بخلاف الحجاج اللبنانيين الذين اختطفوا في اعزاز بالشمال السوري والذين ينتمون الى طائفة واحدة، الشيعة، ينتمي العسكريون اللبنانيون المختطفون من عرسال على يد امتدادات «النصرة وداعش» الى طوائف عدّة، ويجسّدون المؤسسات الأمنية الشرعية للدولة اللبنانية. أمّا الخاطفون، فيختلفون نوعياً عن مجموعة ابــو ابراهيم في اعزاز، فهم احتلوا البلدة اللبنانية واصطدموا بالجيش دموياً، واعدموا أحد الرهائن ذبحاً، فيما اعتبره مراقبون اشعاراً منهم بأن في «حافظتهم» أسماء وسير عن ضباط وجنود لبنانيين تواجهوا مع الجماعات المتشددة المسلّحة في نهر البارد أو في حادثة عبرا.
الاختلافات أساسية اذاً بين ملف المخطوفين العسكريين من عرسال وملف المخطوفين من طائفة واحدة في اعزاز. الاخيرون عادوا بعد اشهر مديدة قضوها في الاعتقال، وبعد ان سمحت بذلك وساطة إقليمية لعبت فيها قطر وتركيا ادواراً رئيسية. اليوم ايضاً ثمة قنوات وساطية قطرية، لكن امكانية توقّع سلوكيات وردات فعل المجموعة الخاطفة اصعب، خصوصاً وأنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» كان استبق عملية الخطف قبل ذلك بأسابيع باعلانه العزم على «تحرير» السجناء الإسلاميين في سجن رومية.
في اعزاز، كان مطلب الجماعة الخاطفة الرسمي يتعلق بوقف تدخل «حزب الله» في سوريا وفي وقت كان هذا التدخل في بداياته نسبة لاتساع رقعته وحدته واشهاره بعد ذلك. اما بالنسبة للمخطوفين العسكريين، فالعقلية التي تحكم خطفهم، هي عقلية صراع مزمن بين الجماعات الاسلامية المتشددة وبين جيش الدولة اللبنانية ليس له علاقة مباشرة بتورط «حزب الله» في الحرب السورية، ويمكن ان يرجع الى معركة نهر البارد، بل الى معركة سير الضنية بداية العام2000 .
الدولة اللبنانية تحاول التوفيق بين اعتبارها سلامة العسكريين المخطوفين خطاً احمر وبين رفضها الاذعان للابتزاز المتخطي لشروطها القانونية وقضائها، من خلال «مقايضة» سلامة وحرية المخطوفين بتحرير سجناء إسلاميين في سجن رومية.
بالتوازي، يؤكد رئيس الحكومة اللبنانية بأنّ ثمة عناصر ضاغطة يمتلكها لبنان في هذه القضية، وهي على ما صار واضحاً في وسائل الاعلام المحلية نقلاً عن مصادر عسكرية وامنية، اقفال المعابر بين عرساب وجرود القلمون، وتشديد القبضة الأمنية على مخيمات النازحين، وتسريع محاكمات الموقوفين، علماً ان مسألة قانونية تطرح نفسها تتعلق بكيفية المناورة باستصدار وتنفيذ احكام اعدام في ظلّ شغور منصب رئاسة الجمهورية.
في كل هذا المشهد المختلف بشكل كبير عن قضية مخطوفي اعزاز، تحضر نقطة تشابه اساسية، وهو تحرك «اهالي المخطوفين»، فهنا ايضاً يحضر «حزب الله» بشكل غير مباشر، ولو ان المخطوفين هذه المرة من كذا طائفة، ولو ان العسكري الذي ذبحه مسلحو «داعش» من الطائفة السنية. هذا الضغط لأهالي المخطوفين يجعل من «العملية التفاوضية»، عملية رباعية، فبالاضافة الى الخاطفين، والوسطاء، ثمة كيان الدولة وحكومتها من جهة، واهالي المخطوفين ومن ورائهم «حزب الله» من جهة ثانية. فالى اي حد يمكن ان يبقي الحزب في هذا المجال على موقف ثابت رافض لأي عملية «مقايضة» مع المجموعة الخاطفة؟
في هذا الوقت، أتى الالتفاف حول الجيش اللبناني في مواجهة المسلحين الذين خطفوا العسكريين وسيطروا على بلدة عرسال، ليعكس حالة اجماعية لبنانية. لكن هذه الحالة سرعان ما أصيبت بالاختلاف بين من يرى ان التعامل مع هذا الملف لا يمكن ان يكون عسكريا فقط، وأمنيا فقط، فلا مناص من السياسة، ومن الوساطات، ومن إيلاء مكانة أساسية لمصالح وأرزاق أبناء عرسال، وبين من يرى على العكس من هذا، انه ينبغي التعامل مع عرسال كما لو انها العاصمة الشيشانية غروزني. في نهاية المطاف، اعتمدت قيادة الجيش اللبناني موقفاً مركباً، كرسته الحكومة اللبنانية بالتفريق بين التعاطي مع عرسال كبلدة ومع التعاطي مع المسلحين في جرود عرسال، وهذا لم يعجب ابداً هذا معسكر الداعين الى «الحسم» بالقوة، ممن يعتبر ان تطبيق حالة مخيم نهر البارد على عرسال هو المدخل لانضاج انتخابات رئاسية لبنانية تجيء على هواه.
هذا الانقسام غيض من فيض تترجمه الحيرة أمام قضية المخطوفين: هل ثمة من مخرج غير «المقايضة»؟ لكن من جهة أخرى من لديه شرعية مؤسساتية وسياسية وافية في الدولة اللبنانية ليتحمّل المضي في هذا الخيار؟
وسام سعادة