تترنح الشاحنة قربي، تلتصق بي، لا يحتاج الأمر سوى قدم تدوس على الكوابح..كي ينتهي كل هذا العذاب..كل شيء وهذا الشعور القاتل بأن أحدهم سرق منك كل شيء ، إلى درجة أنه خلق علاقة اشتياق مظلمة مع الأشياء.
كتلك الظلمة التي ترافقني من تحويلة كفر قاسم أو كيسم (السحر كما يبتغي له المستعمر أن يكون أو فلنقل إنه تأويل الرجل الأبيض المهيمن لماهية السحر) وحتى جسر 28 ..تبدو الطريق السوداء هناك كمسار في قطارات الفضاء في مدن الملاهي، كل إزاحة قليلة تفضي إلى عتمة أكبر لا رجعة منها..ولكن ها هي حافلة تهرول باتجاهك رقمها 955 تنبئك بما هو أعظم وبأنك لم تختف ولم تبتلع في هذا المستطيل اللانهائي من..الخسائر..ولكن الحافلة التي تسير الفي كيلومتر بالساعة لا شك أنها ستدوسك على أي حال..
**
تترنح شاحنة بقربي..تكاد تلامسني ، تداعب بركان لذتي.
ترى كيف يكون صوت الارتطام، هل سأسمعه أم أنني سأحلق للتو في عالم أكثر وضوحا فلنقل ..عالم مقطر أكثر.
إن أنا تركت قدمي تنهال على دواسة الوقود فإنني سأنزلق حتما، سأتدافع في عالم متسارع لا سيطرة لي عليه ..لا أعرف حتى ما هي عواقب إيقافه او حتى التفكير في ذلك ..
أما إذا ظللت عالقا بين هذه الشاحنة العملاقة التي تحمل دبابة عسكرية وتزحف نحو الشمال وبين شاحنة أخرى تحمل بالونات من الهيدروجين الجاهز للانفجار (والذي أعرف تمييز الوان انابيبه بسبب الماضي الكيميائي الغابر الذي قمت بخيانته) فإنني لا شك سأموت حسرة من شدة العجز الذي سبقته رائحته.
من جسر 28 ولغاية تحويلة ‘نيتساني عوز’ تبدو الحياة منفصمة..أنت تبث الحب وتنشره في حدائقنا الذابلة المهملة أنّى حللت، هذا ما قالته معلمتي غريبة الأطوار ولون العيون والتي تصغرني بعشر سنوات …على الأقل.
وأنا أشقق أوراق الزهرة الأخيرة ، أمر من تحت ذلك الجسر المسيّج (لا رقم له) ها هي فلاحة أخرى تعبر من الضفة إلى إسرائيل ومعها حمار أعرج ، ربما هو ليس بحمار أصلا، وقد يسقط علي الآن في الغالب من شدة العطش او ربما من صدمة الحرية التي ستنتابه على الأرجح.
**
تترنح شاحنة بلصقي ..الموت حتمي هذه المرة.
سيلتصق لحمي المتناثر كورود الجوري على جدار الفصل الذي يحيط بطولكرم،
فالطريق باتت أضيق بالكاد تكفي لمسارين، لشاحنة وسلحفاة تخطط للانتحار، في المسار الأيمن ثمة اسمنت متدرج تنزلق السيارة منه بمجرد تجاوزها التسعين كيلومترا في الساعة.
تحشرني الشاحنة جهة الجدار، افكر في أمور أخرى ، اضغط on على آلية قذرة أحول فيها كل شيء الى سيناريو إباحي تحكمه الطبقية.
ترى ما العطر الذي يضعه سائق الشاحنة..بالتأكيد عطر لا يريده أحد يباع 1+1 بمئة شيكل.
كيف تبدو رائحة فمه، أتمنى ألا يكون قد توقف في الطريق لتناول الشاورما
كيف يبدو سرواله الداخلي ؟ هل هو نظيف…بالتأكيد هو D&G أو CALVIN KLEIN مزيف
وأنت ماذا ترتدي يا فصيح ؟ 4 ب10 من سوق الأحد
ترى كيف يبدو ما يختبئ داخل السروال …وذلك في حال تحولت لعبة الموت هذه إلى مغامرة رغبة قرب نهر مستباح/ مستعار تفوح منه رائحة الكبريتات المهدرجة؟ أو عند سياج مستشفى الأمراض العقلية المهجور…
**
يترنح صهريج وقود بقربي…يلامسني، يداعب مساماتي يزرع الفتنة عند أطراف عنقي، قرب هاتين العظمتين الرقيقتين بين الكتفين
تشتد الريح قرب تحويلة ‘باقة- جت’ ..وبين الأسفلت المدرج الضيق الذي يقذفني يمينا والريح التي ترسلني يسارا نحو الصهريج
أسأل نفسي: ماذا ينتظرني الآن في البيت
القليل من التمر الذي تبقى من الأمس؟
رواية لا زلت عالقا في صفحتها العاشرة لشدة تكلفها؟
كلبة بيضاء ..لا تنام إلا لو لعقت بشرة معصمي وتظاهرت بنهشه؟
مرآة مغبرة سال زئبقها وتنتظر كي أحدق فيها؟
فيلم فرنسي عن هموم الطبقة الوسطى والبرجوازية الباريسية
ماذا ينتظرني؟
بطانية وتلفاز وكيس فستق؟
**
من تحويلة ‘باقة -جت’ إلى تحويلة ‘عيرون’
ما أجمل رائحة الثلج الأزرق المتساقط في العتمة والذي بدأ يلامس أسفل أذني.
*كاتب فلسطيني – الناصرة