“عرين الأسود”.. راية جديدة للمقاومة الفلسطينية تتجاوز الأيديولوجيا الحزبية

سعيد أبو معلا
حجم الخط
8

نابلس- “القدس العربي”: لا يتوفر كم كبير من المعلومات الدقيقة عن مجموعة “عرين الأسود” التي تنشط من البلدة القديمة بمدينة نابلس، والتي لمع اسمها في الأشهر القليلة الماضية، وهي اليوم تحظى بأكبر حالة من الدعم الشعبي غير المسبوق، لكونها أصبحت المجموعة التي تصنع الأخبار بعد موجة عملياتها الأخيرة ضد قوات الاحتلال والمستوطنين.

وغداة البحث في بدايات المجموعة، يجد المتابع أن جميع المؤشرات لبداية انطلاقها تعيدنا إلى حادثة إعدام قاسية قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في عملية خاصة بمدينة نابلس لثلاثة شبان بتاريخ 8 فبراير من العام الجاري.

في تلك العملية التي استهدفت ثلاثة ناشطين من مجموعة مسلحة أطلقت على نفسها “كتيبة نابلس”، ونشر الإعلام الإسرائيلي قبل أيام فيديو يوثق عملية استهدافهم وتتبعهم، في تلك العملية قام الجنود بإطلاق مئات الرصاصات على السيارة التي كان يستقلها الشبان الثلاثة بطريقة وحشية واستعراضية رغم توفر إمكانية اعتقالهم.

بدايات المجموعة تعود إلى حادثة إعدام قاسية قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في عملية خاصة بمدينة نابلس لثلاثة شبان بتاريخ 8 فبراير من العام الجاري

وأحدثت عملية الاغتيال صدمة كبيرة في مدينة نابلس أسوة بكل المدن الفلسطينية، فالجريمة كانت قاسية ومروعة من ناحية، وبسبب طبيعة المستهدفين الثلاثة وهم: أشرف مبسلط، وأدهم مبروك، ومحمد الدخيل، وينتمي ثلاثتهم إلى كتائب “شهداء الأقصى”، الجناح العسكري لحركة فتح.

وبحسب محللين، أراد الاحتلال من تنفيذ جريمة تصفيتهم المروعة التي حظيت باهتمام رسمي من حكومة الاحتلال، ولقيت إشادة من كافة وزرائها، وتناولتها وسائل الإعلام العبرية لساعات طويلة، أرادت إرسال رسالة ردع للمقاومة الفلسطينية، لكن الاحتلال لم يكن يدرك فعليا أن هذه العملية تحديدا ستقود لأكبر مصدر قلق يعيشه الآن. فبعد العملية بدأت نواة حالة مقاومة جديدة ضد الاحتلال.

كان أحد شهداء المجموعة محمد الدخيل وهو صديق الشاب محمد العزيزي “أبو صالح” (23 عاما) الذين كان استشهاد رفيق دربه بداية تفكيره لتأسيس مجموعة “عرين الأسود”.

سؤال وعاطفة الصداقة

في فيلم وثائقي أنتجه “تلفزيون فلسطين”، يظهر أحد المقاومين في المجموعة، ويقول إن العزيزي (الذي ينظر له على أنه مؤسس المجموعة) تأثر كثيرا بعملية اغتيال الشبان الثلاثة، وتحديدا صديقه الدخيل الشاب المرح والبشوش والقادر على القيادة، حيث بدأ بعدها بتعليق صور الشهداء في منزله في حارة الياسمين بالبلدة القديمة من نابلس على جدار غرفته الخاصة.

يقول المقاتل إن العزيزي كان يردد دوما متسائلا: “شو يعني يدخل الجيش الإسرائيلي على البلد ويخرجوا بسلام؟”.

لقد كُتب لهذا السؤال الاستنكاري إلى جانب عاطفة الصداقة أن تكونا بمثابة الشرارة الأولى لتشكيل المجموعة.

وطوال أشهر، استمر العزيزي ومن معه من رفاق، بعملية جذب واستقطاب للمقاتلين، الذين كان جزء منهم يقيمون في منزل عائلته بالبلدة القديمة.

خلال تلك الفترة التي تلت استشهاد المقاومين الثلاثة، كانت صور الشهداء على جدار غرفة العزيزي تتضاعف من مختلف الأحزاب والفصائل والمدن الفلسطينية كما تتضاعف فكرة وحضور “عرين الأسود” التي كانت بهدوء وروية تجذب المزيد منهم.

وبتاريخ 24 يوليو/ تموز من العام الجاري، نفذت قوات معززة من جيش الاحتلال اقتحاما موسعا للحي الذي يقع فيه منزل العزيزي في البلدة القديمة، وحدث اشتباك عسكري عنيف استشهد خلاله العزيزي مع صاحبه عبد الرحمن صبح (28 عاماً).

وبعد العملية العسكرية اتضحت معالم ما جرى، حيث تناقل المقاتلون أخبارا أن الشهيدين قاما بالتضحية بنفسيهما من أجل توفير الحماية والتغطية لأعضاء المجموعة التي كانت موجودة في المنزل لحظة الاقتحام، وهو الأمر الذي ترك أثرا عظيما في نفوس المقاتلين وتحديدا من تمكن منهم من الانسحاب، وأبرزهم المطلوب الأول إبراهيم النابلسي الذي استشهد يوم 9 أغسطس، عندما تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلي من اغتياله ورفيقيه إسلام صبوح بعد اشتباك مسلح مع قوة إسرائيلية خاصة في البلدة القديمة.

النابلسي والذي يعتبر أحد أعضاء المجموعة المتجاوزة للحزبية، أحدث اغتياله حالة نضالية مضاعفة، يقول أحد الناشطين: “إذا كان استشهاد الثلاثة جعل من الحالة النضالية تكبر في نابلس، فإن اغتيال النابلسي الذي أصبح رمزا شعبيا ووطنيا ضاعف من الحالة النضالية، وهو ما عزز من التفات الشبان الصغار إلى مجموعة عرين الأسود”.

وفي وقت لاحق، بتاريخ 24 سبتمبر، استشهد أحد أعضاء المجموعة وهو المقاوم سائد الكوني عندما نصبت المقاومة كمينا لقوات الاحتلال التي اقتحمت المدينة فجرا.

أمام تنامي ظاهرة عرين الأسود في نابلس، ضاعف الاحتلال من التحريض عليها، حتى أنه وصف الخطر القادم من نابلس بأكثر من ذلك الذي مصدره مدينة ومخيم جنين

مقاومون مجهولون

وأمام تنامي ظاهرة المجموعة في نابلس، ضاعف الاحتلال من التحريض عليها، حتى أنه وصف الخطر القادم من نابلس بأكثر من ذلك الذي مصدره مدينة ومخيم جنين، وطالب السلطة الفلسطينية بأن تقوم بواجبها في “ضبط الحالة الأمنية” مهددا بإعادة اجتياح المدينة. وأمام الضغط الإسرائيلي، قام جهاز الأمن الوقائي بتاريخ 19 سبتمبر، باعتقال الأسير المحرر مصعب اشتية من مدينة نابلس وهو أحد أعضاء المجموعة، وينتمي لحركة حماس، مع رفيقه في الجبهة الشعبية، عميد طبيلة، وهو ما خلق حالة من الغضب الشعبي العارم، إلى جانب غضب المجموعة التي دعت إلى مسيرة احتجاج ضد اعتقال اشتية استمرت لأكثر من يومين متواصلين ضد الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى حين أن توصلت المجموعة مع السلطة الفلسطينية لاتفاق يضمن عدم مطاردة المقاومين في المدينة.

ومما يظهر للمتابع، فإنه لا يظهر من المجموعة أحد إلا يستشهد أو يتم اعتقاله، وهو الأمر الذي يعتبر إحدى أبرز نقاط قوة المجموعة. فهم يعملون وفق رسالتهم “أننا مجهولون وأن عملنا هو الشاهد علينا وأن اللثام لا نميطه إلا عند الاستشهاد”، وهو ما يجعلها تشق طريقها إلى عقول الفلسطينيين وقلوبهم بسرعة فائقة رغم ولادتها الحديثة.

حفل تأبين المؤسسين

بعد 40 يوما على استشهاد الشابين المقاومين محمد العزيزي “أبو صالح” وعبد الرحمن صبح “أبو آدم” من مدينة نابلس، ظهرت مجموعات “عرين الأسود” في أول عرض عسكري مسلح بزيّها الرسمي الموحد.

فيما تمنح مشاهدة الحفل ومتابعة الكلمات المتابع إطلالة على بعض جوانب المجموعة وتحديدا الخلفية المقاومة التي جاءت منها، ففي صدر المنصة التي اعتلاها المسلحون وأمهات الشهداء، كانت صور ضخمة ضمت العزيزي وصبح، لكنها أيضا ضمت صور الشهيد عنان صبح الذي اغتالته إسرائيل عام 2009، وباسم أبو سرية، قائد كتائب شهداء الاقصى في الضفة الغربية، وأحد مؤسسي مجموعات فارس الليل في نابلس، الذي اغتاله الاحتلال عام 2007.

خلال الاحتفال التأبيني، تم التطرق إلى ظاهرة فارس الليل التي كانت بمثابة جماعة مسلحة تقودها كتائب شهداء الأقصى في نابلس بعد الانتفاضة الثانية، وهو ما يدلل على أن “عرين الأسود” هي امتداد لهذه المجموعة التي تم تفكيكها عبر تصفية قياداتها وانضمام القسم الآخر للأجهزة الأمنية الفلسطينية بعد تسليم سلاحه.

وخلال الحفل التأبيني، ظهر نوعان من المسلحين، الأول ضم مسلحين ملثمين يرتدون ألبسة عسكرية متنوعة، أما النوع الثاني فضم مسلحين ملثمين يرتدون لباسا أسود، والأهم أنهم يضعون على فوهات بنادقهم عصبة حمراء في إشارة إلى أن هذه الأسلحة لا تطلق الرصاص بالهواء أو في المناسبات، بل على جيش الاحتلال.

خلال الحفل التأبيني الجماهيري، تم الإعلان عن مؤسس المجموعات وهو الشهيد العزيزي (الذي لقب بالمشتبك المخفي) والشهيد صبح (الذي لقب بأسد الاشتباكات).

في بداية الاحتفال الحاشد، ظهر صوت الرئيس الراحل ياسر عرفات وهو يقول: “يريدوني إما أسيرا أو إما طريدا وإما قتيلا”، فيما يكون دور خطيب الاحتفال “إذا شهيدا، شهيدا، شهيدا”.

وأعلن “العرين” بصفته ظاهرة مقاومة مستمرة ومستمدة من وحدتها على الأرض ومن الماضي القريب (مقاومة ياسر عرفات، والثورة التي انطلقت من نابلس)، بصفتهم “البندقية الشريفة المصوبة نحو الاحتلال”.

وخلال كلمة مقاومي “عرين الأسود” التي بدأت بآيات القرآن الكريم، قدمت برنامجها ورؤيتها من خلال ثلاث نقاط أولها: تأكيد السير على خطى الشهداء، فلن تقف المجموعة مكتوفة الأيدي ولن تترك البندقية وستقوم بسحق العملاء والخونة. وثانيا: البنادق لن تهدر رصاصة في الهواء، فالعدو هو الاحتلال الإسرائيلي، وثالثا: أعضاء الأجهزة الأمنية أخوة لنا، وسلاحنا لن يتوجه إليهم.

وبعد أسابيع على هذا الإعلان، لا تتوقف أخبار مجموعة “عرين الأسود”، فبعد مزيد من الأخبار التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية حول قيام السلطة الفلسطينية بالتفاوض مرة أخرى مع المجموعة لتسليم سلاحهم وانخراطهم في الأجهزة الأمنية، وهو ما أكده محافظ مدينة نابلس قبل أيام، توالت أخبار العمليات العسكرية التي تنفذها كان آخرها أمس الثلاثاء، حيث أعلنت عن تنفيذ خمس عمليات إطلاق نار في محيط مدينة نابلس، نتج عنها مقتل جندي إسرائيلي.

جيش الاحتلال ومخابراته عاجزون عن فهم هذه المجموعة من المسلّحين في منطقة نابلس، وصياغة خطوات فعّالة لمواجهتها

جيل التضحية

وكانت صحيفة “معاريف” العبرية نشرت تقريرا مطوّلا تحت عنوان: “عرين الأسود”، أعده معلِّقُها للشؤون العسكرية “تال ليف رام”، خلص فيه إلى أن جيش الاحتلال ومخابراته عاجزون عن فهم هذه المجموعة من المسلّحين في منطقة نابلس، وصياغة خطوات فعّالة لمواجهتها.

وبحسب الصحيفة، فإن منظومة المجموعة صعبة للغاية بالنسبة للمنظومة العسكرية والاستخبارية، لأنها على عكس المنظمات القائمة والمعترف بها، فهي تُشكل مفهوما جديدا وغريبا من ناحية اتّساع نطاقها.

وطبقا للصحيفة، فإن المجموعة لا تعمل تحت راية معيّنة، وهي تسعى إلى قيادة خط وطني جديد ضد “إسرائيل”، (في حفل تأبين شهداء المجموعة قال الخطيب: آخر الكلمات: “فليسقط غصن الزيتون ولتحيا البندقية”).

ووصف المحلل السياسي هاني المصري “عرين الأسود” بأنها تنتمي إلى جيل التضحية وليس إلى جيل الإعداد والتحرير، فهم يؤمنون بالقتال حتى الشهادة.

وتابع حديثه في ندوة نقاشية لمركز رؤية للتنمية السياسية: “أعضاء المجموعة يرفضون أن يُلّف أي شهيد منهم بعلم فصائلي، كما أن لديهم ميلا دينيا لكنهم ليسوا “داعش” أو الجهاد أو حماس، وهم أشخاص نظيفو اليد، لا يرتبطون بأي فعل غير مقبول مجتمعيا مثل إطلاق الرصاص بالهواء أو طلب المال بالقوة، وهم ضد الاصطدام مع السلطة وأجهزتها الأمنية”.

ورغم أن طابع المجموعة دفاعي، إلا أنها في الأيام الأخيرة اتخذت طابعا هجوميا عبر تنفيذ عمليات إطلاق نار. ويطالب المصري بأن “لا نحمّل المجموعة أكثر مما تحتمل، وذلك لسببين، الأول أن موقف السلطة منها سلبي، وهي تسعى إلى إنهاء هذه الظاهرة، والثاني أن الانتفاضة الشاملة تتطلب الكثير من المستلزمات ومنها الحاضنة الشعبية الحامية وانخراط مجتمعي يشمل كل الأحزاب والفصائل الفلسطينية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    راية عرين الأسود هي التي ستسود وتحكم فلسطين من البحر الميت إلى البحر المتوسط، وإن غدا لناظره قريب وارتقب إنهم مرتقبون ✌️

  2. يقول آدم:

    الهدف يجب ان يكون تدشين مرحلة جديدة من العمل الوطني ضد الاحتلال,,,, ليس مجرد عملية او عدة عمليات,,, بل منهجية مدروسة لمحاربة جيش الاحتلال وجعل جنوده ومستوطنيه يحسبون الف حساب قبل الخروج من ثكناتهم للتنكيل بالشعب الفلسطيني وقتل اطفاله,,, يجب ان تكون حساباتهم مبنية على النسبة المؤية لعودتهم احياء بعد اي مهمة في الثكنات او خارجها,,,,, يجب ان يكون حساب انسحاب الشباب بعد العملية هو اولوية,,,, فالهدف ليس الاستشهاد، ولكن ايقاع اكبر خسائر في العدو والانسحاب بسلام,, اي النصر المطلق,,,حتى التحرير,,, هناك ياتي التفوق في التخطيط والاستخبار ’’’ هنا الفرق في الذكاء والهزيمة المعنوية الشاملة للعدو وعجزه,,,,

  3. يقول آدم:

    واجعلوا من كل حملة انتقامية للعدو من قرية او مخيم او مدينة ردا على عملية فدائية ، مصيدة لايقاعه في المزيد من الخسائر!!!!!!!!

  4. يقول الثورو_ النابلسي:

    الخونة والعملاء هم مصدر معلومات للصهاينة، يجب حماية المناضلين والنشطين والفدائيين الجدد من العملاء واعوانهم. السرية المطلقة مطلوبة. على السلطة ان تحميهم بشكل او بإخر. عاشت فلسطين عرين الاسود والشهداء.

  5. يقول Hmz:

    سدد الله رميكم

  6. يقول صفي الدين لبات مبارك - موريتانيا:

    تحيا فلسطين..

  7. يقول عادل:

    عرين هي المستقبل بعيد عن الاحزاب و المزايدات السياسية .لا حل للقضية الفلسطينين الا العمل المسلح و التاريخ اكد ذلك .كل الدو ل اخدت استقلالها بالقوة

  8. يقول Fathy Altarabin:

    اهم شي وقبل كل شي التخلص من الخونه والعملاء لانهم هم من يمد الاحتلال بالمعلومات عليكم التخلص منهم

اشترك في قائمتنا البريدية