طوفان الأقصى يوشك أن يكمل حوله الأول، وهو حدث طويل جدا في زمن سريع جدّا، لأن مرور قرابة سنة كاملة في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين كمرور عقود من زمن المقاومة التحريرية في النصف الأول من القرن العشرين، في كل بلاد الدنيا. فالقرن العشرون حتى ولو كان قصيرا بالمعنى الذي أشار اليه المؤرخ الإنجليزي إريك هوبزبازم، الا أن القرن الواحد والعشرين أقصر منه، ومن ثم فالحدث الذي يجري فيه بألف حدث جرى في أزمنة سابقة عليه، كما إن نوعية الكفاح و النضال و المقاومة التي أظهرتها الشعب الفلسطيني الباسل تكثف كل النتائج و التداعيات، التي لا تقتصر على منطقة الشرق الأوسط وحسب، بل تتخطاه الى كل بقاع العالم و خاصة هيئة الأمم المتحدة، الهيكل الذي يجب أن يتفكك من أجل إعادة ترتيبه من جديد وفق ما يمليه و يشترطه طوفان الأقصى.
وتاريخ الغرب مع العرب هو تاريخ الصراع العربي – إسرائيلي. فقد كانت إسرائيل ولا تزال المشروع القائم في المنطقة العربية، نيابة غن الغرب، الذي وصل في آخر تطوراته إلى وجود أمريكي عبر وكيل صهيوني أطلقوا عليه زورا دولة إسرائيل. تلك هي الوضعية القائمة في جغرافية لا تعبأ إطلاقا بوجود الدولة اليهودية، التي حاول بنيامين نتنياهو أن يسعفها بإصداره لقانون المواطن اليهودي عام 2018. فهذا القانون الذي يعيد تحديد الهوية اليهودية بناء على حق المواطنة يفصح من جملة ما يفصح عن أن التاريخ المعاصر في المنطقة العربية يرفض ربط الصلة بين الدين اليهودي والدولة العبرية. ويوم 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، هو يوم مشهدي في حياة صهاينة الغرب كلهم، وليس في إسرائيل فحسب.
الانتصار العظيم للشعب العربي الفلسطيني يتمثل في إلحاقه الهزيمة بنظام أبارتهايد عِبْري في المنطقة ونظام إمبريالي أمريكي في كل العالم
تكريس الحقيقة التاريخية التي تؤكد أن على النشأة المزيفة لدولة إسرائيل، بسبب ما خالطها من سياسة وفكر صهيوني آثم. فقد تأكدت هذه الحقيقة في زمن الشفافية، التي تطلع الجميع اليها، على ما يجري حقيقة في إسرائيل، وليس ما يروجه إعلامها المخاتل، بالتعاون مع شبكات الأخبار والمواقع الرسمية الممثلة لكبار الأغنياء المحتكرين للإعلام. هذه الحقيقة التي كنا نعرفها نحن العرب والمسلمون، لكن القوى الغربية والإعلام الصهيوني والاستبداد العربي حال دون تعميمها، والتعامل معها باعتبارها حقيقة تاريخية معترفا بها مع وجود الدولة الفلسطينية وليس بالتنكر لها.
الاعتراف بدولة فلسطين بفعل المقاومة والجهاد والنضال السياسي والديبلوماسي والعناد اليومي في التعلق بالأرض والبقاء فيها، يقلص من الفهم الفاسد لتاريخ المنطقة، ويعيد الدروس التاريخية في كل برامج مؤسسات التعليم في العالم إلى مجالات الفهم الصحيح وإلى حقيقة ما جرى في تاريخ الاستعمار الإسرائيلي وتاريخ مقاومته على السواء، ولعّل ما يجري في الجامعات الأمريكية والبريطانية والفرنسية يعبر عن الإرهاصات الأولى لهذا التغيير. كما إن الاعتراف الدولة الفلسطينية، هو اعتراف ضمني بتاريخها الواصل الى المؤسسات الشرعية، إن على صعيد الداخل أو الخارج، وفي كافة الأحوال تقليص من الزائد الصهيوني وتصفية لكثير من الأوهام والأساطير، التي استندوا اليها زمن التأسيس الأول، كما زمن الاستيطان والاستعمار والعنف والإرهاب المؤسساتي.
وفي التحليل الأخير، يمكن أن نبدأ في تحديد مصطلح الإرهاب وتعريفه حتى لا يبق في يد أمريكا وحدها باعتبارها الراعي التاريخي والرسمي والسياسي للكيان العِبْري.
ما يمكن أن يسفر عما بعد «طوفان الأقصى» هو الانتقال من معرفة الحقيقة إلى تكريسها خاصة الدور المهم الذي أضطلع به المؤرخون الإسرائيليون الجدد الذين سعوا من ثلاثة أو أربعة عقود إلى التكفير عن الخطيئة الكبرى لنشأة الكيان العبري ونظامه الأبارتهادي في أرض فلسطين.. لأن كتابة التاريخ لحظة تختلف عن الفعل الحربي والعنف العسكري والبطش السياسي لعصر الاستعمار والإمبريالية.
فلحظة كتابة تاريخ المنطقة لما بعد طوفان الأقصى سوف يلح على تاريخ المقاومة الفلسطينية التي يجب أن تفضي إلى إرساء دولة الفلسطينيين التامة، التي تتمتع بسيادتها الوطنية وشرعيتها الدولية، ومن ثم يبدأ مسار جديد ليس لمنطقة الشرق الأوسط فحسب، بل للسياسة الدولية الخالية من الغرض والبطانة العقائدية الخرافية والسياسة الصهيونية.
إسرائيل كيان حربي مغامر دخل التاريخ من خلفية غير شرعية لأنه اغتصب الأرض ولم يحررها كما فعلت كل شعوب العالم وأممه. فالدولة التي لا تؤمن بالسلام لأنها مكلفة بمواصلة مهام و أغراض استعمارية لا يمكنها أن تصل إلى حل مشاكلها السياسية و الأمنية، لأنها غير مستعدة لذلك، و لأن جوهر ما تقوم عليه هو النزعة الصهيونية التي لا تكف عن الاستيطان و الاستعمار و الاحتلال، ليس للأرض فحسب بل لكل ما يساعد على إثارة التوتر و الفساد و الخلل في العلاقات الدولية و الجهوية على ما يجري الآن على الوجه الواضح تماما، فجميع الدول المحاذية لإسرائيل وحتى البعيدة عنها تعيش خطرا متزايدا يستنفر الأفراد كما الدول و المجموعات الجهوية و الإقليمية، ليؤكد المشهد كله على الدور الأخير لإسرائيل في المنطقة ، فهي لا تتصرف من تلقاء نفسها ووفقا لمصالحها القومية و الأمنية، لا بل تعبر عن تورطها التاريخي في المنطقة ككيان وكيل عن القوى الاستعمارية والإمبريالية الغربية المتنفذة في السياسة الدولية.
من أين لإسرائيل كل هذه القدرة على العبث بقوانين الأمم المتحدة والعربدة في المنطقة بما تأباه العلاقات الدولية، لو لم تكن من طينة شاذة استدرجها القوى الإمبريالية المتنفذة من أجل مواصلة النزعة الاستعمارية في عصر تحرير الشعوب وإرساء الدول القومية والوطنية، كوحدات سياسية وشرعية في المجتمع الدولي الجديد لما بعد الحرب العالمية الثانية.
من المتوقع، في ضوء ما سيتمخض عما بعد «طوفان الأقصى»، أن يعاد الاعتبار التاريخي والرمزي للمقاومة الفلسطينية وما حققته في زمن صعب، في مواجهة قوة محصنة بكل العدة والترسانة العسكرية للحلف الأطلسي وأكبر أعضائه الولايات المتحدة الأمريكية. فدولة الفلسطينيين هي التعبير السياسي والتاريخي لكيان نشأ في لحظة ما بعد الاستعمار وما بعد الإمبريالية وما بعد العنصرية وأنظمة الحكم العتيقة والمتهرئة. الانتصار العظيم للشعب العربي الفلسطيني يتمثل في إلحاقه الهزيمة بنظام أبارتهايد عِبْري في المنطقة ونظام إمبريالي أمريكي في كل العالم. نعم هذا ما يمكن أن نعيه عندما يتأمل الواحد منَّا حقيقة ما يجري في دنيانا المعاصرة على صعيد السلطة الصلبة والسلطة الناعمة.
كاتب جزائري
تحية للأستاذ نور الدين ثنيو .
من أفضل ما قرأت عن طوفان الأقصى حتى الآن هذا المقال .
يبدو ان (طوفان الأقصى ) إسمٌ على مُسمّى ) وهذا معناه أن الطوفان سيعلو وسيعلو
حتى يكتسح الكيان الصهيوني كله واقعاً ورموزاً وذيولاً ومؤامرات ودسائس سياسية ,
ومعايير مزدوجة في اوربا وأمريكا .
سيفكك الطوفان (كما جاء في هذا المقال) كلّ هذا اللاتوازن السائد في العلاقات الدولية
وكل هذه الهيمنة الظالمة المتمثلة بتسيّد الولايات المتحدة واوربا على العالم وفرض قِيَم اوربا
والفكر الغربي على العالم .
ما أعظم طوفان الأقصى إذنْ
لا يكون هناك طوفان إلاّ بعدَ انحراف العالم عن الإخلاق والعدالة والفطرة السليمة وهكذا
هو طوفان الأقصى ( الثاني رمزياً بعد الطوفان في زمن النبي نوح ) وبه سيستعيد العالم توازنه
القيمي والأخلاقي بعدَ أن فقد البوصلة وكاد يتمزق .