يمكن وصف 2024 بأنه عام الذروة في اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، حيث تعددت أشكال تلك الهجمات على الفلسطينيين وممتلكاتهم.
رام الله ـ «القدس العربي»: لن ينظر الفلسطينيون الذي يعيشون في الضفة الغربية إلى الوراء كثيرا، لقد مضى عام بكامل ثقله، فيما يطل العام المقبل وكل التوقعات تؤشر أن يكون ما مضى هو امتداد لما هو آت.
خلال العام الماضي الثقيل ضَمرت أحلام عريضة، لقد أصبح مجرد «بقاء القضية الفلسطينية» هدفا وعنوانا للمرحلة، وانحسر الأمل لدى الفلسطينيين، مواطنين ومسؤولين، في تقليل الخسارات، فالزلزال السياسي الذي ضرب المنطقة أفرز وسيفرز تحولات سياسية وتقلبات جذرية ستؤثر على القضية الفلسطينية، أما في الضفة الغربية فهي جوهر الصراع وميدانه، كيف لا يكون ذلك والاحتلال الذي يسيطر على ميدان الضفة يفعل كل ما يفعله فيها، وبأقصى سرعة، من أجل تكريس سياسة الحسم وجعل «الضم» أمرا واقعا ومقبولا سياسيا أيضا.
في غزة تبدو الأشهر ثقيلة جدا لكن الأمل بنهاية الحرب قريبة، أما الصورة في الضفة فهي على النقيض تماما، فما يرعب المواطنين هنا هو أن المواجهة القادمة بين الاحتلال ومستوطنيه والشعب الذي يعيش فيها، قادمة لا محالة.
ورغم أن الضفة الغربية كانت على مدى عام كامل ساحة المواجهة من المستوى الثاني بالنسبة للاحتلال إلا أن ذلك يعني أنها خسرت على كافة المستويات، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية أيضا.
ورغم الضربات التي وجهت للضفة حيث تكثفت الاعتقالات ووصلت مستويات غير مسبوقة، فإن الخسائر الاقتصادية التي رزحت تحتها أفقدتها ميزات إضافية، وخسرت جانبا من دورها المتوقع بصفتها ساحة مواجهة إسنادية لقطاع غزة الذي يتعرض للإبادة الجماعية.
ويرى مواطنون أن الضفة خلال عام 2024 تلخصها جملة «عام اللاحراك»، فقد بدت وكإنها تحت التخدير، فرغم نمو عمليات المقاومة إلا أنها لم تلعب الدور المنوط بها في إسناد غزة.
لقد عاشت الضفة واحدة من أكبر عمليات الاحتلال العسكرية، حيث شكلت الاقتحامات الإسرائيلية، وتحديدا شمال الضفة الغربية، محاولة لإنهاكها، فسقط مئات الشهداء، أكثر من 800 من المقاومين، كما تم تنفيذ نحو 100 ضربة جوية. وفي المقابل، وحسب توثيقات ومعطيات الاحتلال الإسرائيلي، نفذ الفلسطينيون نحو 254 عملية مقاومة ما بين طعن ودهس وإطلاق نار وتفجير عبوات، مقابل 847 عملية في العام الماضي، فيما نفذ فلسطينيون نحو 1118 عمل مقاومة شعبية ما بين إلقاء حجارة أو ألقاء زجاجات حارقة مقابل 3256 في العام الماضي. لقد قتل نحو 37 في عام 2024 مقابل 41 في العام 2023.
عام الاستيطان بلا منازع
يمكن القول، من دون شك، إن عام 2024 كان عام الاستيطان بدون منازع، لقد انتهى العام بقرار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش مصادرة نحو 24 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية لصالح التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، وتأكيده أنه لن تكون هناك أبدا ما وصفها بدولة إرهابية عربية تهدد وجود إسرائيل.
أما تقديرات حركة السلام الإسرائيلية فإنه خلال العام 2024 اقيمت في الضفة الغربية 52 بؤرة استيطانية، نسبة البؤر الاستيطانية في مناطق «ب» تساوي 13.5 في المئة من عدد البؤر الاستيطانية في العام الماضي. إنها ثورة في مجال الجهد الاستيطاني. وحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، فأن إسرائيل نفذت خلال عام 2024 أوسع عملية استيلاء على أراضي الضفة الغربية منذ 30 عاما بدعوى أنها أراضي دولة.
المساحات التي استولى عليها الاحتلال تحت مسمى أراضي الدولة بلغت ما مجموعه 10 آلاف و640 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع).
وإن كان الاستيطان حدثا ممتدا على جميع جغرافيا الضفة الغربية فإن هجمات المستوطنين التي لم تتوقف على مدار أيام العام الماضي كانت الحدث الأبرز، وفي الجوهر منها تضاعفت الهجمات مع موسم الزيتون، ورغم غياب الأرقام حتى اللحظة حول الخسائر والهجمات غير أن التقديرات تشير إلى أن نحو 30 في المئة من زيتون الضفة لم تمتد له يد المواطن الفلسطيني، فيما شنت مئات الهجمات على امتداد الضفة من دون أن تمنع ذلك حملات «الفزعة» التي كانت أفعالا شكلية أمام تنظيمات المستوطنين التي أصبحت أكثر شراسة وتطرفا.
هنا يمكن وصف العام 2024 بأنه عام الذروة في اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة حيث تعددت أشكال تلك الهجمات على الفلسطينيين وممتلكاتهم.
على الأرض كانت التضييقات الاحتلالية واعتداءات مستوطنيه على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة على أشدها، حيث لعبت الحواجز دورا كبيرا في قلب حياة الفلسطينيين، لقد بلغ عدد الحواجز الإسرائيلية نحو 654 حاجزًا عام 2023، فيما زادت سلطة الاحتلال من عددها لأكثر من 700 حاجز.
تهجير التجمعات البدوية
خلال العام المنصرم تهجرت عشرات التجمعات التي يسكنها آلاف الفلسطينيين، وهي تجمعات تنتشر في مساحة تشكّل 60 في المئة من الضفة الغربية – هي مناطق «ج»، وهو ما عزز من سياسات «الضم».
وحسب مخطط الاحتلال سيتم ضم 3 مناطق رئيسية إلى السيادة الإسرائيلية، والمنطقة الأولى هي الأغوار التي تشكل ربع مساحة الضفة الغربية، وفي معظمها حاليا ما يسمى بأراضي دولة إضافة لمحميات طبيعية ومناطق تدريب وإطلاق نار ممنوع الدخول إليها. والمنطقة الثانية هي منطقة العزل الواقعة بين جدار الفصل العنصري وخط وقف إطلاق النار عام 1948، وتشكل حوالي 12 في المئة من مساحة الضفة الغربية. أما المنطقة الثالثة هي تجمعات استيطانية تربط بين غرب الضفة وشرق الضفة مثل المنطقة بين تجمع ارئييل ومنطقة الأغوار، وتشكل على أرض الواقع فاصلا استيطانيا يفصل شمال الضفة الغربية عن باقي مناطق الضفة.
القدس أيضا، كانت الاستثمار الأكبر خلال العام 2024، لقد تعززت هجمات المستوطنين المتطرفين وتغير الأمر الواقع، لقد استمر الحصار المضاعف للمدينة المقدسية، وحرم الفلسطينيون من الضفة الغربية والمناطق الفلسطينية في فلسطين 1948، وكذلك الفلسطينيون المقدسيون من الصلاة في الأقصى. كما عكست الأعياد تكسيرا لكل قواعد الموقف في المسجد الأقصى.
قد تكون صفحة الأعياد اليهودية قد طويت لكن حصاد نتائجها ما زال ماثلا حتى اليوم، فالمتطرفون خلال فترة الأعياد أصبحوا أكثر عددا وجرأة في تنفيذ الانتهاكات بشكل علني وبحماية كاملة من شرطة الاحتلال.
وتمثلت أبرز الانتهاكات التي سجلت خلال عيد العرش على سبيل المثال: تقديم القرابين النباتية الخاصة بعيد العُرش بشكل جماعي وعلى مدار يومين متتاليين في شرقي المسجد، وشارك كبير حاخامات معهد الهيكل الثالث الحاخام يسرائيل أريئيل في تقديمها. والنفخ في البوق، رئيس منظمة «جبل الهيكل بأيدينا» توم نيساني رفع العلم الإسرائيلي. وأداء طقس السجود الملحمي (الانبطاح أرضا) جماعة. وارتداء ملابس «التوبة» البيضاء، وهي الملابس التي ترتديها طبقة كهنة «المعبد»، وأداء صلاة «الموصاف» (المضافة) جماعيا في الساحات الشرقية، والتصفيق والغناء وأداء الطقوس بصوت مرتفع في الجهة الغربية من المسجد.
كل ذلك عنى التحول الأكبر في واقع المسجد الأقصى، وهو واقع وإن لم يكن هناك من يرغب بالاعتراف به فإن السياسات التي تطبقها حكومة اليمين على أرض الواقع تؤشر وتدلل على ذلك بوضوح تام.
كما قاد الاحتلال جهودا مكثفة في هدم منازل المقدسيين سواء ما كان ضمن ممارسات الهدم الذاتي أو ما كان ضمن ممارسات بلدية الاحتلال في القدس. لقد أصبح الهدم في الضفة خلال العام المنصرم من سياسة تنفذ بروية إلى سياسة معلنة، حيث تهدم يوميا عشرات المنازل، من القدس إلى الوسط إلى شمال الضفة الغربية، وفي أحدث الإحصائيات، فإن 1380 منشأة هدمت أو صودرت أو أجبر أصحابها على هدمها. ويُشكل هذا الرقم ضعف العدد في الفترة المماثلة قبل السابع من أكتوبر.
أكبر وأطول أزمة اقتصادية
الملف الاقتصادي يعتبر عنوانا دالا عريضا على عام 2024، لقد عاشت الضفة الغربية، لربما، أكبر وأطول أزمة في تاريخها، إحدى مكونات الأزمة بقاء نحو 150 ألف عامل عاطلين عن العمل بعد أن كانوا جزءا من سوق العمل الإسرائيلية.
كما عصفت بالسلطة الفلسطينية أزمات اقتصادية، لعل أبرزها أزمة المقاصة، وأزمة تكدس الشيقل في البنوك الفلسطينية على خلفية سياسات وزير المالية الإسرائيلي.
البنك الدولي بدوره، أكد أن الاقتصاد الفلسطيني يتعرض لواحدة من أكبر الصدمات في التاريخ، جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتداعياتها في الضفة الغربية، حيث انخفض إجمالي الناتج المحلي 22 في المئة في الضفة الغربية.
في عام 2024 توالت الخسارات الفلسطينية، على مستوى داخلي قتل ما لا يقل عن 16 فلسطينيا خلال مواجهات فلسطينية-فلسطينية، وما كان متوقعا وتم التخويف من حدوثه خلال العام أصبح واقعا، تمددت المواجهة المسلحة بين مجموعات المقاومة في طوباس وطولكرم بين مقاومين وأجهزة الأمن الفلسطينية من كونها مناوشات خفيفة إلى حالة من المواجهة الدموية في مخيم جنين.
لقد عكست المواجهات ليس غيابا لمفهوم الوحدة الوطنية والعمل على برنامج وطني متكامل في واحدة من أحرج اللحظات في تاريخ القضية الفلسطينية، إنما حالة من الاقتتال الداخلي لن يستفيد منها أحد سوى الاحتلال، يحدث كل ذلك في وقت امتدت فيه جولات المصالحة إلى بكين من دون أي نتيجة ماثلة للعيان.
لقد تواصلت الخسارة الفلسطينية خلال العام، حيث امتدت يد الموت إلى قلب وعقل وروح الروائي الفلسطيني اللبناني الياس خوري، هو رحيل المحب لفلسطين القضية والشعب وجوهر العدالة، إن رحيل خوري خسارة للقضية الفلسطينية في عتمة كثيفة، كان وجوده سببا في قليل من النور والأمل.