طلبة الطب في الجزائر يعلنون إضراباً مفتوحاً “بعد سنوات من الاحتقان”.. وقضية “هجرة الأطباء إلى فرنسا” تعود للبرلمان- (فيديوهات)

حجم الخط
19

الجزائر- “القدس العربي”: شهدت الجامعات الكبرى في الجزائر إضرابًا شاملًا لطلبة الطب، ما أدى إلى شلل كامل في العديد من الكليات والمستشفيات الجامعية، في موقف يلخّص، وفق الطلبة، سنوات من الاحتقان لدى أصحاب هذا التخصص الذين يشعرون بالتهميش بسبب ارتفاع معدلات البطالة وظروف الممارسة الصعبة.

تأتي الإضرابات بالتزامن مع محاولة السلطات مواجهة النزيف المستمر للكفاءات الطبية الجزائرية، خاصة نحو فرنسا، حيث ينجح مئات الأطباء الجزائريين سنويًا في مسابقات الالتحاق بمستشفياتها

جاء هذا الإضراب، الذي بدأ يوم الأربعاء، بعد أسابيع من التحضير والتنسيق بين مختلف الفروع الجامعية، وهو بمثابة تصعيد للأزمة التي تعاني منها كليات الطب في الجزائر.

ورفعت في كبرى الجامعات التي تضم تخصصات الطب، مثل العاصمة، البليدة، وهران، سيدي بلعباس، بجاية، ومدن أخرى، شعارات غاضبة مثل: “الطبيب لا يهان”، “حقوقنا مغيبة”، “الطبيب يحرم حتى من الاستقالة”، “نطالب بحقنا في التوثيق”، وهو ما يعبّر، حسبهم، عن “تردي أوضاعهم الدراسية والمهنية”.

وبحسب البيان الصادر عن التكتل الوطني لطلبة العلوم الطبية، الذي كان في صدارة الاحتجاج، فإن ثمة حالة استياء عميقة لدى الطلبة من مجموعة من المشاكل الهيكلية التي يواجهونها في مسارهم الدراسي، على غرار النقص الفادح، حسبهم، في مصالح التكوين والتربّص. وقد تفاقمت هذه الأزمة خلال العامين الأخيرين، بعد الزيادة الكبيرة في عدد المقاعد البيداغوجية والملحقات الجامعية دون تحسين البنية التحتية التعليمية.

كما طرح التكتل الوطني لطلبة العلوم الطبية مسألة المنحة الدراسية، حيث أكدوا أن المبلغ الحالي لا يسدّ احتياجاتهم الأساسية. وتطرّقَ أيضاً إلى قضية “الأطباء الداخليين” (الناجحون في اختيار التخصص)، والذين يشكّلون العمود الفقري للمنظومة الصحية في المستشفيات الجامعية، وهم يعانون، حسب البيان، من إهمال كبير، كون “منحة التربص التي يحصلون زهيدة (حوالي 400 دولار شهرياً) مقارنة بالدور الهام الذي يقومون به داخل المستشفيات”.

وفي قضية رئيسية أثارت استياء الطلبة، أشار التكتل الوطني لطلبة العلوم الطبية إلى القرار الحكومي المتعلق بامتحان التخصص الطبي، حيث شهدت السنة الحالية انخفاضًا كبيرًا في عدد المقاعد المتاحة للامتحان، وهو ما خيّب آمال العديد من الطلبة.

وجاء في البيان: “عدد المقاعد المعلن عنه لا يتناسب مع عدد الممتحنين، ولا مع عدد المقاعد البيداغوجية المفتوحة، وهو أقل بكثير من السنوات الفارطة، ما يزيد من تعميق الأزمة”.

من جهة أخرى، لفت التكتل إلى “القرار المفاجئ والمجحف” الذي يقضي بإقصاء “الأطباء الداخليين” الذين يتنازلون عن مناصبهم، من إجراء امتحان التخصص لمدة ثلاث سنوات، وهو القرار، الذي وصفه بأنه “غير عادل”، وسيؤدي إلى زيادة نسب البطالة بين الأطباء حديثي التخرج، ويضعهم في مواجهة واقع مهني مظلم. واعتبر الطلبة أن هذا القرار يتعارض مع تعليمات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي أعلن، في عدة مناسبات، عن رغبته في تحسين وضعية القطاع الصحي في البلاد.

ولوقف حالة الاحتقان، ناشد التكتل الوطني لطلبة العلوم الطبية الحكومةَ بالإسراع في معالجة هذه الأزمات، مؤكدًا أن “الوضع لم يعد يحتمل المزيد من التسويف”.

وأشار البيان إلى أن الإصلاحات التي قامت بها الحكومة حتى الآن لم تكن كافية، ولا تزال المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الطلبة قائمة دون حلول جذرية.

ومن بين المشاكل الأخرى التي أثيرت في البيانات الصادرة عن الطلبة قضية عدم المصادقة على شهادات التخرج لطلبة الطب، وهو ما يعاني منه الأطباء المتخرجون حديثاً منذ نحو سنتين. هذه الشهادات تُعدّ ضرورية لإيجاد عمل في الخارج، أو لمواصلة الدراسات العليا، لذلك فإن عدم المصادقة عليها يحرم الطلبة من كثير من الفرص. وبالمقارنة مع باقي التخصصات التي لا تواجه مثل هذه العقبات، يرى الطلبة أن هذا الإجراء غير عادل ولا يخدم أي هدف سوى تعقيد مسارهم المهني.

وكان قرار الحكومة الجزائرية بمنع المصادقة على شهادات الأطباء، قد أثار، منذ فترة، جدلًا واسعًا في الأوساط البرلمانية والطبية، حيث يدافع البعض عن هذا الإجراء باعتباره ضرورياً للحد من هجرة الأطباء إلى الخارج، بينما يراه آخرون مخالفة صريحة للدستور الجزائري والحقوق الأساسية للمواطنين.

ومؤخراً، تحدثَ وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري، من تحت قبة البرلمان، عن خلفيات القرار، في رده على سؤال كتابي، مؤكداً أن منع المصادقة يهدف إلى الحفاظ على هذه الكفاءات داخل الجزائر لتلبية احتياجات المجتمع.

أما النائب عبد الوهاب يعقوبي، صاحب السؤال، فأكد أن منع المصادقة على شهادات الأطباء يعد إجراء غير دستوري، لأنه يتعارض مع الحق في حرية التنقل، إضافة إلى كونه ينتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وشدد النائب على ضرورة البحث عن حلول عملية بدلاً من حرمان الأطباء من فرص العمل التي تتاح لهم في الخارج.

وتأتي هذه القضية في سياق محاولة السلطات مواجهة النزيف المستمر للكفاءات الطبية الجزائرية، خاصة نحو فرنسا، حيث ينجح مئات الأطباء الجزائريين سنويًا في مسابقات الالتحاق بالمستشفيات الفرنسية. ووفقًا للقوائم المعلنة من وزارة الصحة الفرنسية، يشكل الأطباء الجزائريون نسبة كبيرة من الناجحين في هذه المسابقات التي تجرى باللغة الفرنسية، خاصة في ظل تشابه المسار الدراسي في كليات الطب بين البلدين.

وليست هذه المرة الأولى التي يطرح فيها هذا النقاش في البرلمان، ففي سنة 2021، عقب الإعلان عن نجاح 1200 طبيب جزائري في مسابقة المعادلة للالتحاق بالمستشفيات الفرنسية، أثار النائب زوهير ناصري، عن جبهة التحرير الوطني، القضية في استجواب لوزير الصحة، آنذاك عبد الرحمن بن بوزيد، الذي قلّل من أهمية هذه الظاهرة، معتبرًا أن هجرة الأطباء ليست مقتصرة على الجزائر فقط، بل تحدُث في العديد من الدول الأخرى مثل الهند ومصر، على حد قوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول غزاوي:

    …/…تتمة
    مجرد تساؤل.
    ما هي ميزانية التعليم في الجزائر !؟
    “في مقال نشرته “الشروق” الجزائرية يوم:27/09/2024، تحت عنوان: “مجانيّة التعليم في الجزائر بميزانيّة دول عبر العالم” جاء فيه ما نصه:
    “قرابة 14 مليون تلميذ وطالب -12 مليون في قطاع التربية و1.8 مليون في التعليم العالي- دخلوا إلى المدارس والجامعات الأسبوع الفائت…يساوي عدد هؤلاء التلاميذ والطلبة الجزائريين فقط، سكان خَمس دول خليجية مجتمعة (الإمارات والبحرين وعُمان وقطر والكويت) ويساوي أيضا تقريبا نصف سكان الدول الإسكندنافية – الدنمارك النرويج السويد فنلندا آيسلاند وغرينلاد وجزر فارو وآيلاند-. هذا العدد أيضا يساوي أو يزيد عن كثير من سكان دول بأكملها عبر العالم.
    تكاليف الخزينة العمومية لضمان مجانية دراسة وإطعام ونقل هؤلاء، سنويا، هو أيضا يساوي ميزانيات دول بأكملها عبر العالم.
    -سنة 2024 بلغت ميزانية وزارة التعليم العالي ووزارة التربية على التوالي 4.3 مليار دولار و11 مليار دولار-
    لكي يدفع مصاريف الجامعة، يضطر الطلبة في أوروبا إلى غسل الصحون والعمل في مرآب السيارات…ولا توفر لهم الحكومات الأوروبية لهم إقامات جامعية إلا ما كان منها بمقابل، فيضطرون لمضاعفة العمل لتأجير البيوت بأقل من أسعار الإقامات الجامعية على قلة عددها.” انتهى الاقتباس

    1. يقول غزاوي:

      مجرد تساؤل
      أين الواجبات !!!؟؟؟
      جاء في المقال ما نصه:
      “منحة التربص التي يحصلون زهيدة (حوالي 400 دولار شهرياً)” انتهى الاقتباس
      لتذكير القراء أن 400 دولا = 53000.00 دينار جزائري، وهو ما يزيد عن مرتين ونصف الحد الأدنى للأجور.
      لتذكير القرء الكرام أيضا:
      1 لتر حليب في الجزائر = 25 دينار = 0.19 دولار
      250 خبز = 10 دنانير = 0.075 دولار.
      1 لتر زيت = 1250 دينار = 0.94 دولار.
      1 لتر بنزين = 4500 دينار = 0.34 دولار
      1 كلغ سميد ممتاز = 40 دينار = 0.30 دولار.
      1 كلغ أرز = 160 دينار = 1.10 دولار.
      1 كلغ فصوليا = 280 دينار = 1.93 دولار.
      1 كلغ عدس = 240 دينار = 1.66 دولار.
      1 كلغ سكر = 95 دينار = 0.66 دولار.
      1 كيلوات كهرباء = 3 دينار = 0.021 دولار.
      بوطا غاز 25 كلغ = 230 = 1.59 دولار
      كما تفضل بعض المعلقين، الجزائر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تضمن مجانية التعليم والإيواء والنقل والإطعام والعلاج وتعطي منحة للطلبة ومنحة لعائلات التلاميذ المعوزين.
      وفي المقابل عندما يتخرج الطبيب مادام موضع الحال يخصه، أول ما يفكر فيه هو الهجرة، ومن لم يستطع إلى ذلك سبيل يفتح عيادة خاصة ليمارس التجارة بمرضاه، ومن اضطر للعمل في القطاع العام يرفض العمل في الجنوب.
      …/…يتبع

  2. يقول عبد الكريم البيضاوي ( السويد ):

    تتمة :
    أنا أقول فقط ” عار ” . قد يقول قائل : ” هناك فائض, ما العمل ؟ ” الأرقام تقول بأن ليس هناك فائض في الأطباء في دول شمال افريقيا. لنفترض هناك فائض. دولة كوبا الصغيرة مساحتها تقريبا خمس مساحة الجزائر, دولة فقيرة, بها نظام حكم دكتاتوري, دولة بفائض كبير من الأطباء المتخصصين, كوبا اجتهدت ونظمت الميدان واستطاعت تصدير فائضها هذا للدول الافريقية الفقيرة مع ضمان مدخول مهم من العملة الصعبة , أين العقول المجتهدة هنا ؟

  3. يقول عبد الكريم البيضاوي ( السويد ):

    تتمة :

    تأخر النمو في شمال افريقيا على الأقل سببه – برأيي – غياب النظرة الشمولية للأوضاع, التشتت وإطفاء الحرائق كلما اشتعلت, أما دراسة مسببات الاشتعال غائب للأسف ومحاولة تصور مستقبل بعيد فلا أظنه حاضرا كما يجب وكما تفعل الشعوب المتقدمة يخططون لما بعد 50 سنة من الآن, طبعا أحفادهم سينتفعون كذلك, أما هم فقد يكونون قد ماتوا وانتهى أمرهم, هكذا تسير الأمم.

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية