلى أن سعر الإناء الفخاري أصبح الآن “أكثر من ضعف” ما كان عليه قبل الحرب.
وفي الأسواق المقامة على جوانب الطريق، الخيار الآخر الوحيد المتاح هو الصحون المخصصة لاستخدام واحد في حال توافرها.
في قطاع غزة، حيث توقفت شبكة توزيع المياه عن العمل بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بها، أصبحت أواني الشرب الفخارية شائعة في الصيف لأنها تحافظ على المياه باردة وصالحة للشرب لفترة أطول. ويحصل النازحون على هذه المياه من نقاط قليلة توفرها منظمات إنسانية أو جمعيات خيرية محلية.
دفعت الحرب معظم سكان القطاع المدنيين، البالغ عددهم 2.4 مليون شخص، نحو النزوح مرة واحدة على الأقل، خلال العام الماضي، وفقاً للأمم المتحدة. ويعيش أكثر من مليون ونصف المليون منهم في خيام أو مراكز إيواء في مدارس تابعة لوكالة الأونروا، بينما يعيش الآلاف على الأرصفة.
مع كل أمر إخلاء يصدره الجيش الإسرائيلي، ينطلق مئات الأشخاص على الطرقات سيراً على الأقدام، حاملين بعض مقتنياتهم، وبينها غالباً أوانٍ من الألمنيوم أو البلاستيك.
مع استمرار الحرب والنزوح المتكرر، تقل الأمتعة التي يحملها الناس مع كل مرة.
ونتيجة للحروب العديدة التي مرت على القطاع، اعتاد سكان غزة ابتكار طرق ووسائل جديدة للتعويض عن الصعوبات من أجل الاستمرار، مثل اعتمادهم على الحمير في النقل وسط ندرة الوقود.
(أ ف ب)