عذرا… محمد علي قضية الجميع

حجم الخط
3

يعيد الممثل ورجل الأعمال محمد علي عبر أحاديثه التي ينشرها عن تجربته مع السلطة في مصر كلمات صلاح جاهين: «أنا المهرج.. قمتو ليه خفتو ليه؟ لا في أيدي سيف ولا تحت مني فرس»، إلى المشهد، وهو يصر على التأكيد على فجوة المكانة والقوة، التي يتحدث منها وتلك التي يشغلها النظام أو المتهم من وجهة نظره.
صورة ليست الوحيدة التي يستحضرها الحديث العفوي الطابع بشكل مقصود، كونها تستحضر في مخيلة البعض عالم «علي الزيبق» القادر على مواجهة الفساد والظلم والانتصار للضعيف، رغم فجوة الإمكانيات والمكانة، أو الصورة الكوميدية ممثلة في «لبلب» القادر رغم ضعفه على مواجهة «عنتر» وإخراجه من الحارة، بعد معركة غير متكافئة تعتمد على القوة والذكاء، والحيلة والخداع، وتسقط فيها الهيبة قبل الجسد أو دونه في فيلم «عنتر ولبلب» إنتاج 1952.
ولكن بعيدا عن صورة علي المقدمة بوصفه القريب من الشعب بنفس درجة ابتعاد حديث الثلاجة الفارغة والفقر وعدم القدرة عنه، لا يخرج البعض محمد علي من دائرة الكراهية التي يجب أن تظل هي الصوت الأكثر ارتفاعا بوصفها آلية فرز دائمة من جانب، ومؤشر مواطنة من جانب أخر، ويصبح المواطن الشريف الحاصل على صكوك المواطنة والمانح لها هو القادر على رؤية العالم وفقا لتلك الثنائيات، والقادر على اعتماد الكراهية وسيلة ممتدة للحكم والبقاء إعمالا لمقولات متنوعة تمتد من «الكتلة الصلبة» إلى «فوبيا إسقاط الدولة»، وتواجه كل من يحاول مناقشة ما يقال بالتخويف من إسقاط الدولة واستهداف هيبة القوات المسلحة في سلسلة ممتدة من مبررات إنهاء النقاش قبل أن يبدأ وإغلاق باب المحاسبة قبل أن يفتح، والبقاء على ما هو قائم لأن الآليات القائمة تقوم على علاقة انتفاع متبادل لا يملك فيها الضحية القدرة على تغيير الأوضاع ما لم يخرج من وضعية الضحية إلى وضعية المواطن صاحب الحق. يقف محمد علي بخطابه البسيط بدون ضعف، والمحمل بالرسائل المباشرة وغير المباشرة، وبالكثير من الإسقاط المقصود، في مساحة تعيد خلط أوراق قوى متنوعة في الساحة المصرية، سواء أكانت قوى منظمة في شكل مؤسسات وهيئات، أو قوى غير منظمة، تحمل مسميات ترغب في الحفاظ عليها. أطراف لا تتعايش بسهولة مع فكرة المقبل من خلف الصفوف إلى الواجهة، أو الشريك الذي تحول من دائرة الفساد إلى دائرة المواجهة، بعد أن اختلفت الحسابات والمكاسب، مقابل تصور البعض أن ما يقوم به محمد علي في هذا السياق يتناقض مع الأخلاق، التي تحدث النظام عن ضرورة تشكيل لجنة من أجل تعريفها والتأكد من الالتزام بها، ومتابعة التمسك بقواعدها، والتي من شأنها أن تؤكد وفقا للواقع المعاش على الحق في استحضار رموز وشخصيات حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، أو شخصيات أخرى، تمت إدانتها في قضايا فساد إلى الواجهة، والاستشهاد بها بدون النظر إلى صكوك الأخلاق المعنية، أو حقيقة القدوم من دوائر الفساد إلى دوائر النصح والإرشاد، التي لم يعلن محمد علي الانتماء إلى أي منها، وهو ينقل معركته من معركة الحق المالي إلى معركة البقاء المادي، عبر حماية النفس والمعنوي عبر حماية الاسم.
في الوقت نفسه تثار أنواع مختلفة من الجدل حول ظهور علي المفاجئ في المشهد، بالطريقة التي ظهر بها، وفي حين يصر البعض على أن الصراع مادي يهدف من خلاله إلى الحصول على المستحقات المالية، المفترض أن تحصل عليها شركة المقاولات، التي كانت تعمل مع القوات المسلحة عبر سنوات طويلة، يؤكد الواقع وطبيعة الخطاب المستخدم وتصعيده عن صعوبة إنهاء الوضع القائم عبر تسوية مالية تجاوزتها التطورات، إلى طريق اللاعودة، في ما يتعلق بتسوية ودية تتم خلف الأبواب المغلقة، وفقا للمعطيات القائمة في المشهد.
ويعيد البعض إلى الواجهة خطاب الأجندات والأطراف الإقليمية والدولية التي تحرك المشهد، بمن فيه محمد علي، في لعبة السلطة، وصعوبة أن يقوم بتلك الخطوة بدون دعم أو إدارة وتنسيق، في حين يعتبر البعض أن هذا التشكيك من شأنه إضعاف المعارضة وخطابها، لأنه يعمد إلى تصوير كل معارضة بوصفها جزءا من أجندة خارجية ومصالح ما، في وضعية تتجاوز عن قيمة أشياء إنسانية ومهمة مثل، الغضب من الإهانة والمس بالكرامة، وأهمية الانتصار لها، بالإضافة إلى التهديد والخوف بدرجاته، وما يمكن أن تقود إليه تلك التفاصيل وتراكمها من تغييرات متعددة، بما فيها الخروج بحديث الوطن وحمايته أو المواطنة التي يصعب احتكارها من أي طرف أو تفسيرها بتلك السهولة، خاصة في وقت يقدّم علي الكثير من التفاصيل التي لم يعرفها أحد عنه وعن أعماله، بما يحتمل معه تواجد أوضاع وتطورات أخرى غير معروفة، ساهمت في تشكيل اللحظة، أو بداية الطريق إليها. تظل كل الاحتمالات قائمة في واقع لا يعرف فيه المواطن ما الذي يحدث، حتى يقرر طرف ما أن يخرج بتسريبات أو جس نبض، أو تعلن أخبار من أطراف أخرى خارجية، أو عندما نكون جميعا في مواجهة الواقع، والثمن الذي يدفع بعد ترتيب الأوضاع بشكل مسبق في الغرف المغلقة والمؤتمرات السرية.
يظل كل ما سبق جزءا من حالة يقف فيها محمد علي والفيديوهات التي يقدمها، وكأنه الطفل في قصة السلطان، الذي خرج على الناس عاريا واعتبر وضعه فرزا ما للثقة والمواطنة وغيرها من معايير الحكم والحكمة، قبل ان يعلن الطفل الحقيقة التي ينكرها الجميع عمدا، من أجل الحفاظ على المكانة المفترضة. يقف محمد علي بحديثه في مواجهة كل من رحب بنشر تسريبات شخصية، وعمل على تحويل المعارك إلى قضايا أخلاقية ذات طبيعة انتقائية يمكن ان يفلت من تأثيرها البعض، بحكم علاقات القوة والمصلحة، أو شبكة الترابطات التي تجمع أصحابها، في حين يسقط البعض الآخر في جدل الأخلاق المؤهل للانتقام من الشخص، والتشهير به في قضايا تقدم بوصفها فرصة لتصفية حسابات سياسية. يقف هؤلاء الآن في مواجهة تسجيلات علي، مؤكدين على وجود حرمة وأخلاق يجب أن تحترم في الصراع، بدون تمييز بين ما هو شخصي وما هو عام، وبدون تمييز أن ما يقدمه محمد علي بوصفه طرفا في التطورات التي يتناولها يمثل بطريقة ما تقديم بلاغ في حالة يغلب فيها الخوف على القانون، وتصبح الدولة مسؤولة عن تكذيب ما يقول بما لديها من وثائق وعقود، أو تفسير ما يقول والمحاسبة وفقا للحقائق.

ينقل محمد علي جزءا من الصراع الذي يتم خلف الأبواب المغلقة إلى الواجهة، وبدون أن يتم سؤالنا بشكل مسبق يصبح لدينا جزء من تلك المعرفة

تظهر إلى جانب تلك الأمور تعليقات طبقية، تحاول استخدام خطاب محمد علي نفسه حول مستواه التعليمي وحجم مشاريعه، للخروج بتساؤلات عن كيفية تحقيق شخص بهذا المستوى التعليمي البسيط، وفقا لهم، للملايين رغم ان الفكرة، وبعيدا عن الحالة المقصودة وتفاصيل الثروة والنفوذ القائمة في مصر، تظل جزءا من آليات متغيرة في العالم، لا تربط بين التحصيل الدراسي والثروة، تماما كما لا تربط بين الشهادات التعليمية وغيرها من القيم، ولنا في أسماء شهيرة حول العالم أمثلة واضحة للفجوة بين الشهادة والمعرفة، وبين الشهادة والثروة والمكانة، بدون أن يقلل هذا من قيمة تلك الاسماء ودورها في إعادة رسم آليات التواصل واستخدام التكنولوجيا حول العالم، وغيرها من الأفكار والمشاريع الكبرى والمربحة. يكشف علي من خلال حديثه العام الذي يعيد إلى الذاكرة كلمات «الخباز الفصيح» أثناء ثورة يناير 2011 وصاحب فيديو «خريج التوك توك» عام 2016، حالة الفصام التي يتسم بها البعض، بين حديث المساواة والإصلاحات والحقوق والحريات النظري، وواقع مواجهة الفرد من مدخل الطبقة والمستوى التعليمي والأصول العائلية، بوصفها ثوابت تعرّف الشخص في اللحظة والمستقبل ولا تقبل أن يعاد طرحها في إطار الحديث عن المواطنة والحقوق والحريات.
مع مواجهة الذات وبعيدا عن خطاب المؤامرة تظل النقطة المحورية التي يحاول النظام ومن يؤيده الالتفاف بعيدا عنها هي المحتوى الذي يقدمه محمد علي، وما فيه من تفاصيل لا تغير أصل المشهد وحقيقة غياب التخصيص الرشيد للموارد، الذي يمكن إدراكه بسهولة من خلال مسلسل المشاريع القومية والقروض التي لا تنتهي، ولكنها تضع بعض الرتوش من أجل إبراز الصورة وإكمال الفراغات بين العناوين الكبيرة، وتحتكم إلى الشعب، بدون ان تطلب منه التفويض المفتوح في معارك من نوعية أكبر بناء وأعلى برج، بقدر ما تطرح السؤال عن ضرورة تواجد تلك المشاريع، وكيف يتم تنفيذها، وأين تذهب موارد الدولة، وهل تنفق حقا على أوجه الإنفاق المفترضة؟ أم على بنود أخرى بما فيها بنود شخصية للسلطة ومن يمثلها؟ وإن كان اقتراب محمد علي من أوضاع القصور والاستراحات وغيرها قاد البعض إلى تذكر الماضي القريب، وكيف تمت محاسبة مبارك الأب والأبناء في قضية تتعلق بالقصور الرئاسية، وإهدار المال العام، فإن عالم ما بعد 25 يناير لا يفترض أن يتجاوز عن تلك الوقائع، والفقر المعاش لا يفترض أن يبرر هذا التجاوز.
يقول البعض إن ما يحدث لا يخصنا، وإنها مجرد معركة تكسير عظام بين أطراف من نفس الدائرة أو شركاء في صراع على المكاسب، وهي مقولة شديدة البعد عن الحقيقة، لأن حديث محمد علي فرض مسؤولية على الجميع، بما في ذلك السلطة التي لا يفترض أن تتعامل مع الحدث وكأن النظام المستهدف بالنقد والاتهام يتواجد في عالم آخر، وهي مسؤولية المعرفة. ينقل محمد علي جزءا من الصراع الذي يتم خلف الأبواب المغلقة إلى الواجهة، وبدون أن يتم سؤالنا بشكل مسبق يصبح لدينا جزء من تلك المعرفة، ومن لم يكن يصدق حديث يوتوبيا، ويرى أنه مجرد كلام نظري يواجه الآن بقصص وأحداث يمكن أن يجد المزيد عنها في الأخبار والواقع، خاصة في الأماكن التي يشير إليها ويطالب بتصويرها حتى يتم ربط القصة بالصورة، كما حدث في الحديث عن المقبرة التي تم دفن والدة الرئيس فيها، والبوابة الخاصة بالمقابر، التي قامت إحدى الصحف بنشر صورها مع بعض التفاصيل عنها، لتؤكد ارتفاع حجم التكلفة التي لا يمكن أن يحاسب عليها أحد، إن كانت من المال الشخصي، ولكن لا يفترض القبول بها إن كانت من المال العام، الذي يدفع الملايين ثمنه في صورة فقر ومعاناة ونقص في الخدمات، وفرص الحياة وحديث «مش قادر أديك» و»أحنا فقرا» الشهير.
يواجهنا محمد علي عبر تلك الفيديوهات بالكثير، ويضعنا في مواجهة مسؤولية المعرفة بما فيها عدم القبول بفكرة الفقر المرسل والحزام المتوارث والمشاريع القومية التي يدفع ثمنها سكان المحروسة، من أجل عدد من الأفراد في دائرة السلطة والنفوذ، بدون أن يتحدث أحد أو يحاسب أحد، وعندما يفكر شخص ما في الحديث يتم إغلاق المجال باسم الحفاظ على الدولة وهيبة مؤسساتها، بدون أن يقول لنا أحد كيف تتم حماية دولة دون محاسبة الفساد وتحقيق العدالة، وكيف يتم الحفاظ على هيبة تتم من إفقار العباد؟ وكيف يتم تأسيس تلك الهيبة التي يفترض أن ترتبط بالدور إن كانت تلك الاتهامات لا تواجه بتحقيقات وردود مسؤولة بعيدة عن الاتهامات الأخلاقية والقضايا المعلبة سلفا.
كاتبة مصرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    نعم قضية محمد علي شخصية! لكنها فضحت فساد الجيش المصري!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    مقال اكثر من ممتاز
    اتمنى أجد وقتاً للتعليق عليه بتفصيل اكثر.

  3. يقول سامى عبد القادر:

    جاء فى المقال أن هناك من يهاجمون محمد على لأنه يستهدف “هيبة القوات المسلحة”!!!
    وأنا أسأل بدورى; وهل للقوات المسلحة المصرية أى هيبة حتى تُستهدف?!!
    .
    فإذا تكلمنا عن الحروب, فهزائمها المروعة, والتى انتهت جميعها على مشارف القاهرة, تسير بحكاياتها ونوادرها الركبان, حتى أن هزيمة يونية ٦٧ دخلت موسوعة جينس كأقصر حرب فى التاريخ, فقد استغرت وقتاً أقل بكثير مما احتاجه نادال ليفوز ببطولة أمريكا للتنس … ناهيكم طبعاً عن هزيمة اليمن المروعة … أما الإنتصار الوحيد الذى حققه جيش الجمبرى فكان على الشعب المصرى الأعزل
    .
    هذه العصابة المسلحة المارقة التى تحتل مصر, وتتنازل عن أرضها وثرواتها ونيلها وشرفها وكرامتها, وتنهب وتسرق وتقتل وتعيث فى مصر فساداً وخراباً, لا تستحق أى هيبة ولا أى إحترام, وإنما تستحق ثورة عاتية تقتلعها وتدمرها, وتطهر مصر من دنسها وإجرامها وعبوديتها المقيتة الذليلة لأسيادها الصهاينة

اشترك في قائمتنا البريدية