ليست قليلة تلك المؤشرات التي تدعم فرضية رائجة، وإنْ مبطنة أو مموّهة لدى مفترضيها هنا وهناك، مفادها أنّ صيغة وقف إطلاق النار الراهنة بين «حزب الله» ودولة الاحتلال الإسرائيلي، على مدى الـ60 يوماً المعلنة؛ إنما طُبخت خلال اللقاء الأوّل بين الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وخَلَفه الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
وأبسط ما يِؤشّر على الطبخة معطى أوّل بسيط، بالغ الأهمية مع ذلك: كلا الأخوين، اللدودَين لمَنْ يشاء، حريص على تسجيل انتصار دبلوماسي صارخ ودراماتيكي: الأوّل لأنه، في وضعية «البطة العرجاء» الشهيرة، يختتم 4 سنوات كارثية في مجمل ملفات الشرق الأوسط؛ والثاني لأنه، في وضعية «الإوزة الهائجة»، يستأنف 4 سنوات سالفة من اختراق الملفات ذاتها طولاً وعرضاً، ابتداء من مئات المليارات في مبيعات الأسلحة وليس انتهاء بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وقَسْر التطبيع عبر اتفاقيات أبراهام.
في قلب هذا المعطى ثمة تنويع لا ينبثق من عناصر جديدة أو مستجدة، ولكنه اكتسب بُعداً مختلفاً منذ تدشين حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة: أنّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سبق له أن قال لا، ضمنية أو حتى علنية التصريح، للرئيس الأمريكي الحالي؛ لكنه يصعب، وهو في الأصل غير مضطر لأن، يقول لا مماثلة في قليل أو كثير للرئيس المنتخب ترامب. وما دام الأخير قد أعلن، مراراً وتكراراً، أنه يريد من الإسرائيليين «إنهاء العمل» قبيل التنصيب الرئاسي الرسمي في الـ20 من كانون الثاني (يناير) المقبل؛ فإنّ طبخة وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني يمكن أن تعتمد وصفة شبيهة في قطاع غزّة، مع مكوّنات أخرى أكثر تعدداً وتعقيداً بالطبع.
ما يُشكل في سيناريوهات الطبخ هذه أنّ ما يكتنفها أساساً من انحياز مطلق لدولة الاحتلال، عند الطبّاخَين معاً، يفتح احتمالات شتى حول النتائج: أهذه، مثلاً، طبخة حصى هيهات أن تنضج، لأنها محكومة بأجندات نتنياهو في تعطيل صفقات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي (في غزّة وجنوب لبنان على حدّ سواء)؟ أم هي طبخة حمّص، لا تُرفع عن النار إلا بعد تذويب المكوّن الأبرز، ومَسْخ قوامه تماماً؟ تجارب الولايات المتحدة مع أيّ طراز من الطبخ المشترك مع دولة الاحتلال، بصدد الحقوق الفلسطينية عموماً والحروب ضدّ غزّة خصوصاً، وجنوب لبنان لم يكن استثناء؛ أكدت وتواصل التأكيد بأنّ الطبخ يبدأ من افتراض الحصى، حتى إذا تسللت حبيبات حمّص بين حين وآخر.
والحال أنّ نجاح دولة الاحتلال في توجيه ضربات موجعة إلى «حزب الله»، أضعفته على مستوى قيادات الصفّ الأوّل وبعض الثاني، وأوهنت صلابة قواعده الشعبية في مستوى الخدمات الاجتماعية والإنسانية والمالية؛ لم تُجْهز، مع ذلك، على قدراته الصاروخية التي لم تُستخدم بطاقاتها القصوى حتى الساعة. والأرجح راهناً، وحتى إشعار آخر بالطبع، أنّ الفرضية القديمة القائلة بأنّ أية مواجهة عسكرية بين «حزب الله» ودولة الاحتلال هي معادلة إيرانية مباشرة؛ انحسرت بمعدلات عالية متسارعة، حتى كادت أن تندثر.
من المشروع، أيضاً، إضافة عنصر حاسم هو أنّ تدخّل الحزب المباشر في القتال إلى جانب نظام الأسد أسقط ذريعة مقاومة الاحتلال في الجنوب، حتى جاء «طوفان الأقصى» فأجبر طهران على تكليف الحزب بالتورّط لنصرة غزّة، ضمن «قواعد الاشتباك» الشهيرة ذاتها؛ التي توجب أن يُسقطها نتنياهو هذه المرّة، تلبية لمقتضيات أجنداته الشخصية ومخارجه. ولم يكن خافياً، إلا عند المتعامين عن سابق قصد، أنّ طهران ذاتها كانت الطرف الرادع، أو بالأحرى: المقرِّر، في تجنّب لجوء «حزب الله» إلى استفزاز مواجهة شاملة مع الاحتلال.
طَبْخٌ على نار هادئة، كما يلوح للوهلة الأولى، ما خلا أنّ الحصى هو ما يُغلى.
فعلا الكل يرى طيف تخلت إيران على حزب الله . لو كانوا صادقين لقامت حرب إقليمية بسبب موت نصر الله.
شكراً أخي صبحي حديدي. لا أعرف بالطبع مدى كمبة الحصى وربما لابهلو من بعض حبات الحمص . بعد ماحصل ويخصل تبين بوصوح أنها ليست مقاومة بقدر ماهي شعارات تشبه مثيلاتها القومجية سابقاً (لتغطية الدكتاتوريات) لذر الرماد في العيون خدمةً لمشروع إيراني بائس ضحيته فلسطين وسوريا ولبنان واليمن أيضاً.