عبد الرحمن عبدالله: سررنا لأن «أسواق» بات يعرف بالمحل الفلسطيني في «ريدو مول»

زهرة مرعي
حجم الخط
0

مطرزات غزّة وسيراميك الخليل في أوتاوا حكاية شعب يقاوم طلباً للحرية والحياة

بيروت ـ «القدس العربي»: أن تكتشف في العاصمة الكندية أوتاوا وفي أكبر مجمّعاتها التجارية محلاً يحمل اسم «أسواق» فهو أمر مثير للسؤال والاهتمام. خاصة وأن ما يظهر من واجهته الواسعة يقول بأننا حيال حكاية عربية وشرقية بامتياز.

لـ»أسواق» تاريخ ولادة ذو صلة بغزّة وناسها والعدوان المتواصل عليها. أراده مؤسسوه مشروعاً تجارياً، وثقافياً ووطنياً في آن. مشروع يهدف للتعريف بجزء من التراث المشغول بأيادي نساء غزّة، وبإنتاج مصانع الخليل، إلى أخرى عربية وشرقية.
حين داهم العدوان قطاع غزّة وقتل الآلاف من أهله كان بينهم سيدات لهن في «أسواق» منتجات جميلة، تحكي بالإبرة والخيط تراث وطن يعاني بلاء الصهيونية. ولأن هذا الإنتاج بات كالعملة النادرة، فقد تمّ دمغه بأنه للعرض فقط. جناح مميز وجميل من غزّة يخطط مالكو «أسواق» لأن يعود ريعه لدعم النساء اللواتي ترك عليهن العدوان ندوباً لا تمحى.
مع أحد مؤسسي «أسواق» عبد الرحمن عبدالله هذا الحوار:
○ كان مقرراً افتتاح «أسواق» في 7 اكتوبر وحالت دونه أسباب. هل ترى تعثّر الولادة كان لصالحه؟
• قبل رواية الافتتاح التي تعثّرت، أودّ التأكيد بأني وزوجتي رغبنا بهذا المتجر الصغير لعرض منتجات تُعبّر عن ثقافة وتراث بلدنا الجميل فلسطين. بعد تصميم بأن تكون المنتجات من فلسطين فقط، وجدنا لاحقاً أن إضافة منتجات من تونس وتركيا يمنح المكان تنوعاً وغنى. كنّا قد حددنا الافتتاح في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لكن تأخر وصول الشحنة من قطاع غزّة، وكذلك شحنة السيراميك من الخليل بسبب إجراءات الاحتلال، حتّم تأجيل الافتتاح إلى 14 تشرين الأول/أكتوبر. وفي 13 تشرين الأول/أكتوبر بلغنا خبر سيء باستشهاد خالي وعائلته وأحفاده وهم 17 شخصاً في منزلهم في رفح. نجت طفلة من الأحفاد، وتمّ التعرّف إلى ثانية بعد أسبوع في أحد المستشفيات. وللأسف افتتحنا المحل في ظروف قاسية للغاية علينا ولم تكن الأنسب.
○ ماذا عن بدائل التعريف بـ«أسواق» بعد إلغاء حفل الافتتاح؟
• حتى الآن بلغ العدوان على غزّة شهره العاشر. غزّة وطننا وناسها أهلنا، والواقع الإنساني القائم هناك يدمي القلب، وبالنا ليس بحفل أو إعلان. أهلي وأهل زوجتي يعيشون كما كل ناس غزّة في الخيام ويهربون من مكان إلى آخر. مأساة عاشوها مرّات عدة. وحتى اللحظة «مش قادرين نفكر حتى بإعلان». الزبائن الذين زاروا المحل يقومون بالإعلان ونشر اسم «أسواق» من خلال وسائل التواصل، وبات المكان معروفاً باسم «المحل الفلسطيني في ريدو» وهذا ما تمنيناه، وقد حصل وبسرعة. انتشر اسم المحل رغم وجودنا في بيئة صعبة. تحيط بنا أسماء تجارية كبيرة ومؤسسات مالية، جميعها يقدم الدعم المالي للكيان الصهيوني المتمادي في تنفيذ الإبادة الجماعية في غزّة. عندما اخترنا المكان لم يكن هذا المنظور في بالنا، بل كنا نسعى لمكان مرموق وحسب.
○ لكنكم في وسط اوتاوا أليس هذا إيجابياً؟
• نعم نحن في وسط البلد وفي المواقع الحيوية يقع «ريدو مول» وهو الأكبر في المدينة. المسيرات الأسبوعية التي شهدها وسط اوتاوا ساهمت بنشر اسم «أسواق». فالفلسطينيون والعرب كانوا يقصدون المنطقة بكثافة، وهكذا باتت هناك معلومات ومعرفة عن «أسواق».
○ رغم كونكم في البدايات والدعاية كانت شفهية فهل حقق «أسواق» نجاحاً تجارياً؟
• استقبل «أسواق» الزبائن في فترة زمنية هي الأنسب لكونها في موسم الأعياد، حينها كان الإقبال ممتازاً.
○ كون غزّة كانت ستشكّل مصدركم من المطرزات فمتى وصلتكم آخر شحنة منها؟
• آخر شحنة غادرت غزّة بتاريخ 3/10/2023 وسلكت طريق الخليل في الضفة الغربية، ومن ثمّ إلى كندا. والبضاعة التي تخرج من غزّة تكون صغيرة الحجم، كون الاحتلال يحظر الصادرات الكبيرة الحجم.
○ كونك من عائلة لجأت من الرملة إلى رفح في غزّة فهل هذا ما حتّم أن تكون المطرزات جميعها منها؟
• قررت مع زوجتي أن تحتل مطرزات غزّة مكان الصدارة في المحل، بحيث نروي تاريخها لكل إنسان يدخل «أسواق». وكون فلسطين جميعها تقع منذ الاحتلال الصهيوني في دائرة الأخبار الكاذبة، من الصعب اقناع الأجنبي بأن فلسطين مهد للحضارة والثقافة، ويصبح الأمر أكثر صعوبة عندما نذكر غزّة، فهي بالنسبة لهم موصولة بالعنف والحروب، ويجهلون تماماً جانبها الجميل. البروباغندا المعادية عمرها مئة عام، نحتاج لجهود كي نزيلها.
○ هل عرفت مصير السيدات اللواتي نسجت أناملهن هذه المطرزات؟
• في زيارتي لغزّة برفقة زوجتي في كانون الأول/ديسمبر 2022 التقينا شابة تمتلك مركز تدريب على المطرزات. تلك الشابة تعمل مع أكثر من 180 سيدة وصبية توزع عليهن المواد الأولية في منازلهن لإنجاز المطرزات، وهناك قررنا التعاون معها. في الحقيقة عملنا زوجتي وأنا منذ سنة 2001 في مؤسسة في غزّة لدعم قدرات المرأة والطفل، وأحد المشاريع كان يهدف لتمكين المرأة عبر مشروعات صغيرة منها المطرزات. الشابة منسقة المشروع كانت قبل طوفان الأقصى في القاهرة لحضور مؤتمر إلى جانب خمس من رائدات الأعمال من غزّة، وبقيت فيها. وعندما طال زمن الإقامة بحثت عن سيدات غزّاويات اضطررن للبقاء في مصر، وبدأت العمل معهن. وتتابع بعض السيدات التطريز في غزّة خلال إقامتهن في الخيام بعد أن توفرت لهنّ المواد المطلوبة. للأسف وصلتنا أخبار باستشهاد سيدة وحرفي لهما في «أسواق» منتجات معروضة للفرجة فقط. فقد أوقفنا بيع كافة المطرزات الآتية من غزّة. نحن لا نعرف الكثير من التفاصيل عن السيدات اللواتي يعملن في التطريز، إنما وضعهنّ في غزّة يشبه وضع الجميع، ومسألة التواصل صعبة جداً.
○ وهل التطريز الغزّاوي الآتي من مصر ميسر وصوله إليكم؟
• منذ بدء مشروع «أسواق» كجنين، كان الإصرار بأن تكون المطرزات بالكامل من غزّة، التي كانت تعاني حصاراً طويلا قبل أن تداهمها حرب الإبادة الوحشية. لم أوافق على عروض باستحضار مطرزات حتى من الضفة الغربية. حالياً ندعم الغزّاويات اللواتي حتّمت عليهنّ الظروف أن يكنّ في القاهرة، ونحن مستعدّون لشراء الإنتاج بالكامل. في الواقع وصلتنا إلى الآن شحنتان من القاهرة، غلبت عليها المطرّزات الصغيرة، ومعها بعض الشالات التي كانت موضع اعجاب الزبائن وبالتالي طلبهم.
○ إلى جانب مطرزات غزّة ماذا يعرض «أسواق» من منتجات فلسطينية؟
• تتميز في «أسواق» منتجات السيراميك التي تشتهر بها مدن الخليل ونابلس والقدس، وثمّة تمايز بين منتجات مدينة وأخرى. نحن نتعامل مع مصنع في الخليل وهو الأقدم في المنطقة العربية بكاملها، ويعود لسنة 1890 ويشتهر هذا المصنع بالزجاج الذي يصنع بطريقة النفخ، ونحن ننتظر شحنة فيها زجاج ذو طابع فينيقي، وأتمنى مستقبلاً أن نتمكّن من استيراد منتجات خزفية من القدس فهي مميزة بأشكالها، وينفّذها فلسطينيون أرمن. حقيقة نحن لسنا في راحة بال تتيح لنا تطوير مشروعنا، فأهلنا يتنقلون في غزّة من مكان لآخر، هرباً من العدوان.
○ وهل من منتجات تراثية من منطقة الرملة مسقط رأس والديك؟
• القرية التي نشأ فيها والدي ووالدتي وهي «القْبيبة» مدمّرة إنما بقي فيها بعض المعالم التي يتداولها أهل القرية عبر الإنترنت. عندما عَمِلت في الأمم المتحدة سعيت لزيارتها برفقة صديق من أراضي الـ48 لكنه لم يتمكن من الوصول إلى المكان، وأظنها تقع في حدود مطار اللد.
○ لماذا اسم «أسواق»؟
• كان الاتفاق أنا وزوجتي أن يكون اسم المحل عربيا. ومع تبلور المشروع والاتفاق بأن يضمّ بضائع من مناطق متعددة، بدا إسم «أسواق» مناسباً وشاملاً، فالسوق في بلدنا يعني التواجد في وسط البلد حيث تُعرض كافة المنتجات وكل ما يطلبه المتسوّق، ويتميز بوجود المنتجات والأعمال اليدوية التي نعرضها في أسواق، ومحتويات المحل بالغالب من فلسطين، ومعها جناح من تونس، وآخر من تركيا.
○ وهل يستفسر الزبائن عن الإسم؟
• يُطرح السؤال عشرات المرات يومياً. لا نشير إلى مصادر المعروضات، وهكذا نترك للسؤال فرصته، بحيث نتوسع في شرح سردية خاصة عن منتجات فلسطين. أسترسل بالشرح عن غزّة، البلد الذي يتعرّض لكل هذا القتل والتدمير، وأنامل نسائه تنتج هذه المطرزات التي تشكل جزءاً من هوية.
○ وهل تلمس معرفة لدى الزبائن بغزة وما يحصل على أرضها؟
• أظن كل البشر على الكرة الأرضية باتوا يعرفون غزّة وحتى رفح المدينة التي ولدت فيها. جدير بالذكر أن الزبائن الذين يدخلون المحل متنوعون جداً من شرقيين إلى آسيويين، أوروبيين وأمريكيين. فنحن في مكان يقصده السائحون، كما تمتاز اوتاوا بالتنوع. لاحظت حجماً كبيراً من التعاطف مع قضية فلسطين وشعبها، بعض الزبائن ذرفوا الدموع لدى معرفتهم بمنتجات آتية من غزّة. بالنسبة لي يشرّفني أن يكون «أسواق» واجهة بحيث تعرف الناس المزيد عن فلسطين وحقها بالوجود كوطن.
○ هل واجهت مواقف سلبية؟
• بالتأكيد وهي قليلة. في يوم كنت جالساً في المحل أفكر بأهلي الذين أمرهم الاحتلال بمغادرة رفح، وإذ بشاب يدخل، وبعد حديث بيننا قال «ما يحدث في غزّة سيء لكن لماذا الإصرار الفلسطيني على حل الأمور بالإرهاب؟» قول استفزني، وعندما سألته ماذا تعرف عن تاريخ منطقتنا رد بأنه يعرف القليل. فنصحته بأن يحكي بقدر معرفته وأن لا يزيد. كان قد اشترى بعض الأغراض وعاد لإرجاعها لأنه انزعج من ردّي، أعلنت له سعادتي بفعلته. كما استقبلت زوجتي زبونة شابة أعجبتها المعروضات وتعرّفت إلى تفاصيل عنها، وعندما صارت خارج المحل نادت على زوجتي لتقول «عليك أن تعرفي بأن فلسطين ليست بلداً».
○ لماذا لا تحمل المعروضات اسم المصدر وخاصة سيراميك الخليل؟
• لدى وصول الشحنة الأولى من منتجات السيراميك من الخليل، لاحظنا غياب التعريف بمصدرها. كنا نتمى لو كتب «صناعة الخليل/فلسطين». ناقشت الأمر مع المورّد فأكّد أن المنتجات لا تُختم نظراً لأولويات وتفضيلات وتنوع الزبائن، فبعضهم يعرضها في الوطن العربي، وبعضهم الآخر في أوروبا وأمريكا، حيث يلعب عامل اللغة دوره. في «أسواق» رغبنا بتعريف المصدر، لكن ونظراً لوجود كمية كبيرة من المعروضات لا تحمل ختماً، تداركنا الأمر ووجدنا بأن الختم من الخليل وحدها سيؤدي لسوء فهم لدى الزبائن، ولا يجوز وجود منتجات بتعريف المصدر وأخرى بدونه.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية