دمشق ـ «القدس العربي»: طويت رسمياً صفحة اللجوء المأساوية ضمن مخيم «الركبان» بعد 6 أشهر من سقوط نظام الأسد، حيث أغلقت السلطات السورية المخيم الواقع ضمن منطقة الـ «55» كم شرق محافظة حمص، في منطقة صحراوية قاسية، عند المثلث الحدودي بين الأردن والعراق وسوريا، والذي كان يقطنه قرابة 8 آلاف نازح عانوا أقسى الظروف الإنسانية.
عبد الله العبد الكريم، ناشط ميداني مطلع عن كثب على الأوضاع في مخيم الركبان وهو مسؤول شبكة «البادية 24» المخصصة لتغطية أحوال المخيم ونازحيه، قال لـ «القدس العربي»: انتهى مخيم الركبان بتفكيك آخر خيمة فيه الأسبوع الماضي، لافتا إلى أن عملية إفراغ وتفكيك مخيم الركبان تأتي ضمن جهود محلية وفردية، تهدف إلى إعادة العوائل النازحة إلى قراهم ومناطقهم الأصلية بعد سنوات من النزوح والمعاناة.
وضم مخيم الركبان في آخر إحصائية قبل تفكيكه، «5000 شخص، من مناطق بادية حمص، أبرزها القريتين وتدمر ومهين، بالإضافة إلى النازحين من المنطقة الشرقية، وخاصة من دير الزور، حيث كان عدد سكان المخيم يقدر سابقا بنحو ثمانية آلاف شخص، إلا أن هذا الرقم شهد تغيرا جذريا ليصل إلى نحو خمسمئة ألف شخص» حسب المصدر لـ «القدس العربي».
وعزا العبد الكريم هذا التغير الحاد في أعداد النازحين إلى الحملات المنظمة التي استهدفت إعادة تأهيل العائلات الراغبة في مغادرة المخيم، إضافة إلى المصالحات التي جرت في مناطق النزوح، والتي ساهمت بشكل مباشر في تشجيع العوائل على العودة إلى ديارها، وذلك في الفترات التي سبقت سقوط نظام الأسد.
وحول إفراغ المخيم، قال المتحدث إن الفترات الأخيرة شهدت تنظيم عدد من الفعاليات والمبادرات المحلية التي ركزت على إعادة العوائل إلى قراهم الأصلية، حيث تم تمويل هذه المبادرات من المغتربين السوريين، الذين لعبوا دورا محوريا في دعم حملات العودة، ليس فقط على المستوى المالي، بل كذلك من خلال توفير الدعم اللوجستي والتنسيق بين الجهات المعنية.
ورغم نجاح هذه المبادرات في إعادة أعداد كبيرة من العوائل إلى مناطقها، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه العائدين، من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، خاصة التي تتعلق بالاستقرار بسبب المنازل المدمرة.
العثور عن رفات 5 ضحايا في بادية السخنة
وأكد المتحدث أن فريقه وثق في الآونة الأخيرة عودة حوالي أربعمئة عائلة من مختلف مناطق بادية حمص الشرقية، وعلى رأسها القريتين ومهين وتدمر، حيث قامت كل منطقة بتنظيم حملات فردية وأهلية، لإعادة العوائل النازحة، بما يتناسب مع الإمكانيات المتاحة في كل منطقة.
وأوضح العبد الكريم أن القريتين كانت قد نظمت حملة مخصصة لعودة العوائل، وكذلك قامت تدمر بحملات مماثلة، فيما شهدت مهين مبادرات خاصة بها في هذا المجال.
وتتم عمليات النقل عبر عدة دفعات، تنقل فيها العوائل باستخدام آليات مختلفة، حيث كانت أول دفعة من القريتين تضم ثلاث سيارات شحن وباصين، في حين خرجت أول دفعة من تدمر بحوالي عشر آليات متنوعة، وتمت هذه الحملات على مدى أكثر من أربع دفعات في كل منطقة، بما يتناسب مع توفر الآليات والإمكانيات اللوجستية.
وأشار العبد الكريم إلى التحديات التي تواجه عملية العودة، والتي تشمل الحاجة لإعادة تأهيل البنية التحتية وإعادة بناء المنازل المتضررة، فضلا عن تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لتلك العوائل، مشيرا إلى أن الدعم المستمر من المغتربين والمجتمعات المحلية يبقى عاملا حاسما في نجاح هذه المبادرات وتحقيق عودة آمنة وكريمة.
وبينما تطوى صفحات المعاناة في مخيم الركبان الذي كان محاصرا من قبل النظام بعد تفريغه من قاطنيه، تطوى أيضا واحدة من أكثر الحكايات إيلاما، فقد عثر على رفات الشاب يزن عبد الصمد العليوي، أحد نازحي المخيم، في منطقة الهيل في بادية السخنة شرق حمص، بعد أكثر من خمس سنوات على فقدانه.
وذكر سليمان عليوي وهو أحد أقرباء عبد الصمد لـ «القدس العربي» أن العليوي، المنحدر من مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي كان قد اتخذ قرار مغادرة الركبان عام 2020، هربا من الحصار وسنوات الانتظار القاتلة، حيث تواصل مع عائلته قبل مغادرته بأيام، وأخبرهم بأنه اتفق مع مهرب برفقة خمسة مدنيين آخرين للانتقال إلى مدينة المنصورة في ريف الرقة، بهدف الوصول إلى الطبقة حيث تقيم عائلته.
لكن الرحلة لم تكتمل، ففي عمق صحراء بادية السخنة في ريف حمص وقعوا في كمين مسلح نصبته عناصر من قوات النظام السوري السابق وميليشياته، ما أدى إلى مقتل المجموعة. وانقطعت أخبار يزن منذ تلك اللحظة.
وتابع المصدر: العائلة، التي لم تتلق أي تأكيد رسمي حينها، وتابعت على مدى خمس سنوات أسماء المعتقلين الخارجين من سجون النظام، تُدقّق في الصور، وتبحث عن بصيص يؤكد أن ابنها ما زال حيّا، إلا أنها تلقت قبل أيام اتصالا رسميا يبلغها بالعثور على رفات ابنها ضمن مقبرة جماعية تضم عدة جثث في منطقة الهيل. وتم التعرف على يزن من خلال دلائل مادية وشهادات ميدانية أكدت هويته.
ومع طي صفحة ملف الركبان على المستوى الجغرافي، تبقى القصص الفردية مثل حكاية يزن شاهدا على سنوات من الحصار والخذلان، حيث وصفها قربيه بأنها «رحلة الهروب من الموت إلى الموت».