غزة – «القدس العربي»: هناك في مخيم تل السلطان شمال غرب مدينة رفح حطت عائلة حنون رحالها في مزرعة دواجن مُهملة بعد مرتين من النزوح، الأولى من حي الشيخ رضوان شمالي قطاع غزة إلى بلدة الزوايدة وسط القطاع، والثانية من الزوايدة إلى مدينة رفح الجنوبية.
«نزحنا من بلدة الزوايدة، تحت القصف، استشهد أربعة أطفال ورجلان وبقي منا عشرون فردا. ولجأنا إلى هنا إلى مزرعة دواجن لكي نسكن فلا يوجد أمامنا أي بديل»، هكذا تتحدث أمل حنون، عن سبب نزوح عائلتها الكبيرة إلى مزرعة دواجن خربة، حيث ينامون على أقفاص حديدية تلهب ظهورهم، بينما يظللهم سقف من الأخشاب مليء بالثقوب التي يتسلل منها البرد ومياه الأمطار كدود متعطش للنخر في العظام.
ربة المنزل الأربعينية تموت في اليوم مليون مرة، حسب تعبيرها، خلال حديثها لـ «القدس العربي» وهي ترى أولادها يعانون تحت المطر وسط البرد والخوف والجوع.
وتتساءل: «أين الإنسانية؟»، ثم تتلفت إلى المكان حولها وتجيب على نفسها: «لا توجد حاجة اسمها حق الإنسانية، لا توجد رحمة، لو كانت موجودة لم نكن لنصل إلى هذا المكان، لا يوجد عندنا أي حق من حقوق الإنسان، لا أمان. لا رحمة. لا لجوء. لا أي شيء».
وتواصل: «من حقنا أن نعيش. نحن لا نستطيع أن نجتمع مع بعضنا كعائلة، لأنه لا يوجد أغراض مطبخ».
لا تشعر ختام أخت أمل بفرحة المسلمين بقرب حلول شهر رمضان، فهي مثل أي ربة منزل عربية تتطلع ألا يهل هلال الشهر الكريم إلا وثلاجتها مليئة بالخيرات وعندها ما يكفي من الأطباق والأواني والطعام لأن تجتمع وأفراد عائلتها الثلاثون على موائد الإفطار والسحور، إلا أنهم الآن لا يملكون إلا 4 أكواب و4 صحون «كيف نستطيع ان نتسحر ونفطر، لا نستطيع».
وتضيف لـ «القدس العربي» خلال حديثها «صعب هو حال أهل غزة، فإن لم تمت من قصف الاحتلال، فإنك ستعاني من رحلة تشريد ترى الموت فيها في اليوم ألف مرة. ستُلاحقك القنابل إلى رفح، وما ستظنه استقراراً ستجده ألماً يعصر قلبك حزنًا على حال عائلتك وأطفالك النائمين في العراء، خاصة مع قرب حلول شهر رمضان الكريم».
وتتابع «سواء نزحت إلى خيمة أو مستودع أو مزرعة ستجد نفسك وعائلتك في حالة يُرثى لها، فلا سقف يحمي من المطر أو حتى طعام يكفي ويدفِّئ أطفالك في ليالي الشتاء قارسة البرودة».
حتى الطفلة دلال، ابنة ختام، قررت ترك لهو الصغار والتحدث عن معاناتها وأقرانها داخل درج الدجاج في ليالي الشتاء شديدة البرودة «نحن ننام على أقفاص الدجاج، وحينما ينزل المطر لا ننام لأننا نحس بالصقعة، ونخاف المطر يجرفنا».
وعن الوضعية التي ينامون عليها تقول لـ «القدس العربي» خلال حديثها: «ننام على بطوننا حتى لا يؤذي ظهورنا حديد الأقفاص».
التلميذة التي تدرس في الصف الثالث الابتدائي تتمنى أن تنتهي الحرب، حتى تتمكن من العودة إلى دارها في الشيخ رضوان، حيث يعيش أولاد عمومتها وتقع مدرستها التي تخلفت عنها مما يقرب من 5 أشهر «رغبتي هي أن أرى سريري وارتاح فوقه، ومدرستي وأولاد عمي وزوجة عمي الذي استشهد».
حتى أحد أرباب العائلة الكبار، مهدي حنون، يحن إلى أقاربه وأولاد عمومته في الشيخ رضوان، ويقول إنه اضطر إلى أن يأتي إلى هنا بعدما استشعر الخطر على حياة عائلته من شدة القصف في شمال قطاع غزة، قصف الاحتلال الذي ارتقى بسببه أحد إخوته وابن عمه، ولكنه كان يهرب بعائلته من قصف إلى قصف أعنف في بلدة الزوايدة، فلم يدر أين يذهب بعائلته الكبيرة؟!
صديق لعائلة مهدي وجد الحل «مزرعة دواجن كبيرة في تل السلطان ستكون مأوى لأفراد العائلة الثلاثين بمن فيهم أم مهدي المريضة بالصداع النصفي ومهدي وأخيه المريضان بالربو الشُعبي»، فاستجاب رب الأسرة الخمسيني مغلوباً على أمره لكنه صدمته حالة المكان المزرية عندما وصلوا إليه.
العائلة تكبدت مشقة كبيرة في تنظيف المزرعة الخربة ولم تجد بُداً إلا الإقامة فيها، فاتخذوا من أقفاص الحديد فراشًا للنوم.
يقول مهدي لـ «القدس العربي» خلال حديثه: «حاولنا نتأقلم لكن ما قدرنا بالمرة. لما تمطر، المكان يغرق فنبقى مستيقظين لأجل الأطفال النائمين على الأقفاص».
عائلة مهدي لا تحلم الآن إلا بخيمة مجهزة ببعض الفُرش والأغطية حتى ينام الأطفال متجنبين بعضاً من زمهرير البرد، لكن يقول مهدي» «خيمة، أقل طموح لبني آدم لكن خلاص أقفاص دجاج اضطررنا أن نتأقلم معها».